المصدر: Kataeb.org
الكاتب: بطرس الخوري
الخميس 4 كانون الاول 2025 17:44:38
عرض رئيس الكتائب اللبنانية منذ بضعة اسابيع مشروع قانون يرمي الى تعديل الدستور اللبناني وادخال الحياد الى مقدمته، هذا الطرح فتح باب النقاش على فكرة قديمة جديدة تطرح عند كل محطة مفصلية في تاريخ البلاد. فما هو الحياد؟ وهل اضافته الى مقدمة الدستور كفيلة بتطبيقه؟ وما هي السبل الداخلية والخارجية المؤدية الى الالتزام به وتنفيذه واحترامه؟
بحسب القانون الدولي العام، فإن الحياد (Neutralité) هو نظام قانوني تمتنع بموجبه احدى الدول عن الاشتراك في الحرب التي تنشب بين دولتين أو اكثر، وعن تقديم المساعدة لهما أو لاحدهما،هذا في المفهوم العام للحياد. أما في أنواعه فقد لاحظ القانون الدولي عدة أنواع للحياد أهمها:
١-الحياد الواقعي (Neutralité de Facto) كحال لبنان او دول اخرى التي أعلنت الحرب عام ١٩٤٥ على دول المحور، كي تستطيع التوقيع على ميثاق الامم المتحدة، بينما عمليا هي بعيدة كل البعد عن الحرب.
٢-الحياد المسلح: الذي يعطي الدولة المحايدة الحق في تجهيز جيوشها للدفاع عن نفسها بحال خرق حيادها.
٣-الحياد الدائم (Neutralité permanente) يقوم على ثلاث اسس: حياداً مستمراً في شكل دائم، يتعلق بالدولة ككيان سياسي دائم، يرتكز على معاهدة تعقد بين الدولة المعنية ودولة اخرى او عدة دول.
٤-التحييد ( Neutralisation) يُفرض عادة من القوى الدولية العظمى يتناول بعض المناطق (كالمضائق..) او يطال دولة بكاملها (كتحييد النمسا ١٩٥٥ ولاووس ١٩٦٢ خلال الحرب الباردة).
٥-الحياد الودّي (Neutralité bienveillante) هو الحياد الذي يحترم مشاعر شعب الدولة الحيادية وتعاطفه مع أحد المتحاربين والحق في الدفاع عن وجهة نظر احدهم اعلاميا فقط.
٦-الحياد التفاضلي: بعكس الحياد التام الذي هو نوع من العزلة التامة، فان الحياد التفاضلي يسمح بإختيار افضل المواقف المناسبة ازاء تطورات الوضع الدولي.
٧-عدم الانحياز: مبدأ سياسي انتهجته مجموعة من دول العالم دون ان يثبت فعاليته فعلاً.
٨-الحياد الخاص (Neutralité spéciale) يتناول بعض المناطق المحددة، او بعض المؤسسات كالمستشفيات والمتاحف والاماكن الاثرية.
هذه هي بشكل عام مفاهيم الحياد وأنواعه التي عرفها العالم حتى الان.
فيما يخص لبنان، فقد عاشت البلاد ولا تزال في تناقضٍ تام بين المُعلن والمُطبّق، فمنذ عهد الاستقلال تمّ الاتفاق على ما عُرف بالميثاق الوطني أي "لا شرق ولا غرب" وأن لبنان لن يكون "مقراً للاستعمار او ممراً"،وقد جاء ذلك في البيان الوزاري للحكومة الاستقلالية الاولى،وهذا اعلان غير مباشر ولكن واضح بتحييد لبنان بالنسبة للصراعات الاقليمية والدولية. هذا الاعلان لم يصمد اكثر من خمسة عشر عاماً، فعند أول منعطف اقليمي بعد حرب ١٩٥٦ واعلان الجمهورية العربية المتحدة ١٩٥٨، حتى سقطت البلاد في حرب أهلية بسبب صراعات اقليمية، وبالتالي سقطت فكرة الحياد وكان اول تناقض بين المُعلن والمُطبق.
عاودنا الكرّة بعد حرب ١٩٥٨، حيث اعلن الاطراف المتخاصمون ان "لا غالب ولا مغلوب" وان "سياسة لبنان تنبع من الميثاق الذي تحدد في مطلع عهد الاستقلال" (البيان الوزاري لحكومة الرئيس صائب سلام ١٩٦٠). هذا الاعلان فعلياً لم يطبق اكثر من ٩ سنوات بحيث سقط بدخول الفدائيين الى لبنان بعد حرب ١٩٦٧،وانطلاق العمليات ضد اسرائيل من الجنوب اللبناني، وتوقيع اتفاق القاهرة ١٩٦٩، والاشتباكات التي حصلت بين الفدائيين والجيش والاحزاب الداعمة للدولة.
حتى في العام ١٩٧٥، والبلاد تتناتشها المتاريس، والتدخلات، والولاءات في ذروتها، اطل علينا البيان الوزاري لحكومة الرئيس رشيد كرامي"بان لبنان يجب ان يبقى أمينا على نهجه في السياسة العربية والدولية وانه منفتح على الدنيا وغير منحاز الى أي محور أو تكتل" .
