المصدر: النهار
الكاتب: روزانا بو منصف
الأحد 19 تشرين الأول 2025 09:37:06
اكتسب الموقف الذي أعلنه رئيس الجمهورية العماد جوزف عون بتأكيده أنّه "لا بد من التفاوض" مع إسرائيل لحلّ المشاكل العالقة بين الطرفين، بالتزامن مع بدء تطبيق خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإنهاء الحرب في غزة مفاعيل سياسية بدءاً من البحث عمّا إذا كان هذا الاعلان ينطوي على دفع أميركي ضمني لذلك، وصولاً الى بدء اتصالات رسمية محلية اندرجت تحت عنوان الاتفاق على تصوّر موحد لدى الدولة اللبنانية يمكن الوسيط الأميركي (!) الانطلاق منه لاستكمال التفاوض مع اسرائيل.
وتُفيد معلومات بأنّ الرئيس عون حرص أمام زواره على ذمة ما نقله البعض منهم، من أنّ لا دفع أميركيّاً وراء إعلانه موقفه في هذا التوقيت على عكس ما حاول البعض استكشافه في هذا الاطار، فيما فسّر وزراء في الحكومة موقف الرئيس في إطار التموضع من أجل ابقاء لبنان في إطار الاهتمام الدولي لا سيما في وقت قد تساهم أولويات إقليمية ودولية أخرى إشاحة هذا الاهتمام عنه. إذ إنّ الجانب الأميركي ووفق الوزراء انفسهم لا يولون لبنان أيّ اهتمام راهناً في الوقت الذي يكشفون عن غموض إزاء الخطوات الأميركية التالية إزاء لبنان، واذا ما كان الموفد توم برّاك سيواصل مهمته أم لا في ظل تداول أسماء موفدين أميركيين بدلاء وعدم حصر هذا الاهتمام بالسفير الأميركي المقبل في لبنان.
وفكرة التفاوض ليست جديدة والبعض يستغرب لتحميلها أكثر ممّا تحتمل، على قاعدة أنّها طُرِحت في وقت سابق ولم تنجح نتيجة المطالبة الإسرائيلية بمستوى ديبلوماسي وليس أمنيّاً فحسب للتفاوض، الأمر الذي لم ينجح وظلّت المفاوضات في الناقورة عبر لجنة الميكانيزم التي تضم إلى اللجنة الثلاثية التقليدية في الناقورة كلّاً من الولايات المتحدة وفرنسا الى جانب لبنان وإسرائيل والأمم المتحدة. وهذه الصيغة مريحة للبنان لوجود دولتين ضامنتين يسعى الى الاستفادة منهما في أيّ صيغة مستقبلية لمقاربة مسألة التفاوض.
موقف عون المهم عن الاستعداد للتفاوض من دون تحديد شكل التفاوض حرّك مياهاً راكدة إذا صحّ التعبير، باعتبار أنّ هذا الأمر ليس جديداً وكان موجودا دوما في الخلفية المتعلقة بديناميكية انهاء الحرب في الجنوب. ولكنّه عاد فأظهر تناقضاً على مستوى التفسيرات الرسمية لذلك بحيث يؤمل أن يؤدي ذلك الى توحيد الرؤى تمهيداً لذلك متى حان وقته على الاقل. إذ ثمة اتجاهات حكومية لا ترى ضرورة أصلاً للتفاوض مع اسرائيل من زاوية أنّ هناك اتفاقاً لا يزال قائماً ولم يتم تنفيذه وحمل الموفد الأميركي توم براك ما سُمّي توازي الخطوات بين لبنان واسرائيل وقبل بها لبنان، فيما أنّ إسرائيل رفضتها ولم تلتزمها.
وعلى صوابية هذا الرأي اللبناني، فإنّ لبنان يفتقر إلى الاوراق القوية التي يمكن أن تحمل اسرائيل على تنفيذ بنود اتفاق وقف الأعمال العدائية الذي وُقّع في 27 تشرين الثاني من العام الماضي. وحتى لو أنّ اتفاق غزة أظهر تناقضاً في الرؤى والاهداف بين إسرائيل والولايات المتحدة التي ضغطت بقوّة على رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو من أجل الموافقة على ما سُمّي اقتراح ترامب، فإنّه من غير المرجّح أن تعتمد الولايات المتحدة المقاربة نفسها كليّاً إزاء لبنان. ولكن هذا لا يلغي الجدل الداخلي علامَ يتمّ التفاوض المحتمَل بين لبنان وإسرائيل؟ وهل يحصل على البنود التي لم تنفيذ من اتفاق 27 تشرين الثاني لجهة انسحاب اسرائيل من النقاط التي لا تزال تحتلّها ووقف استهدافاتها لعناصر من "حزب الله" أو مواقع له، أم للتفاوض على الحدود فقط بين البلدين واعادة تحديدها؟
وتقلل جهات حكومية من وطأة التمييز بين التفاوض المباشر وغير المباشر سيما وأنّ لبنان عايش صياغة كانت مقبولة ابان التمهيد لاتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، والتي قال رئيس مجلس النواب نبيه بري التوصل إلى "اتفاق إطار" لإطلاق المفاوضات بين بلاده والكيان الاسرائيلي لترسيم الحدود. إنّ "مفاوضات لترسيم الحدود مع الكيان ستتم برعاية الأمم المتحدة مع تلازم بين البر والبحر"، وقد أشار بري آنذاك إلى أنّ المفاوضات ستجري بوساطة أميركية. لاحقاً، بدأت جولات التفاوض في الناقورة وضم الوفد اللبناني أربعة أعضاء، عسكريَّين ومدنيَّين بحضور ممثلين للامم المتحدة والولايات المتحدة. وهذه السابقة تحديداً تجعل من الصعب تجاهلها حتى من "حزب الله" ما دام كان موافقا عليها. وهذه إمكانية يُعاد استحضارها في سياق استمرار الرفض الرسمي للتفاوض المباشر أو في سياق تفسير مقاصده أيضاً، وتالياً عدم تحميله أكثر ممّا يحتمل.