المصدر: الراي الكويتية
الجمعة 5 أيلول 2025 08:00:12
لا يحتاج الربط المحكم، على المستويين الإقليمي والدولي، بين عملية حصر السلاح بيد الدولة من جهة والتقدم في منهجية الإصلاحات الهيكلية من جهة موزاية، إلى توصيف أدق من اعتماده كشرط لازم لانسياب حشد الدعم السيادي والمالي للبنان، واسناد خطط الانقاذ الاقتصادي المتعثرة، على مشارف ختم العام السادس لانفجار الأزمات النقدية والمالية، وما أنتجته من كوارث اجتماعية ومعيشية، والمتوجة بحرب طاحنة لم تبرح يومياتها الأمنية وتبعاتها السياسية في تزخيم الضغوطات التراكمية في مجمل الميادين الداخلية.
وتحاذر السلطات اللبنانية تكرار الافصاح، بأنه مع كل زيارة لموفد خارجي أو تداولات في صالونات السفراء، تتكرّر الخلاصة «السحرية» بالأولوية المطلقة لحل معضلة السلاح، كمدخل وحيد لفتح الأبواب المغلقة أمام تدفق المدد الخارجي، سواء من الدول المانحة أو من المؤسسات والصناديق الإقليمية والدولية المهتمة فعلاً بالمساهمة في الانقاذ وفي إعادة وضع الاقتصاد الوطني على سكة النهوض. في حين تتقلص هوامش المناورة في عرض طروحات مواربة وفي مهل السماح الزمنية، بعدما التزم مجلس الوزراء بقرارات صريحة لبرمجة المقتضيات قبل نهاية العام الحالي.
وإذ يتوقع، مسؤول مالي رفيع المستوى، تحييد المساعدات الواردة إلى الجيش وسائر القوى العسكرية عن أزمة «القرارات الصعبة» التي تواجه السلطات اللبنانية في مسألة سلاح «حزب الله» تحديداً، فإن الجهود الفرنسية المزدوجة لحشد الدعم الدولي عبر مؤتمرين دوليين في باريس، الأول مخصص للجيش، والثاني للأعمار، لا تسير، بحسب تقديره، على مسار متوازٍ، ما لم يتم استباق المؤتمر الاعماري بتحديد صريح لمسار حصرية السلاح والتزام المهل الزمنية التي أقرها مجلس الوزراء، رغم انسحاب وزراء الثنائي الشيعي من الجلستين في 5 و 7 من الشهر الماضي.
وبالمثل، تتريث المبادرات العربية الموعودة، ولا سيما من قبل مجموعة مجلس التعاون الخليجي، بانتظار وضوح الخيارات التي ستعتمدها السلطات اللبنانية، ومن دون الحاجة إلى اثباتات إضافية للانسجام التام بين المواقف الإقليمية والدولية المرتكزة سوية على معادلة، «ساعدوا أنفسكم حتى نساعدكم»، بقناعة أن أي مدد لن ينفع البلد واقتصاده وناسه، ما لم يتم استباقه بحضور مركزي وفاعل للدولة وبانخراط سليم في إصلاحات بنيوية شاملة.
ومع الاغفال الموقت لموجبات الانقاذ الاقتصادي ومعالجات الفجوة المالية التي يعانيها لبنان بمبالغ تصل إلى 73 مليار دولار، يرصد تقرير مصرفي، «انّ الحاجة لاستعادة الثقة تفرض صمود وقف إطلاق النار، واستعادة هيبة الدولة والجيش وحصر السلاح بيد الدولة، والعمل على إرساء أسس سلام عادل وشامل. ويبدو ذلك كشرط مسبق من أجل تأمين الحاجات التمويلية لإعادة البناء».
ولا يقل أهمية، وفق التقرير نصف السنوي الصادر عن بنك «عودة»، الحاجة للتوصل إلى اتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي. فلبنان بحاجة ماسة للدعم الدولي والذي لا يمكن تأمينه إلا من خلال الاتفاق على برنامج مع صندوق النقد. كما إنّ الاتفاق مع الصندوق يمثّل شرطاً أساسياً لتأمين الدعم المالي من قبل الدول المانحة، ذاك أنّ الوعود السابقة لم تترجم على أرض الواقع في ظل غياب مراقب دولي ذي مصدقية للإصلاحات المطلوبة.
