التعدّي على المشاعات يعود: بيع وبناء على أراضٍ غير مملوكة

التعدي على مشاعات الدولة، سواء البلدية منها أو الجمهورية، راج في فترة "مسح الأراضي الإجباري" التي أطلقتها الدولة في عدة قرى وبلدات جنوبية، حيث جرت عملية "وضع اليد" على كثير من تلك المشاعات، بالتواطؤ بين المسّاح والمختار والتاجر.

القاضي أحمد مزهر أوقف أحد المسّاحين قبل عام، لتواطئه في السيطرة على أراضي المشاع، واستيلائه على عقارات تابعة لإحدى المواطنات في بلدة تولين، غير أن التدخلات السياسية أفرجت عنه.

اليوم، عادت قضية التعدي على المشاعات لتحتل الواجهة، ففي بلدة طيرفلسيه تنشط عملية البناء في أراضٍ مشاع، مبانٍ ومزارع تُشيّد على مرأى القوى الأمنية، التي لم تحرك ساكنًا في الملف.

تشير مصادر متابعة، إلى أن أحد عناصر "شعبة المعلومات" وضع يده على قطعة أرض في المشاع، ويقول المصدر إنه وقع ضحية "م.ع." الذي باعه العقار على أنه أرض مملوكة، وتبيّن لاحقًا أنه مشاع، كما حصل مع "ح.ع.".

في منطقة جرّان في طيرفلسيه، وتحديدًا على العقار رقم 19، وهو عقار مشاع، تم تشييد أكثر من 200 منزل، غالبيتها بُنيت قبل أكثر من عشر سنوات، فيما تُشيّد منازل أخرى اليوم بشكل عشوائي.

"هذه المنازل لم تكتشفها القوى الأمنية"، بحسب ما يقول "ح.ع."، بل "رأت شرفة منزلي التي تضرر زجاجها خلال الحرب، وبعد أن قمت بإصلاحها، تجهد القوى الأمنية لإزالتها بحجة أنها شُيّدت على المشاع".

ويتساءل "ح.ع.": "هل يُعقل أن يُنفذ القانون على مواطن واحد، ويُغض النظر عن الآخرين؟ إذا كانت هناك حملة لإزالة التعديات على المشاع، فلماذا لا تشمل الجميع؟ ولماذا تُلاحقني القوى الأمنية شخصيًا لإلقاء القبض عليّ تمهيدًا لهدم شرفة شُيّدت منذ ثلاث سنوات؟".

وفق رئيس بلدية طيرفلسيه السابق حسين أنيس، فإن "معظم منازل العقار رقم 19 (وهو مشاع بلدي) شُيّدت قبل أكثر من 15 عامًا، ولم تُمنح أي ورقة سماح للبناء على المشاعات، تحت ذريعة إعادة بناء منازل مهدّمة في الحرب"، مؤكدًا أن "التعدي الوحيد الموثّق هو شرفة ح.ع".

أما رئيس البلدية الحالي سليمان مازح، فيؤكد أن "البلدية الحالية لم تُعطِ أي ورقة أو إذن لأحد، ولم تتلقَّ أي شكوى تتعلق بتعديات على المشاع، وإن وُجدت مخالفات، فهي تمت في عهد المجلس البلدي السابق، وعليهم تحمّل المسؤولية".

إلى ذلك، يقول الخبير العقاري لـ "نداء الوطن": "عادةً ما يكون التعدّي على المشاعات إما بالتواطؤ مع الأجهزة الأمنية، أو مع القوى السياسية المهيمنة على البلدة، وقد أُضيف إليها ذريعة إعادة إعمار ما تهدّم".

وفق الخبير، فإن "كثيرًا من المباني التي تهدّمت في الحرب، وكانت مشيّدة على أرض مشاع، أعيد بناؤها، ولكن هذه المرّة على شكل أبنية أو مجمّعات سكنية". ويضيف: "في الأراضي الممسوحة، يُعدّ الاستيلاء عليها بمثابة احتلال موثّق، أما في غير الممسوحة، فيكون التعدي عبر وضع اليد، حيث يعمد بعض تجّار العقارات أو النافذين إلى شراء عقار صغير قرب المشاع، ثم يوسّعون نفوذهم بوضع اليد على المشاعات المجاورة، بالتواطؤ مع المسّاح والمختار". ولفت إلى أنّ "العديد من المخاتير، خصوصًا في القرى غير الممسوحة، باتوا يملكون أراضي شاسعة، وأصبحوا من كبار الملاّك، نتيجة هذا الاستغلال، وهذا المسار مستمر منذ ما قبل الحرب".