خلال الحرب وبعدها،ازدادت التدخلات الاقليمية والدولية في الوضع اللبناني، ووصلت الى حدّ التدخل المباشر والفعلي بعد دخول الجيش السوري واحتلال لبنان وفرض وصاية مباشرة عليه، وحتى بعد انسحابه في العام ٢٠٠٥، بقيت التدخلات حاضرة من خلال التزام البعض (حزب الله وحلفائه) بإملاءات خارجية (محور ايران وحلفائها) وتطبيقهم لأجندات لا تمت الى المصلحة اللبنانية بصلة.
اذاً، كيف يمكننا أن نصل الى الحياد الذي يلتزم به جميع اللبنانيين ويجنّب البلاد حروباً واضطرابات داخلية كل عقد او عقدين من الزمن؟
أولاً: بحوار داخلي ليتقبل جميع اللبنانيين مناقشة فكرة الحياد اساساً، فحتى الان، يبقى مفهوم الحياد وتطبيقه مطلباً مسيحياً عاماً، في حين أن المسلمين حتى الان،بأغلبيتهم، يرفضون الفكرة من أساسها، فقد اتى الردّ على اقتراح رئيس الكتائب من النائب وليد جنبلاط بتغريدة له قال فيها" قبل ان نناشد الحياد ونعدل الدستور مهلاً ايها السادة فهل اسرائيل ستخرج من الاراضي المحتلة وهل من المفيد الخروج من المحيط العربي والتخلي عن مبدأ الارض مقابل السلام. اما تعديل الدستور فقد يدخلنا بدوامة نقاش داخلي نحن بغنى عنها".
اما الموقف الشيعي فواضح برفضه الموضوع شكلا ومضموناً، والموقف السنّي فمن الممكن ان يكون هناك جواً ايجابياً تجاه هذا الطرح يبنى عليه.
ثانياً: بعد قبول الاطراف الجلوس لمناقشة طرح الحياد، علينا الاتفاق أي حياد نريد؟
فالحياد اللبناني سيكون نوعا من خليط مفاهيم الحياد وانواعها التي ذكرناها في البداية، هذا الحياد عليه ان يجاوب على اربعة ابعاد او قضايا اساسية للبنان.
في البعد العربي، لبنان لا يمكن أن يكون محايداً تجاه مصالحه والتقدم الذي يحصل في الدول العربية،خاصة الخليجية، ولكن عليه ان يكون محايداً في حال الخلافات والصراعات بين هذه الدول.
في البعد الفلسطيني-الاسرائيلي، لبنان لا يمكنه ان يكون محايداً تجاه دعم القضية الفلسطينية دعماُ معنوياً وسياسياً ودبلوماسياً، ودعم الموقف العربي تجاه هذه القضية، ولكن عليه ان يكون محايداً تجاه الصراع العسكري بين اسرائيل وبعض الفلسطينيين،او بين اسرائيل وايران، فقد دفع لبنان الثمن غالياً منذ الستينيات وحتى اليوم وكفانا دفع اثمان باهظة على حساب مصالحنا واقتصادنا وشعبنا، لقد أدينا قسطنا للعلى.
في البعد السوري، لبنان لا يمكنه ان يكون محايداً، أو في حالة عزلة كما يفهمها البعض، تجاه سوريا ومصالحه في العلاقات الندّية والجيدة، ولكن يجب أن يكون محايداً تجاه التدخل في الوضع السوري الداخلي، والنأي بالنفس عن صراعاته.
في البعد الغربي او الاميركي، لبنان لا يمكن ان يكون محايداً تجاه الغرب والعلاقة معه وحيث انتشار اللبنانيين والمصالح الاقتصادية وغيرها، ولكنه يجب ان يكون محايداً تجاه الصراع بين الغرب والشرق.
ثالثاً: بعد الاجابة عن كل الهواجس والاسئلة والاتفاق على شكل الحياد اللبناني، يجب العمل على إقناع أو حتى فرض هذا الحياد على الدول المجاورة الإقليمية والدول النافذة العالمية لإحترامه وحمايته والعمل بموجبه.
ان المراجعة التاريخية، والثوابت الجغرافية، والتعددية الدينية، والمصلحة الاقتصادية، تحتّم علينا كلبنانيين التفاهم والاتفاق على تحييد وطننا من التأثيرات الإقليمية والصراعات الدولية.
ليس بغريب على الكتائب اللبنانية ورئيسها طرح مبادرات وأفكار تحمي لبنان وتحصّنه وتحافظ على تنوعه وعيشه المشترك، فمنذ تأسيسها ظلت الكتائب تقول وتدعو الى حياد لبنان، وليست المرة الاولى التي تطرح فيها الكتائب بشكل رسمي هذا الموضوع، فقد قدّم الشيخ بيار الجميّل في بداية الستينيات مشروع لحياد لبنان الى مجلس الوزراء.
من هنا فإن مبادرة رئيس الكتائب الشيخ سامي الجميّل مبادرة شجاعة لإطلاق حوار بنّاء حول الحياد علّه يكون المخرج للبعض للعودة الى لبنان وبناء مستقبل يطمح اليه جميع اللبنانيين.