الحضور المصري والتصعيد الفرنسي يلقيان كرة نزع الفتيل المشتعل سياسياً

هدف الإندفاعة الخارجية في اتجاه لبنان في هذه الفترة، والتي تَصدّرها حضور وزير الخارجية المصرية سامح شكري الى بيروت، هو توجيه رسالة مباشرة الى القابضين على السلطة خلاصتها انّ لبنان بوضعه الراهن لم يعد يملك ترف تضييع الوقت والاستهتار بما حل به وما قد يحل به، وبالتالي فإنّ فرصة الانقاذ والانفراج لم تنعدم بعد، فاستفيدوا من هذه الفرصة واستغلّوها وتشاركوا في ورشة الانقاذ.

واللافت في موازاة تلك الرسالة، كانت الرسالة الفرنسية البالغة الدلالة والحدة التي وجّهتها باريس وعكست فيه ما بَدا انّ الكيل قد طفح بالنسبة اليها من تعامل القادة اللبنانيين مع المبادرة الفرنسية وتشكيل الحكومة وفقاً لمندرجاتها، وانها قررت الانتقال من اللغة الهادئة التي اعتمدتها منذ اطلاق المبادرة في آب الماضي، الى لغة الضغط والعقوبات على من تعتبرهم معطّلي الحل في لبنان.

كل ما استجد، بدءاً بحضور الوزير المصري اضافة الى التصعيد الفرنسي في وجه المعطلين، يلقي كرة نزع الفتيل المشتعل سياسيا وماليا ونقديا واجتماعيا ومعيشيا مرة جديدة، وربما اخيرة، في أيدي كل المعنيين بملف تأليف الحكومة، التي بات من المسلّم به أنّ تشكيلها هو الخطوة الاولى في رحلة الألف ميل نحو أخذ لبنان برّ الامان.

واكدت مصادر سياسية عالمة بخلفيات زيارة الوزير المصري، انّها زيارة محصّنة بغطاء عربي شامل وداعم لها، وليست منعزلة عن الموقف الفرنسي وخريطة الطريق التي حددتها المبادرة الفرنسية للخروج من الازمة، وفي طليعة مندرجاتها المبادرة سريعاً الى تشكيل حكومة مهمّة متوازنة تباشر فوراً في الخطوات والاجراءات الاصلاحية التي ينادي بها المجتمع الدولي، وتلبّي بالتالي طموحات الشعب اللبناني في الانتقال ببلدهم نحو واقع مغاير للواقع الذي ساد على مدى السنوات الماضية وأفسد البلد وأشعل فتيل الازمة. الّا أنّ العلامة النافرة التي احاطت بتلك الرسالة، هي أنّها سقطت على واقع غارق بالوحل السياسي، وصدمها «المعطلون» بالموانع والذرائع والمعايير ذاتها

التي عطلت تشكيل الحكومة، وبالإصرار على التنصّل من المسؤوليّة وقذف كرة التعطيل الى ملعب الآخرين.

وما تكشّف من سلسلة اللقاءات التي أجراها الوزير المصري، اكد انّ مفتاح الحلّ للازمة الراهنة ما زال ضائعا، وان الحكومة ما زالت متأرجحة بين تناقضات جذرية في النظرة اليها.

وقالت مصادر مواكبة للزيارة لـ«الجمهورية» انّ الوزير شكري عكسَ في محادثاته:

- تأكيد وقوف مصر الكامل مع لبنان والحرص على استقراره على كل المستويات، وهذا موقف تتشارَك فيه مع كل الاسرة العربية من دون استثناء.

- القلق على لبنان، والخشية الكبرى من بلوغه نقطة الخطر الشديد على كل المستويات، اذا ما استمر الحال فيه على ما هو عليه من فراغ حكومي وتعقيدات سياسية.

- التأكيد على كل القوى السياسية إعلاء مصلحة لبنان فوق كل الاعتبارات السياسية والحزبية، وخصوصاً في هذا الظرف الصعب الذي يمر فيه لبنان مع تفاقم الازمة الاقتصادية فيه الى حدود شديدة الخطوره، وباتت المعاناة منها يُعَبّر عنها لدى مختلف فئات الشعب اللبناني.

- التأكيد على القوى السياسية الشروع فوراً، وبمعزل عن اي اعتبارات او خلافات سياسية، في تأليف حكومة جديدة متوازنة تعزز الاستقرار

الداخلي، وتطلق ورشة إصلاحات جوهرية في لبنان (كما هي محددة في المبادرة الفرنسية)، بما يُعيد ربط لبنان بالمجتمع الدولي مجدداً بحبل من الثقة، ويفتح باب تدفق المساعدات الدولية إليه لمساعدته في النهوض من هذه الأزمة التي أدخلت شعب لبنان في أعلى درجات البؤس.

وبحسب المصادر نفسها، فإنّ الوزير شكري وقف في لقاءاته على خليط من المواقف، فمع قوى المعارضة سمع شكوى صريحة من كل الطبقة الحاكمة، وفي بكركي كان الموقف متطابقاً مع ما طرحه البطريرك الماروني مار بشارة الراعي لناحية التعجيل بحكومة إنقاذية سريعا. وفي بيت الوسط لمسَ مرونة جدية وبالغة، ولم يلمس مطالب تعجيزية بل لمسَ استعدادا للسير الفوري بحكومة متوازنة لا ثلث معطلاً فيها لأي طرف.

وقالت مصادر بيت الوسط لـ«الجمهورية» انّ اللقاء بين الحريري وشكري كان ممتازا ومريحا جدا، وكان الوزير متفهّما للعرض الذي قدمه الرئيس الحريري في ما خَص الوضع الحكومي، والذي اكد فيه الرغبة الشديدة في تأليف حكومة في اسرع وقت ممكن، من اختصاصيين لا سياسيين ووفق مندرجات المبادرة الفرنسية ولا ثلث معطلا فيها لأيّ طرف.

اما في عين التينة فكان اللقاء اكثر من مريح مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري والتطابق كان كاملا وجليا في المواقف، ولا سيما لناحية الدخول في مرحلة الانقاذ للبنان عبر تشكيل حكومة منسجمة (لا ثلث معطلا فيها او متحكّماً، لأي فريق سياسي)، اي حكومة بحجم المرحلة ويشترك فيها الجميع في هذه العملية.