"البحث والتحري": تقيّد بالقانون أو رقابة مسبقة على "الإستئنافيّة"؟

يتطلّع الحقوقيون بحسرة، إلى العدلية القديمة التي تمرّسوا في قصورها قبل عام 2019، أي قبل أن تتحوّل القرارات الناظمة لعملها إلى وجهة نظر، تتعمّد قلّة من أركانها إلحاقها بسياستهم الشعبوية التي ينتهجونها.

ويأتي هذا التوصيف، بعد أن تفرّدت المدّعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون بإصدار «توضيح اعتراضي» على القرارات التي أصدرها النائب العام لدى محكمة التمييز بالتكليف القاضي جمال الحجار بتاريخ 5 آذار 2024، والتي طالب بموجبها النيابة العامة الاستئنافيّة بالتقيّد بالأحكام القانونية التي ترعى المدّة القصوى لبلاغات «البحث والتحري»، وحصر تعميم القرارات التي يصدرها النوّاب العامون والمحامون العامون على المراجع المختصة، بواسطة النيابة العامة التمييزية، بما يحول دون حصول أي تعارض بين أيّ من التعاميم الصادرة عن أي نيابة عامة وبين التعاميم الصادرة عن النيابة العامة التمييزية، وصولاً إلى طلبه أيضاً من المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، التقيّد بمدّة بلاغ «البحث والتحري»، وتكليفها مراجعته شخصياً في شأن أي إشارة قضائية تتضمّن تمديد مدة بلاغ «البحث والتحري» بما لا يتجاوز أحكام المادة 24 من قانون أصول المحاكمات الجزائيّة، التي حدّدت فترة «البحث والتحري» بعشرة أيام يسقط بعدها البلاغ حكماً، ما لم تقرّر النيابة العامة تمديده لمدة ثلاثين يوماً، يسقط بعدها حكماً.

ورأت أوساط حقوقيّة أنّ أهميّة القرارات التي أصدرها القاضي الحجار تكمن في وضع حدّ لتعمّد بعض المحامين العامين مخالفة القانون وإصدار بلاغات «البحث والتحري» المفتوحة المدة من دون أي سند قانوني؛ وذلك بالتوازي مع توجيهه رسالة واضحة جدّد من خلالها التأكيد على دور النيابة العامة التمييزية في مراقبة تنفيذ القوانين، والطلب من الأجهزة الأمنية الإبلاغ عن أي مخالفة يرتكبها القضاة في هذا الشأن مع استخدام بعض القضاة مذكرات «البحث والتحري» «مادة» لتحقيق مآرب ما، لا تقتصر على المنافع المادية، بل تطال صرف النفوذ وتقديم الولاء للقوى السياسيّة!

وإذ تكمن أهمية «البحث والتحري» في إلقاء القبض على المدّعى عليه والاستماع إليه خلال 24 ساعة، فإنّ توقيف المدّعى عليه يعود إلى قاضي التحقيق الذي يعمد بدوره إلى إصدار مذكرة توقيف إذا ارتأى ذلك. ورأت أوساط متابعة أنّ حصر تعميم «البحث والتّحري» بالنيابة العامة التمييزية، مع ما تملكه من قدرة على إيقاف هذا الإجراء، دليل تراجع الثقة بالقضاة، وعلى أنّ قرار المحامي العام لا يندرج في السياق الصحيح، ويتطلّب فرض رقابة قوية على عمل النيابة العامة الاستئنافية.

وبعد أن تبدّدت آمال غالبيّة الحقوقيين المعقودة على عودة بيروت – أم الشرائع، مركزاً ومنطلقاً لمواكبة المشاريع القضائيّة - الإصلاحيّة التي تشهدها المنطقة؛ بعد أن تحوّلت المراكز القضائيّة الأساسيّة إلى منصة للشعبوية وتصفية الحسابات السياسيّة، أوضحت أوساط متابعة أنّ بيانات المساندة للقاضية عون تؤكد صوابية القرارات التي اتخذها القاضي الحجار، بعدما تمّ اعتبارها «محاولة لتكبيل القاضية التي أصدرت مذكرات توقيف وبحث وتحرٍ في حقّ مديري المصارف المتورّطين في نهب ودائع الشعب»، والطلب من خلال البيان الصادر عن مجموعة «كاليبر للقضاء الحر» من المدعي العام التمييزي التراجع عن قراره.

وختمت الأوساط الحقوقية بالقول: «ألم نتعلّم من محاولة تدمير شركات تحويل الأموال الشرعيّة لصالح تعزيز دور المؤسسات الماليّة غير المرخّصة؟ وألم نتعلّم من تبعات الشعبوية في مكافحة الفساد في الدوائر العقاريّة في جبل لبنان حصراً؟ وذلك قبل أن تختم مؤكّدة أنّ ما تشهده السلطة القضائيّة في لبنان «ليس سوى ترقيع بترقيع» إلى أن تدقّ ساعة الإصلاحات البنيويّة المطلوبة لتطبيق العدالة، وسط التشديد على أنّ العبرة تبقى في تقيّد «المعترضين» بالنصوص القانونية والقرارات ذات الصلة.