الحزب يسعى لإقناع باسيل بدعم ترشيح فرنجية وإلا "إلى الخطة باء"

اليوم يُعْطي لبنان الرسمي الجوابَ السياسي على المقترَح الخطي الذي قدّمه الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين في ما خص الترسيم البحري مع إسرائيل بناءً على تدقيقٍ تقني لم يُحسم إذا كان سيتضمّن بعض الملاحظات على المسودّة حسْماً لأي التباساتٍ أو غموض غير بنّاء قد يشكّل «فخاً» ينفجر بملف الثروة النفطية والغازية واستخراجها لاحقاً أو بنقاط خلافية على الحدود البرية قد تستغلّ تل أبيب التفاهم البحري وعدم ارتكازه إلى النقطة البرية B1 في رأس الناقورة (تعتبرها بيروت منطلقاً للترسيم البري) لتكريس مسار قضْمها.
وقد دعا رئيس الجمهورية ميشال عون كلاً من رئيس البرلمان نبيه بري ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي إلى اجتماع في قصر بعبدا عند الثالثة من بعد ظهر اليوم لمتابعة مستجدات ملف ترسيم الحدود والبحث في الردّ الرسمي على مسودّة هوكشتاين.
وسيسبق الاجتماع الرئاسي لقاءٌ تمهيدي يترأسه عون ويضمّ الوفدَ التقني الذي كُلف درس المقترح وإحداثياته وإجراء «مسْحٍ دقيق» لمضامينه وسط معلومات عن أن هذا اللقاء سيحضره المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، نائب رئيس مجلس النواب إلياس بو صعب، وعلي حمدان (مستشار بري).
ويتزامن تسريعُ لبنان الخطى في درْس العرض النهائي من الوسيط الأميركي مع مناخاتٍ تفاؤلية في بيروت حيال المكاسب التي جرى «اقتناصها» في الاتفاق المرتقب الذي كرّس حقل قانا المفترض للبنان بشقه الواقع شمال الخط 23 وكذلك مخزونه الواقع في الجيْب الجنوبي لهذا الخط (ستعوّض شركة توتال الجانب الإسرائيلي مبدئياً من أرباحها)، في مقابل التسليم بحقل «كاريش» لإسرائيل و«إعطاء الأمان» لبدء الاستخراج منه وإطلاق مسار التنقيب في كل البلوكات اللبنانية، وذلك بالتوازي مع تحوُّل هذا الملف مادةً «لاهبة» في الداخل الإسرائيلي عبّر عنها اتخاذ رئيس الوزراء يائير لابيد وضعيةً دفاعية بوجه زعيم المعارضة بنيامين نتنياهو الذي اتّهمه «بالاستسلام» أمام حزب الله والتخلي عن مساحة وأملاك سيادية «للعدو».
وأبلغت أوساط رئيس حكومة تصريف الأعمال (موقع «النهار») أنه «اتضح للرئيس ميقاتي أن مسوّدة الترسيم أخذت بالمسلّمات التي طلبها لبنان؛ مع الإشارة إلى أن فريق عمله وضع ملاحظات حول مسائل تفصيلية لا تؤثّر على اتفاق الترسيم».
وبانتظار اكتمال «دورة» الموافقات على المقترَح الأميركي، وبحال عدم بروز أي مفاجآتٍ سلبية في ربع الساعة الأخير، فإن بيروت باتت في أجواء المسار الذي سيسلكه أي استيلادٍ للترسيم البحري و«مَراسمه» التي لن تتخذ في أي شكل طابع التطبيع، في ضوء التأكيد على أن لبنان سيكون أمام تفاهُم وليس معاهدة أو اتفاقية، وأن الجانب اللبناني سيتولى التوقيع عليه في شكل منفصل عن الإسرائيلي، وعلى نسخةٍ تُمهر أيضاً بتوقيع الأمم المتحدة وهوكشتاين على أن يسلك التفاهم طريقه الدستوري عبر الحكومة أو الوزراء المعنيين وصولاً لإيداعه المنظمة الدولية.
وفي موازاة ما يبدو «طريقاً سالكة» لملف الترسيم الذي ملأتْه «الأشواك» لأعوام ولا سيما منذ انطلاق المفاوضات في الناقورة قبل عامين والذي لا يمكن فصْل توقيت انفراجته عن اللحظة الإقليمية - الدولية، فإن بيروت لم تسْترح من غربلةِ خلاصات جلسة «جس النبض» لانتخاب رئيس الجمهورية التي عقدها البرلمان الخميس الماضي والتي بقيت مدار قراءات في الأندية السياسية وأروقة الأحزاب وكأن الجميع يريد ان «يبني على الشيء مقتضاه» في ترجمة حجم الأصوات التي نالها مرشح أحزاب المعارضة النائب ميشال معوض (36 صوتاً + 4 غابوا عن الجلسة) ومرشح التغييريين سليم إده، والأهمّ الاتجاهات التي انطوت عليها الـ 63 ورقة بيضاء لحلفاء «حزب الله» وسواهم ممّن لم يَحسموا خياراتهم الرئاسية.
