المصدر: النهار
الكاتب: علي حمادة
الخميس 4 كانون الاول 2025 07:52:30
سارع رئيس الجمهورية جوزف عون إلى استخدام ورقة رفع مستوى التفاوض شبه المباشر مع إسرائيل عبر لجنة "الميكانيزم"، لأنه بالتأكيد أدرك أن لبنان وصل إلى مفترق طرق خطِر. هذا الوضع أدى في المرحلة السابقة إلى تراجع الحماية الأميركية، وتوتر العلاقة بين الإدارة الأميركية والدولة اللبنانية، حيث جرى نسف زيارة قائد الجيش رودولف هيكل لواشنطن بسبب مواقف اعتبرتها الأخيرة، ولاسيما جهات نافذة في الكونغرس الأميركي، محابية لـ"حزب الله". هذا الأمر انعكس سلبا في مكان ما على علاقة الرئيس بالرعاية الأميركية.
مع تعيين السفير السابق سيمون كرم رئيسا للوفد اللبناني المفاوض ضمن لجنة "الميكانيزم"، يمكن القول إن الرئيس عون خطا خطوة كبيرة إلى الأمام تماشيا مع التزامه في خطاب الاستقلال، حيث تحدث عن مفاوضات برعاية أميركية أو أممية أو مشتركة، ثم عن التحاق لبنان بمسار التسويات كي لا يبقى لبنان على قارعة المنطقة. واختيار سيمون كرم له دلالات كبيرة في أكثر من اتجاه. وطبيعي أن يكون الرئيس عون مدعوا إلى اتخاذ قرارات كبيرة، هو الذي يتحمل مسؤوليات حساسة لناحية التعهدات التي قدمها للمجتمع الدولي وللشعب اللبناني. وأول التعهدات أن يعمل كل ما في وسعه لحصر السلاح بيد الدولة. وقد أدرك الجميع في لبنان أنه لا يمكن تحقيق أي خطوة نحو مشروع الدولة مع بقاء الحالة الشاذة التي يمثلها السلاح من خارج الشرعية. بهذا المعنى، فإن تأخير استحقاق نزع السلاح سيؤخر كل الجهود الإصلاحية الأخرى. فالإصلاح الأسمى في لبنان يتمثل في شطب كل الجماعات المسلحة من خارج الدولة من أي معادلة مستقبلية.
من الناحية العملية، فإن خطوة تعيين ديبلوماسي سابق ومخضرم رئيساً للوفد اللبناني المفاوض من شأنها أن تؤجّل حربا مقررة لا مفر منها بين إسرائيل و"حزب الله"، لكنها لن تلغيها نهائيا قبل نزع سلاح الحزب بشكل كامل في كل لبنان. ومن هنا دقة الموقف، إذ إن تعيين سيمون كرم ليس الترياق، بل هو عبارة عن مُسكّن سيبقى فعّالا لأطول مدة ممكنة ما دامت الدولة اللبنانية تقوم بما يتعين عليها القيام به. أما الترياق الذي يسهم في إنقاذ لبنان من محنته، فهو بانخراط كل الجماعات اللبنانية في مشروع الدولة تحت سقف القانون دون سواه. ولذلك فإننا ننظر بتفاؤل حذر جدا إلى الخطوة الرئاسية لأنها معرضة في أي وقت لمحاولات الإفشال من الداخل قبل الخارج. ونحن حذرون أيضا لأن التجربة في لبنان علمتنا ألّا ننام على حرير الوعود. والعبرة تبقى في التنفيذ الأمين للتعهدات الوطنية التي قدمها الرئيس والحكومة على حد سواء.
في هذه المرحلة لا بد من التوجه إلى "حزب الله" الذي رمى الرئيس إليه حبل نجاة من حرب مدمرة وشيكة. فلا يظنن قادة الحزب في لبنان أو مرجعياتهم في إيران أنهم وصلوا إلى بر الأمان. رأس الحزب لا يزال موضوعا على الطاولة الدولية والإقليمية. فهل يلتقط الفرصة الذهبية التي قدمها له الرئيس، أو يبددها؟