السنيورة: لوحدة الحكم والحزم في حصرية السلاح والحكمة في التطبيق والحنكة في عدم الوقوع في الافخاخ

رأى الرئيس فؤاد السنيورة في حوار مع قناة الحدث - العربية، أن "المنطقة تعاني في هذه الآونة من مرحلة جديدة تحفل بالمتغيرات والتحولات الكبرى. وما شهدناه اليوم في مؤتمر شرم الشيخ هو أمر كبير للغاية. ولكن هذا الاتفاق، وعلى أهميته، قد جرى توقيعه من قبل اربعة رعاة لهذا الاتفاق، والذي يلزمه ان يصار الى تحويله الى مجلس الامن لكي يصبح وثيقة قانونية ملزمة للأطراف المعنية فيه".

واعتبر ان "هذا الاتفاق فيه الكثير من الغموض. وبالتالي، فإن نصوصه تفسح المجال للكثير من التأويلات والتفسيرات التي يخرج بها كل فريق حسب هواه. ومما لا شك فيه ان هذه التحولات الكبرى التي تكلم عنها اليوم فخامة رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، هي أمور يجب ان تؤخذ بعين الاعتبار بشأن تحديد موقف لبنان الرسمي منها. ولكن، وكما يعلم الجميع ان لبنان بلدا فسيفسائيا وهو ما زال يعاني من أوضاع بالغة الصعوبة. لذلك، فإن هذه الأمور تتطلب من الحكومة اللبنانية ممارسة المزيد من الحكمة، وكذلك من الحنكة في التطبيق لعملية حصرية السلاح التي اقرها مجلس الوزراء".

ولفت الى ان "هناك من لا يزال يعاني أو يرغب في الاستمرار في حالة الإنكار، وأن هذا الطرف أو ذاك، ما زال يكابر حتى الآن، ولا يعترف بأهمية هذه التحولات التي حصلت خلال الأشهر الماضية، وهو ما يزال يصر على موقفه لجهة عدم الاستعداد للتعامل معها بشكل عملي وواقعي وصحيح. لذلك، فإني أرى أنه من الضروري أن يصار إلى معالجة هذه الأمور بحكمة وتبصر كبيرين"، معتبرا ان "هذه المعالجة تقتضي فعليا ادراكا كبيرا من قبل الاطراف المعنية بحقيقة وأهمية ما حصل وطبيعة مقتضيات التعامل معها بنجاح، أكان ذلك على الصعيد اللبناني وبالذات من قبل حزب الله، أم كان ذلك على الصعيد الاسرائيلي ام كان ذلك ايضا على الصعيد الأميركي الذي هو الراعي الاساسي لهذا الاتفاق".