وقبل 27 يوماً من انتهاء ولاية عون، بدا من الطبيعي أن يباشر معوّض بمؤازرةِ المعارَضة الداعمة له، مروحةً واسعة من المشاورات مع القوى «المتردّدة» لحصد تأييدها في جلسات الانتخاب المقبلة لتعزيز مكانته إما لـ «الفوز الصعب» وإما للإتاحة للمعارضة أن تُقايِضَ من موقع قوةٍ على «رئيس تسوية» من خارج معسكريْ الموالاة والمعارضة، في إطار «تكتيك رئاسي» لجعل التوازن السلبي في البرلمان توازناً إيجابياً في صنع رئيسٍ فوق الاصطفافات الحادة في البلاد.
أما على المقلب الآخَر فإن «حزب الله» الذي يعاني صراعاً قاسياً بين حلفائه في مقاربةِ الاستحقاق الرئاسي بدا وكأنه يتعامل مع جلسة الخميس الماضي على طريقة «ربّ ضارة نافعة». فحشْدُه الحلفاء - الأعداء (النائب جبران باسيل وسليمان فرنجية) خلْف الورقة البيضاء أسفر عن مسألتين:

• نقزةٌ من قدرةِ شخصيةٍ تتميّز بـ«صوتها العالي» كالنائب معوض على تدشين ترشُّحها بـ 36 صوتاً + 4 قابلة ربما لحصد المزيد في سياق المعركة الرئاسية المفتوحة.
• إيلاء الـ 63 ورقة بيضاء أهميةً للبناء عليها في السعي لإيصال المرشّح الذي يؤيّده «حزب الله» فعلياً، رئيس «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية إلى الرئاسة، وهي المَهمة غير السهلة نتيجة الصراع بين حلفاء الحزب أنفسهم.
وأبلغت أوساط واسعة الاطلاع في بيروت إلى «الراي» أنه تأسيساً على القراءة التي خرَجَ بها «حزب الله»، يمكن القول إنه يتجه إلى إدارة الاستحقاق الرئاسي عبر خطتين «أ» و «باء»: الأولى تنطوي على رغبته في ضمان إمرار فرنجية، وفي حال الفشل اللجوء إلى البديل الآخَر وهو الرئيس التوافقي.
والأهمّ، بحسب هذه الأوساط أن «حزب الله» الذي وَجَدَ في الأوراق الـ63 البيضاء فرصةً تعزّز حظوظ فرنجية الذي يحظى بدعْمٍ عابِر للطوائف، هو في صدد إدارة المحركات في اتجاه رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، عديم الحظ كمرشّحٍ للرئاسة، والذي يشكل رفْضُه لخيار فرنجية حَجَرَ عثرة أساسياً في انتخاب زعيم «المردة» الذي سبق أن كان في الانتخابات الرئاسية الأخيرة مرشحاً حظي بتأييد وازن داخلي وخارجي.
وكشفت الأوساط عيْنها أن «حزب الله»، المُطْمَئنّ لفرنجية وخياراته، يتجه إلى مكاشفةٍ مفصلية مع باسيل، الذي لم يَبْقَ من حليف له إلا الحزب القادر على رعاية تفاهُم بين حليفيْه حول المرحلة المقبلة المرتبطة بإدارة البلاد.
وتحدّثت الأوساط عن أن «حزب الله» الذي لم يستسِغ تلويحاً من رئيس «التيار الحر» بخيارات أخرى، هو أكثر ميْلاً للاقتناع بأن باسيل «لا يفعلها» نتيجة أزمة الثقة التي تنتاب علاقاته بكل الآخَرين بعدما أبْرم اتفاقاتٍ «وانقلب عليها».
وذهبت الأوساط الواسعة الاطلاع إلى أكثر من ذلك، حين أشارت إلى أن «سبْر الأغوار» مع باسيل، الذي يدرك حجمَ المساندة التي يحظى بها من «حزب الله»، بدأ فعلاً وأن من غير المستبعَد أن يلتقى الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله رئيس «التيار الحر» إذا سارتْ الأمور على ما يرام.
ولم تستبعد الأوساط نفسها انتقال «حزب الله» إلى «الخطة باء» في حال أخفقت محاولتُه لضمان دعْم باسيل لانتخاب فرنجية، والتي تقضي بتوسيع مروحة المشاورات للتفاهم على رئيس توافقي، كقائد الجيش أو سواه، لن يكون بالضرورة مع الحزب شرط ألّا يكون ضدّه.
وتعتقد الأوساط أن الافتراقَ بين «حزب الله» وباسيل حول خيار فرنجية من شأنه أن ينعكس سلباً على العلاقة التحالفية بين الطرفين والتي لن تسقط ولكنها ستهتزّ ومعها «فائض القوة» الذي يمنحه الحزب لرئيس «التيار الحر» على مستوى التمثيل وفي الحكومات.