الرصاصة الأولى لتشريع العاصفة… هل يسبق قاسم إسرائيل إلى الفعل؟

لم يشهد لبنان منذ زمن هدوءًا يشبه ذاك الذي لفه أمس، فزيارة البابا لاوون الرابع عشر لم تكن حدثًا عابرًا، بل موجة روحية اجتاحت المشهد العام، وجرفت معها ولو مؤقتًا غبار الأزمات المتراكمة.

اذًا، تراجعت الملفات السياسية والأمنية إلى الخلف، وتوحد اللبنانيون حول متابعة حركة الضيف الاستثنائي لحظة بلحظة، عبر الشاشات أو في الطرقات، وكأن الزمن قرر أن يتباطأ احترامًا للزيارة، إنها استراحة قصيرة منسوجة بخيوط قداسة، لكنها تبدو أقرب إلى سكون ما قبل الانفجار.

هذا السكون لم يُخفِ وقع الرسالة النارية التي أطلقها نائب الأمين العام لحزب الله، نعيم قاسم، خلال مراسم إحياء ذكرى القيادي هيثم الطبطبائي، فخطابه الأخير، وهو الأكثر وضوحًا منذ توقيع اتفاق 27 تشرين الثاني 2024، بدا كأنه إعلان نيات لتوجه عسكري مرتقب ردًا على الاغتيال، أو أقله تلويح بانتهاء هدنة هشة لا تزال تتماسك بخيط رفيع.

وفي قراءة أحد المخضرمين في دهاليز السياسة، فإن تراجع المسيرات الإسرائيلية وانحسار الاعتداءات في الأيام الأخيرة لم يكن محض صدفة، بل لحظة اختبار للدبلوماسية التي أثبتت، حين تتوافر الإرادة، أنها قادرة على كبح شهية آلة الحرب، وأن ما يعجز عنه السلاح قد تنجزه أحيانًا لغة العواصم.

ويقول نائب بارز لـkataeb.org إن البلاد تتقدم بثبات نحو شهر شديد الغموض، إذ لم يصل المسار الدبلوماسي بعد إلى أي ضمان لخفض التوتر، فالهواجس الإسرائيلية من إعادة ترميم الحزب قوته يشكل ذريعة جاهزة لشن هجوم جديد على لبنان. 

وفي المقابل، فإن أي رد مباشر أو غير مباشر من الحزب، سواء عبر ساحات اليمن أو العراق، قد يمنح إسرائيل الذريعة الثانية التي تنتظرها لإطلاق عملية واسعة، إذ تتحين الرصاصة الأولى لتشريع العاصفة.

ومع ذلك، يستطرد النائب نفسه، تبقى المفارقة الكبرى قائمة: هل ينجح البابا بعفويته وقدرته على ملامسة أعصاب اللحظة  في تجميد العد العكسي للحرب؟ وهل يتمكن من تعليق موجة التهديدات التي عجزت السياسة والقنوات الدبلوماسية حتى الآن عن كبحها؟

ويختم بالقول: لبنان يقف اليوم على هامش الهدنة الأخيرة قبل أن يُفتح الستار على مشهد مختلف تمامًا.