اضاف: "بالنسبة لإسرائيل، فإن ما حصل يشكل بحد ذاته أيضا امتحانا كبيرا وحقيقيا لها واختبارا لنواياها. هل هي تريد فعلا أن تتحول الى السلام؟ وهل تؤمن بأنها تريد أن تعيش في هذه المنطقة بوئام مع كل الدول المحيطة. وهل هي بالفعل مؤمنة بالسلام الدائم والعادل مع علمها أن ذلك لا يكون الا من خلال التوصل الى حل لجوهر المشكلة؟"، وقال: "جوهر الصراع القائم في المنطقة يتركز على الاعتراف بحق الفلسطينيين في ان يكون لهم وطن وان تكون لهم دولتهم. وبالتالي هل إسرائيل على استعداد للتعاون مع دول المنطقة لتحقيق هذا السلام المنشود. والأمر الآخر، ان هناك تحولات كبرى تجري في المنطقة، ومنها ما حصل في غزة، ولكن لايزال هناك انكار لدى حزب الله لحقيقة ما جرى في المنطقة، ولاسيما ما يتعلق بالتغير الكبير الذي حصل في سوريا والتغيير الذي حصل بنتيجة التدمير الكبير الذي تسببت به الغارات الإسرائيلية والأميركية على إيران. ودعيني هنا ولو دخلت بتفصيل صغير بأن ما شهدناه في العالم العربي على مدى العقود الماضية منذ النكبة الفلسطينية يتركز في استمرار حالة الإنكار الدائم في المجتمعات العربية لفهم حقيقة ما كان يحصل وعدم الاعتراف بضرورة العمل على تنفيذ مقتضيات صحة التعامل مع الأحداث والصدمات الكبيرة وكيفية مواجهتها. إذ أنه، وللأسف، وبعد العام 1948، كان العالم العربي يميل إلى الظن أن الحل السريع لمواجهة تلك الصدمة القاسية يكون عبر الانقلابات العسكرية، ظنا منه انها هي الوسيلة الحقيقية والوحيدة لمواجهة آثار النكبة. ولقد تبين بعد ذلك، عدم صحة هذا الاعتقاد، وبالتالي لقد حصل ذلك على حساب الديمقراطية والحكم الرشيد في العديد من الدول العربية. كذلك، وبعد نكسة العام 1967، مال العالم العربي إلى اعتماد المقاومة المسلحة ظنا منه أيضا أن هذه هي الوسيلة الصحيحة للتعامل مع تلك النكسة. ولكن، وللأسف، تبين من جديد، وبكلفة أكبر بكثير، وعلى أكثر من صعيد، أن هذا الأسلوب لم يكن الأسلوب الصحيح للتعامل مع تلك النكسة".

وتابع: "الذي جرى بعد ذلك، تفريخ العديد من الفصائل الفلسطينية المسلحة، والتي ذهبت بعيدا في توظيف جهودها وقواها بشكل أو بآخر لخدمة مصالح دول أو منظمات، أكان ذلك في المنطقة العربية أم في دول من خارج المنطقة العربية. ومرة جديدة، كان ذلك على حساب الديمقراطية والحكم الرشيد، وكذلك على حساب أجيال عربية قاست ولاتزال تقاسي الأمرين. وللأسف، هذا ما عانينا منه على مدى العقود الخمسة الماضية. الآن، وفي ضوء هذه التحولات والمتغيرات الكبرى التي تحدث في منطقتنا العربية على أكثر من صعيد عسكري وسياسي واقتصادي وحضاري، فقد بات واجبا أن يتكون لدى العالم العربي فهم جديد لما تقتضيه هذه المرحلة الخطيرة. ذلك لأنه لم يعد من الممكن الاستمرار في وجود هذه المنظمات المسلحة من خارج إطار الدول. وهي المنظمات غير المؤهلة على التصدي لإسرائيل ولمن هم وراءها، ولاسيما وأن هذه المنظمات المسلحة قد فشلت في ان تردع اسرائيل وفشلت في أن تحمي غزة والضفة الغربية وبلدا مثل لبنان، ولا حتى في ان تحمي نفسها".

وردا على سؤال عن عدم تمكن لبنان بعد من نزع السلاح، قال: "لقد تفرد حزب الله بتوريط لبنان في الحرب التي حصلت في العام 2006 من دون علم ولا موافقة الدولة اللبنانية. وبعد ذلك، عمد إلى توريط لبنان في تشرين الاول من العام 2023. ذلك فضلا عن أنه أصر بعد العام 2006 على عدم تطبيق القرار 1701 الذي صدر عن مجلس الأمن، وهو القرار الذي حاز على موافقة إجماع مجلس الوزراء بمن فيهم حزب الله".

ورأى ان "عدم التزام حزب الله تطبيق هذا القرار الدولي اضطره بعد ذلك إلى القبول باتفاق إذعان الذي حصل كما تقولين في 28 نوفمبر من العام 2024. تجدر الإشارة إلى أن الحزب لم يطبق هذا القرار، كما أن إسرائيل لم تطبقه لا في حينه ولا الآن".