كذلك، يشكّل تحدي إعادة هيكلة المصارف اختباراً رئيسياً، يرتبط بقدرة الدولة على إصدار قانون إعادة الهيكلة وقانون معالجة الفجوة المالية خلال الأشهر المقبلة، وتحديداً قبل إجراء الانتخابات النيابية في أيار 2026، إذ ستتحوّل الحكومة بعد هذا التاريخ إلى حكومة تصريف أعمال إلى حين تأليف حكومة جديدة. يجدر الذكر أنّ القطاع المصرفي اللبناني يرزح اليوم تحت ضغوط، ولا سيما جراء التراجع السنوي للسيولة الحرّة، ما يضع استدامة القطاع عموماً على المحك.
ويستخلص التقرير، إنّ هذه المسائل الثلاث إنما تمثل متطلبات ضرورية لاستعادة الثقة من قبل المجتمعين المحلي والدولي، وتأمين الأرضية للمجاميع الاستثمارية الملحة والتي جاءت دون المستوى لفترة طويلة، وتأمين النهوض الاقتصادي المستدام في المدى المتوسط والطويل، ما يخوّل البلاد العودة إلى مستوى الناتج المحلي الإجمالي ودخل الفرد اللذين كانا سائدين قبيل اندلاع الأزمة في العام 2019.
وفي البعد الحيوي والأهم المتعلق بإعادة الاعمار، تفتقر المالية العامة إلى موارد كافية للانفاق حتى على البنى التحتية اللازمة لانتظام العيش في المناطق المتضررة جراء الاعتداءات والغارات الإسرائيلية العنيفة التي أزالت فعليا بلدات وقرى حدودية عن الخريطة، والحقت اضراراً جسيمة في الطرقات وشبكات امدادات الكهرباء والمياه والاتصالات والمباني العامة والمستشفيات الحكومية وسواها.
ولا تحوز الحكومة، بحسب المسؤول المالي الذي تواصلت معه «الراي»، قاعدة بيانات موثقة (داتا) ومعززة بمسوحات ميدانية مكتملة، بسبب استمرار الاعتداءات اليومية وتوغل قوات الاحتلال في نقاط داخل الحدود، والمنع «الناري» لعودة الأهالي إلى كامل الحزام الحدوي بعمق يتعدى 5 كيلومترات.
وستظل المبادرات الدولية الداعمة محصورة بالقوى العسكرية الشرعية ومحدودة للغاية في تلبية سائر الاحتياجات الاعمارية والاقتصادية، حتى إشعار المجتمع الدولي بجدية خريطة الطريق وآلياتها التنفيذية لبلوغ محطة «حصرية» السلاح - بحسب المسؤول المعني - ومع التنويه باستثناء خط التمويل الجزئي لإعادة ترميم البنى التحتية في المناطق الجنوبية، والذي تكابد وزارة المال لجمع مليار دولار لأجله، بالانطلاق من تأمين رصيد أولي أطلقه البنك الدولي بقرض ميسر قيمته 250 مليون دولار، واسهام فرنسي بقيمة 75 مليون يورو، وعراقي بقيمة 20 مليون دولار.
ووفق التقييم السريع للأضرار والاحتياجات الذي نفذه البنك الدولي، والذي يتم اعتماده كمرجعية موثقة، تبلغ احتياجات إعادة الإعمار والتعافي نحو 11 مليار دولار أميركي، مع اثبات الحاجة إلى تمويلٍ بنحو 3 إلى 5 مليارات دولار من قبل القطاع العام، منها مليار دولار لقطاعات البنية التحتية (الطاقة، والخدمات البلدية والعامة، والنقل، والمياه والصرف الصحي والري). في حين ستكون هناك حاجة إلى تمويلٍ من القطاع الخاص بنحو 6 إلى 8 مليارات دولار، يكون معظمها موجهاً إلى قطاعات الإسكان، والتجارة، والصناعة، والسياحة.
ويستنتج التقييم، بأن التكلفة الاقتصادية للصراع في لبنان تقدّر بنحو 14 مليار دولار، حيث بلغت الأضرار التي لحقت بالمقومات المادية نحو 6.8 مليار، فيما بلغت الخسائر الاقتصادية الناجمة عن انخفاض الإنتاجية، والإيرادات الضائعة، وتكاليف التشغيل نحو 7.2 مليار دولار.
ويُشير إلى أن قطاع الإسكان هو الأكثر تضرراً، حيث تُقدر الأضرار فيه بنحو 4.6 مليار دولار. كما تأثرت قطاعات التجارة، والصناعة، والسياحة بشكل كبير، حيث تُقدر الخسائر فيها بنحو 3.4 مليار دولار في جميع أنحاء البلاد. ومن حيث النطاق الجغرافي، يخلص التقرير إلى أن محافظتي النبطية والجنوب هما الأكثر تضرراً، تليهما محافظة جبل لبنان (التي تضم ضاحية بيروت الجنوبية).