البناء على مومنتوم زيارة البابا لهدنة طويلة

على رغم الاطمئنان الذي أبداه المسؤولون في لبنان في الأسابيع الماضية لجهة عدم حصول تصعيد إسرائيلي أكبر ضد " حزب الله" وأن إسرائيل مرتاحة لاستمرار وتيرة ضرباتها وكذلك الأمر بالنسبة الى الحزب، فإن التحذيرات التي أطلقها مجدداً الموفد الاميركي توم براك من أن فشل لبنان في نزع سلاح الحزب سيؤدي الى تولي إسرائيل ذلك هز قواعد هذا الاطمئنان، لا سيما ربطا بالزيارة المرتقبة للبابا لاوون الرابع عشر الى لبنان أواخر الشهر المقبل. فلبنان أمام محطة تاريخية وفرصة مفصلية تشكلها الزيارة الحدث التي قد لا تتكرر بسهولة في المدى المنظور إذا تم تأجيلها بسبب من عدم انتهاء حال الحرب بين لبنان وإسرائيل

يتصاعد القلق من وتيرة التصعيد الإسرائيلي المتواصل حتى لو كان الاستهداف في البقاع أو الجنوب علماً أن المسيرات الإسرائيلية تكاد لا تغادر الأجواء في العاصمة على ضوء تساؤل كبير اذا كانت اسرائيل يمكن أن تزيد من وتيرة تصعيدها قبل موعد هذه الزيارة أو بعده . ومع أنه لم يصدر ما يثير الشكوك ازاء احتمال تصعيد اسرائيلي، فإن معلومات تتحدث عن تواصل متعدد الاتجاهات من لبنان لا سيما مع الولايات المتحدة من أجل ضبط إسرائيل عن أي تصعيد أو لجمها كليا بما يعني امتناعها عن اي استهداف جديد لاي منطقة خلال الأسابيع المقبلة بما يسمح للبنان واللبنانيين الاستفادة من هذه الزيارة وضمان نجاحها.

وثمة من يتحدث عن اتصالات للفاتيكان نفسه الذي يحرص عادة على السعي الى ضمان نجاح الزيارة وتأمين الظروف الناجحة لها اذ انه مع الاعتقاد لدى البعض بان اسرائيل التي اغضبت جدا الكرسي الرسولي ابان الحرب في غزة لن تعمد الى مواصلة تجاوزاتها ضد لبنان مع اقتراب زيارة البابا او في مرحلة التمهيد لها، فان الحذر يبقى قائما بقوة لدى مختلف الجهات المعنية . والمؤشر الابرز لذلك هو ان الاجواء في لبنان لم تتحرك بعد على نحو كاف في اتجاه التفاؤل الذي يجب ان يصاحب الاستعدادات للزيارة.

ولكن تبقى رغم ذلك خشية كبيرة من تعطيل مفاعيل الزيارة وعدم اتاحة استثمار نتائجها ومفاعيلها على رغم ان المخاوف المبدئية من هذه النقطة الاخيرة تتصل بواقع ان الحاجة الماسة للبنان لزيارة مماثلة للحبر الاعظم والمرتقبة منذ وقت طويل لا تسقط احتمال عدم قدرة لبنان على تثميرها كما يجب وفق ما حصل سابقا لاسباب داخلية وليس فقط لاسباب اقليمية. وكثر من الذين يطمحون الى تحقق الزيارة يخشون من ان يسقط حصولها ، وفي التوقيت الراهن ، اخر الامال بان حصول الزيارة يمكن ويجب ان يشكل محطة تغيير مفصلية مهمة للبنان. اذ ان الاخير يقف في النتيجة على ابواب هذه الفرصة التي يتم تجاهل او نسيان عناصرها في الوقت الذي تكبر الخشية من ان تعنت " حزب الله" لن يفيد سوى في اطالة محنة اللبنانيين بمن فيهم بيئته في الجنوب والبقاع وتأخير التعافي لان ثمة قرارا في المنطقة لا عودة عنه.

 

والبعض يعتبر أن الكرة في هذا الاطار لم تعد ترمى في خانة الحزب وحده بل ترمى في خانة رئيس مجلس النواب نبيه بري والرسائل الاسرائيلية التي تكثفت في الايام الاخيرة واستهدافها المصالح من جهة او تحليق المسيرات كما تردد لدى زيارة بري الاخيرة الى القصر الجمهوري من جهة اخرى تشكل مؤشرا لا يجب تجاهله في هذا الاطار . فالاتصالات التي سيجريها المسؤولون في لبنان مع المسؤولين الاميركيين في اطار الحرص على عدم تعكير او اطاحة اسرائيل الزيارة المرتقبة او اجهاض مفاعيلها لاحقا، لا يجب ان تقل وفق مصادر ديبلوماسية عن وجوب بذل اللبنانيين الجهد المطلوب لعدم اهدار فرصة الزيارة وما تقدمه للبنان سواء من فرصة لتظهير فاتيكان للخارج معاناة لبنان والحاجة الى الدعم الخارجي او لجهة البناء على اهمية الزيارة وقوتها من اجل الانتقال بلبنان الى مكان اخر بعدما ظهر انه بات اسير جمود يصعب خروجه منه من دون دعم خارجي واضح او قوة قاهرة تفرض عليه التزامات جديدة وفق ما يخشى من التصعيد الاسرائيلي الذي تكثف خلال الاسابيع الاخيرة على مواقع الحزب او عناصره.

الأهم في هذا السياق هو اذا كان يمكن البناء على "المومنتوم" أو الزخم الذي ستحدثه زيارة البابا وما يفترض ان تشكلها هدنة قسرية تحول دون مواصلة اسرائيل استهدافاتها من اجل اطلاق مسار تفاوضي يقر الجميع بحتميته في ظل اختلاف على التوقيت والظروف. البعض يعول بقوة على ذلك على خلفية انه اذا كانت الرسائل الاميركية ثقيلة على قلب الحزب ولا يرغب في تقبلها بل ينحو في اتجاه رفضها او ربما التفاوض على نزع سلاحه ومحاولة تحصيل مقابل لقائه، فان الرسالة الابلغ التي لم يتم تسليط الضوء عليها جاءت من السفير الروسي المعتمد في لبنان الكسندر روداكوف الذي قال في حديث صحافي اخيرا " ان القضية الجوهرية اليوم تتمثل في كيفية تنفيذ قرار نزع السلاح في ظلّ استمرار الاعتداءات الإسرائيلية. وإننا نرى أن السبيل الأساسي لمعالجة هذا الملف المعقد يتمثل في الالتزام الصارم من جميع الأطراف بالاتفاقات السلمية المبرمة بين إسرائيل ولبنان، استنادًا إلى القرار 1701. لافتا الى ان هذا القرار "حظي بدعمٍ من جميع اللبنانيين، بمن فيهم قيادة "حزب الله" نفسها، التي لا بدّ لها أن تقطع طريقًا طويلًا من التحوّل من حركة ذات طابع عسكري إلى قوة سياسية بحتة". وهو كلام نادر يأتي من جانب روسيا بالذات ، الحليفة لايران.