واشار الى ان "هناك عوامل مساعدة يجب العمل على توفرها لصحة تنفيذ قرار الحكومة اللبنانية في حصرية السلاح، وهو القرار الذي يجب ان تتمسك به الحكومة اللبنانية بحزم. ولكن في الوقت ذاته، ينبغي على الحكومة أن تتصرف أيضا بحكمة وبتعاون مع حزب الله، وأيضا في مد اليد لبيئة حزب الله من اجل التوصل الى تطبيق هذا القرار الهام بتطبيق حصرية السلاح الذي يخدم مصالح جميع اللبنانيين، كما يخدم مصالح بيئة حزب الله. إذ أنه، ومع تطبيق هذا القرار، فإنه يصبح من الممكن تمكين اللبنانيين الذين نزحوا عن بلداتهم وقراهم ومنازلهم من العودة إلى الجنوب، ومن الممكن عندها أيضا طمأنة أهالي جميع المناطق المدمرة والمتضررة، بأنه سيكون إعمار لتلك البلدات والقرى المهدمة والمتضررة، وبالتالي سيحصل انسحاب إسرائيل من تلك المناطق التي لاتزال تحتلها إسرائيل".

ورأى ان "هناك عوامل يجب توفيرها لمساعدة لبنان في هذا الشأن، ولاسيما وان اسرائيل لم تلتزم حتى الآن بما نصت عليه بنود اتفاق التفاهمات الذي حصل في ال27 من نوفمبر من العام الماضي. لذلك، فقد بات الأمر يقتضي من الولايات المتحدة أن تلعب دورا مهما كعامل مساعد في هذا الشأن، وذلك بما يمكن جميع الأطراف من التعاون على تحقيق السلام المنشود".

واردف: "هناك قضية كبرى امامنا، وهي قضية تحقيق السلام على أساس أن يكون هذا السلام عادلا وشاملا ودائما. وهذا يقتضي من الجميع ان ينضوي تحت لواء هذا السلام، أكان ذلك على صعيد الفصائل الفلسطينية المسلحة، أو على الصعيد اللبناني. وبالتالي ينبغي أن يدرك حزب الله، وأن يعلم الحزب وبيئته علم اليقين، أن ليس هناك من مناص الا العودة الى الدولة وبشروط الدولة. الفصائل الفلسطينية عليها أن تدرك أيضا أنه لا يمكن لها أن تخدم قضيتها المحقة - القضية الفلسطينية - إذا استمرت على هذه الحالة من التشرذم، وبالتالي ينبغي عليها أن تدرك وبسرعة بأنه عليها أن تعيد ترتيب البيت الفلسطيني، وان تتعامل مع هذه التحولات بكفاءة، وأن تعمل على اغتنام جميع العناصر المستجدة على الصعيدين العربي والدولي للتقدم على مسار تحقيق هذا السلام المنشود. وأعني بذلك التحول الدولي في عدد الدول التي اعترفت بالدولة الفلسطينية وبحل الدولتين، وكذلك التغيير لدى المجتمعات الغربية بنتيجة الظلم الهائل الذي ألحقته إسرائيل بالشعب الفلسطيني. في لبنان المشكلة اصبحت واضحة ان هناك قرارا اتخذته الحكومة اللبنانية، وأنه يجب أن ينفذ"، مؤكدا أن "هناك عوامل مساعدة يجب ان يصار الى تأمينها من قبل الولايات المتحدة ومن قبل اسرائيل من اجل التسريع في تنفيذ هذه العملية وإلا سيكون هناك، وللأسف، المزيد من الإشكالات والمزيد من التفسيرات والتأويلات، وبالتالي الانحرافات بما يعني العودة إلى الابتعاد عن هدف تحقيق السلام العادل والدائم".

وردا على سؤال، لفت السنيورة الى ان الرئيس الاميركي دونالد ترامب، "استعمل عبارات جيدة حين أشاد بالرئيس جوزاف عون، وهي العبارات التي أرى فيها أنها إشادة في معرض التحفيز للرئيس عون وللحكومة اللبنانية للسير قدما في عملية تطبيق حصرية السلاح. أنا أدرك أن هذا الامر هام جدا، ويجب أن يتم بأسرع وقت ممكن حتى تستعيد الدولة اللبنانية دورها وسلطتها وهيبتها. ولكن أدرك أيضا أن هذا الامر يتطلب توفير العوامل المساعدة لتحقيق ذلك".

