المصدر: نداء الوطن
الكاتب: سامر زريق
الثلاثاء 9 أيلول 2025 07:04:14
حملت ذكرى المولد النبوي الشريف هذه السنة العديد من الدلالات ذات الطابع السياسي التي تميزها عن السنوات السابقة، ولا سيما أنها الأولى بعد سقوط نظام الأسد والضربة البنيوية التي نزلت بمحور الممانعة، حيث أعادت تظهير دور السنة كحاضنة لثقافة الدولة وفكرها وقيمها، وتموضعهم في صلب المعادلة الناشئة على خلفية المتغيرات التي يمر بها لبنان والمنطقة.
لم يكن حضور الرئيس نواف سلام الاحتفال المركزي بالذكرى في مسجد «محمد الأمين» يعبّر عن مشاركة تقليدية لرئيس الحكومة السني، بل كان مشهدًا مصممًا بدقة يروم توجيه رسائل للقاصي والداني حول دعم دار الفتوى لنهج رجل الدولة الذي يجسده سلام في لحظة تأسيسية، والعلاقة التكاملية بين المؤسسة الدينية والسراي الحكومي، والتي تشكل عنصر توازن إزاء الحملة الشرسة التي يسلطها «حزب الله» على رئاسة الحكومة بمزيج سياسي – ديني بسمات راديكالية.
ومن مسجد «محمد الأمين» إلى «بقاع صفرين» على سفح القرنة السوداء، اجتمع أركان «السيبة» السنية بنصاب وازن، يشتمل على رجال الدين وعلى رأسهم مفتي الجمهورية عبد اللطيف دريان، وحوالى نصف النواب السنة، ونخب سياسية وإدارية ودينية وقانونية في القضاءين الشرعي والمدني، لإكمال المشهدية وإطلاق مواقف واضحة تسعى إلى تجسير فجوة الانكفاء السياسي البارز منذ الانتخابات النيابية 2022، وتجديد العهد مع مشروع الدولة.
يختزن اللقاء السني الجامع في دارة آل كرامي في الضنية العديد من الرمزيات، بدءًا من نزع السياق السياسي والمذهبي عن قضية «القرنة السوداء» وإعادة وضعها ضمن سياق قانوني وإداري يخفف من نزعة الاستقطاب الطائفي والاستثمار السياسي، ويجسد المعنى الجدي لثقافة الدولة. مرورًا بصياغة موقف سني جامع داعم لرئيس الحكومة وللعهد في تطبيق مندرجات خطاب القسم والبيان الوزاري، وفي طليعتها حصرية السلاح وقرار الحرب والسلم بيد الدولة وحدها.
وصولًا إلى توظيف ما تحمله الذكرى نفسها من معانٍ في العقل الجمعي الإسلامي حول شخصية النبي، رأس الدعوة و«الرحمة المهداة للعالمين»، لاحتواء النزعة «الكربلائية» المتوترة و«الجبهة الحسينية»، ودعوة «حزب الله» إلى الاندماج في مسار الدولة الناشئ، كما يندمج الفرع بالأصل والجزء بالكل، والاقتداء بالنهج التوحيدي لحفيد النبي الأول، ثاني الأئمة الإثني عشر، وشقيق الحسين، الإمام الحسن بن علي الذي تنازل عن الحكم لمعاوية بن أبي سفيان درءًا للفتن والاحتراب الأهلي، وسمي عامذاك بـ «عام الجماعة».
تكمن أهمية هذه المواقف التي أكدها المفتي عبد اللطيف دريان في كلمته، في صدورها عن النائب فيصل كرامي بالذات، وبذا يعيد تموضعه السياسي في صلب المعادلة الناشئة، ويبرز مدى عزلة «الحزب» وانفكاك حلفائه الجديين عنه بسبب جموده الفكري والسياسي وعجزه عن التكيف مع التحولات.
ناهيكم عن تكثيف الكتلة الصلبة الداعمة لنهج الرئيس نواف سلام ودوره في معادلة الحكم، في مواجهة محاولات لا تنتهي لاحتكار القرار السني من قبل مرجعيات موازية مثل نادي رؤساء الحكومات. بيد أن هذا اللقاء الجامع لا يصل إلى حد إنتاج تحالف سياسي على تخوم الانتخابات النيابية، بقدر ما هو تظهير لثوابت أساسية تتسق مع ضرورات المرحلة، وما دونها «فليتنافس المتنافسون»، ولا سيما في ظل الطموحات المتضاربة للحاضرين، زد عليها انتماؤهم إلى مشارب سياسية وفكرية مختلفة يصعب الجمع بينها.
بصرف النظر عن الجدل الدائر حول المواقف السابقة للنائب كرامي، فإن استمرارية السياسي مرهونة بمدى إجادته قراءة التحولات والتكيف معها، وبالتالي فإن الحكم على مواقف هذا السياسي أو ذاك مقرون بمعيارية جديتها في التماهي مع ثقافة الدولة ومشروعها كما يطمح إليه الشطر الأوسع من اللبنانيين على اختلاف هوياتهم الفرعية.