المصدر: النهار
الكاتب: لينا اسماعيل
الأربعاء 29 تشرين الأول 2025 07:21:06
تُعدّ المنطقة الحدودية بين لبنان وسوريا، وتحديداً في البقاع الشمالي وامتدادها الجغرافي، بؤرة دائمة للتوتر والاشتباكات الناتجة من ظاهرة التهريب المتجذّرة.
كل يومين تقريباً، تتجدد الحوادث بين مهربين لبنانيين والحرس الحدودي السوري، في ظل انتشار مكثف لعناصر الجيش اللبناني وعمليات سريعة احتوائية لمديرية المخابرات، تهدف بالدرجة الأولى إلى منع أي تفاقم سياسي قد ينجم عن احتكاك عسكري مباشر، مما يدل على أن الجهد اللبناني يتركز على إدارة الأزمة.
وتكمن الخطورة في أن المهربين لا يهمهم إلا مصلحتهم الخاصة ولا يأبهون باستقرار البلدين، وهو ما يزيد صعوبة احتواء الاشتباكات.
التهريب في المنطقة لم يعد يقتصر على التموين. فقد تحوّل إلى اقتصاد موازٍ، إذ ينشط عبر منطقة جرود عرسال اللبنانية وجارتها قارة السورية والمعابر الفرعية كمشاريع القاع في اتجاهين رئيسيين، يشملان نقل السلاح من سوريا إلى لبنان والمخدرات من لبنان إلى سوريا، مع الإشارة إلى تراجع عمليات تهريب المخدرات أخيراً بسبب انخفاض التصنيع في لبنان.
ويُعدّ تهريب السوريين الأقوى في المنطقة، حيث يتم بقوة عبر كل المعابر في الاتجاهين بغرض التهرب من رسوم العبور وضمان استمرار تسجيلهم بصفة لاجئين لدى الأمم المتحدة للاستفادة من المساعدات. أما حركة تهريب البضائع فتتم بكميات قليلة، وتشمل: المحروقات (عادةً عبر غالونات) من خلال مشاريع القاع وعرسال، والمواد الغذائية كالأجبان والألبان بكميات بسيطة، وبالات الثياب (الملابس المستعملة/الجاهزة) من لبنان إلى سوريا، والفواكه الاستوائية من سوريا إلى لبنان (عبر مشاريع القاع).
ومعلوم أن منطقة الهرمل تشهد تراجعاً واضحاً في حركة التهريب، بفضل الحملة الأمنية المكثفة التي ينفذها الجيش اللبناني ومديرية المخابرات. وقد أدت هذه الإجراءات إلى إقفال عدد من المسالك والمعابر الحدودية المستخدمة سابقاً للتهريب، وهو ما شكّل ضربة قوية لشبكات التهريب في المنطقة. ويُظهر هذا التشديد الأمني إصرار الدولة على فرض هيبتها في الهرمل التي لطالما عانت الانفلات الحدودي.
عن حجم التحديات في ضبط الحدود، يقول مدير مديرية الأمن الداخلي في منطقة تلكلخ السورية محمد أكرم وليد أبو الخير في تصريح لـ"النهار": "التحديات كبيرة لكون المنطقة استراتيجية ذات تضاريس جغرافية متعددة ولها حدود طويلة مع لبنان وتشتهر بعمليات التهريب بين البلدين"، وهو ما يوضح أن الجغرافيا المعقدة تخدم المهربين بالدرجة الأولى وتضعف قدرة الضبط الشاملة.
ويلفت إلى أن الإجراءات المتبعة من الجانب السوري لمكافحة التهريب، خصوصاً تهريب الأشخاص والمخدرات، "ترتكز على تكثيف نقاط أمنية على الحدود وتمركز دوريات باستمرار على الحدود، إضافة إلى استخدام إجراءات متطورة".
لكن اللافت في الموقف السوري هو ما يتعلق بطبيعة التهريب، إذ يرى أبو الخير أن "معظم أنشطة التهريب عبارة عن نشاط منظم تدعمه جهات خارجية"، ما يحوّل الملف من مجرد جريمة فردية إلى تحدٍ أمني- تنظيمي عابر للحدود. في المقابل، ينفي دقة الحديث عن مجموعات مسلحة تتنقل من لبنان إلى سوريا، مؤكداً أن "هذا الكلام غير دقيق".
تنسيق أمني وصمام أمان سياسي
على الرغم من التوترات المتصاعدة في الميدان، يشدد أبو الخير على وجود "تنسيق عالٍ مع الجانب اللبناني"، وتحديداً الجيش اللبناني ومديرية المخابرات، لضبط هذه الحوادث، مشيرا إلى أن الأوضاع السياسية لا تؤثر على فاعلية التعاون الأمني في الملفات الحساسة كملف التهريب.
وبسؤاله عن الانفلات الأمني المزمن وإرادة دمشق السياسية لضبط الحدود نهائيا، يجيب: "استمرار التهريب خرق أمني يتم التعامل معه بحزم"، ما يشير إلى إرادة واضحة على مستوى القرار السوري للتعامل بجدية مع هذا الملف.
أحد الجوانب المعقدة في المنطقة الحدودية هو الدور العشائري. ويعتبر أبو الخير أن "دور العشائر إيجابي"، وهي إشارة قد تفهم على أنها محاولة للتفريق بين الدور الاجتماعي للعشائر وتورط أفرادها في شبكات التهريب.
أما ملف ترسيم الحدود الذي يراه كثيرون الحل الجذري لفض النزاع الحدودي، فقد تم تأجيله سياسياً، ويؤكد أبو الخير أن "هذا الأمر سيادي خاص بالرئيس أحمد الشرع". وعن تحول ملف التهريب إلى ملف سياسي دولي، يقول: "في الوقت الحالي لا نرى ذلك".
تبقى المنطقة الحدودية ملفاً مفتوحاً، حيث تتشابك مصالح المهربين مع استراتيجيات الجيوش.
ومع التنسيق العالي بين بيروت ودمشق، يكمن التحدي الأكبر في تحويل هذا التنسيق إلى حل جذري يراعي طبيعة المنطقة العشائرية (التي لا تعترف بصرامة الخطوط المرسومة والواقع السياسي الذي يمنع الترسيم النهائي) ويحاصر التنظيمات التي ترى في التهريب سلاحاً اقتصادياً أو أمنيا. وإلى ذلك الحين، يبدو الحل مزيجاً معقداً من الحزم الأمني وضرورة التنمية، ومعالجة اجتماعية لظاهرة التهريب المتأصلة تاريخياً.