الرئيس جوزاف عون: حرية بلا فوضى… وسيادة تُدار بالعقل والمسؤولية

في مرحلة سياسية شديدة الحساسية، اختار رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون أن يواجه الإشكاليات الوطنية الكبرى بخطاب واضح المعالم، يعيد تصويب المفاهيم ويضع حدًا للالتباس بين الحرية والفوضى، وبين السيادة والمزايدات. مواقفه الأخيرة، التي عبّر عنها خلال استقباله وفد جمعية "إعلاميون من أجل الحرية"، شكّلت محطة سياسية تعكس فلسفة العهد في الحكم وإدارة الدولة.

في ملف الإعلام، شدّد الرئيس عون على أن الحرية لا تعني التفلت ولا تمنح أحدًا حصانة للإساءة أو التخوين أو اتهام الآخرين من دون إثبات. فـ "تحت شعار الحرية، بات البعض يعتبر نفسه محصّنًا"، في تعدّ مباشر على الكرامات الشخصية وعلى أبسط قواعد المهنة. وأكد أن حدود حرية أي فرد تقف عند حدود حرية الآخر، وأن الدور الحقيقي للإعلام هو تكوين وتصويب وتصحيح الرأي العام، لا تضليله أو تحويله إلى ساحة تصفية حسابات. وفي رسالة بالغة الدلالة، ذكّر بأنه منذ توليه قيادة الجيش وحتى رئاسة الجمهورية، لم يرفع دعوى واحدة ضد صحافي، في تأكيد أن الدولة القوية لا تخاف النقد، لكنها ترفض الفوضى المقنعة بحرية.

سياديًا، كان موقف الرئيس حاسمًا في ما خص اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع قبرص، حيث أعاد النقاش إلى إطاره القانوني والدستوري. وأوضح أن ما قامت به الدولة هو تثبيت القواعد التي وُضعت عام 2011، واعتماد مبدأ الخط الوسط المعترف به دوليًا، لافتًا إلى أن هيئة التشريع والقضايا أكدت عدم وجوب إحالة المعاهدة إلى مجلس النواب. بذلك، سقطت محاولات تصوير الملف كتنازل أو تفريط بالحقوق اللبنانية.

وفي ملف الحدود مع سوريا، أعلن الرئيس عون جهوزية لبنان للترسيم متى توافرت الإرادة لدى الجانب السوري، على أن تُترك مزارع شبعا للمرحلة الأخيرة، في مقاربة واقعية تُجنب هذا الملف التعقيد السياسي والاستثمار الداخلي.

أما في الشق الأمني، فطرح رئيس الجمهورية مقاربة صريحة لمسألة الحرب والتفاوض، متسائلًا بوضوح: هل لبنان قادر على تحمّل حرب جديدة؟ سؤال يعكس حسًّا عاليًا بالمسؤولية الوطنية، لا ضعفًا في الموقف. ومن هذا المنطلق، أكد أن التفاوض خيار مشروع عندما تصل المواجهة إلى طريق مسدود، خصوصًا في ظل عدو يحتل أرضًا لبنانية ويستهدفها يوميًا.

وفي هذا السياق، شدّد عون على الدور المحوري للجيش اللبناني، رافضًا اختزاله أو ربط الدعم الدولي له بملف واحد، مؤكدًا أن قرار حصرية السلاح اتُخذ ويُنفذ تدريجيًا وفق اعتبارات تقنية دقيقة، وقدّم الجيش في سبيله شهداء وتضحيات جسيمة.

وعن الحديث عن وجود "ورقة موقّعة" تكرّس التزامًا سياسيًا في ملف الاستراتيجية الدفاعية، جاء رد الرئيس واضحًا وحاسمًا: "فلينشروها الآن إذا كانت موجودة"، في تأكيد لالتزامه خطاب القسم وحصرية السلاح بيد الدولة.

في الخلاصة، يقدّم الرئيس جوزاف عون نموذجًا في إدارة الدولة يقوم على قوة المنطق لا منطق القوة، وعلى الحرية حين تكون مسؤولية، والسيادة حين تكون قرار دولة لا شعارًا عابرًا، في زمن يحتاج فيه لبنان إلى عقل الدولة أكثر من أي وقت مضى.