اضاف: "لا شك أنه أمر مقدر ما قدمته الولايات المتحدة من مساعدات للجيش ولقوى الأمن الداخلي اللبناني لتعزيز عديدهما، وأيضا تعزيز تجهيزاتهما. لكن الأمر يتطلب بالإضافة على ذلك أيضا جهدا بالسياسة. أي أن هناك حاجة من اجل ان تقوم إسرائيل، ولو بشكل محدود، بانسحاب من بعض النقاط التي تحتلها في لبنان، والتي ليس لها أي فائدة استراتيجية لإسرائيل على الإطلاق لا تفيد ولا تقدم ولا تؤخر في موازين القوى، ولكنها رسالة تطمينية وتحفيزية من جهة أخرى للبنان وللمسؤولين اللبنانيين ولبيئة حزب الله. تحقيق هذا الامر لجهة حصرية السلاح يتطلب ايضا تقدما ولو محدودا على صعيد طمأنة بيئة حزب الله ولسكان هذه المناطق بمعنى أن هناك مسارا واضحا من اجل ان تتم عودتهم الى ديارهم وقراهم. وأيضا مسارا واضحا في عملية إعادة الإعمار، والبدء بالانسحاب من الأراضي المحتلة. أنا اعتقد أن هذا الامر يتطلب حزما لا انحراف ولا تلكؤ فيه. ولكونه ليس بالأمر السهل، فإنه يجب أن يصار إلى توفير العوامل المساعدة، وهي ضرورية جدا لتمكين لبنان من تخطي هذه المشكلات الكبرى التي تعصف بلبنان. ليست مشكلة لبنان سهلة كما يتصور البعض هي مشكلة صعبة جدا، وعلى الحكومة أن تثابر على جهودها في تحقيق هذه الأهداف الوطنية بامتياز".

وردا على سؤال عن حصول صراع بين قيادات في لبنان، قال: "هذا صحيح، وهو ليس بالأمر الصحي أو المقبول. لكن هذا أيضا ما رأيناه جميعا بشأن ما يحدث في إسرائيل، وحيث شهدنا مشكلات نتنياهو مع المعارضة، وكيف أن عليه أن يظل ملتزما بما يريده الشعب الإسرائيلي. ونرى كيف يخاطب نتنياهو الشعب الاسرائيلي بطريقة مختلفة عما يخاطب به المجتمع الدولي. هذه هي عينات عن مشكلة السياسيين أينما كانوا وفي أي بلد. هناك مشكلة أزلية في هذا الخصوص ان السياسيين يخاطبون شعوبهم بما يحبوا أن يسمعوه، وليس بما ينبغي عليهم أن يسمعوه، بتعرفي all politics are local ممارسة السياسة تتأثر بالعوامل الداخلية للدول. وهذا يسري في جميع أنحاء العالم، وبالتالي كل واحد يحاول أن يحافظ على شعبيته".

واعتبر ان "لبنان بحالته هذه يتطلب تصرفا مختلفا بمستوى رجال الدولة. ذلك لأنه ليس من صالحنا على الاطلاق استمرار هذا التجاذب وهذا التقاذف لكرات النار بين المسؤولين السياسيين. ليس من المفيد على الاطلاق أن يستمر هذا الوضع، لأنه يضعف من صدقية الدولة اللبنانية في هذه الظروف الحساسة والصعبة، ولا يحقق النتائج التي يتوخاها اللبنانيون. المطلوب الان في لبنان الحرص على وحدة الحكم. وحدة الحكم بان يكون هناك موقفا لبنانيا واضحا وصريحا على صعيد الموقف الموحد لكل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة وبالتعاون مع رئيس السلطة التشريعية. وبالتالي، ومن خلال هذا الموقف المتضامن والصلب تستطيع الحكومة اللبنانية أن تكتسب صدقيتها أمام اللبنانيين وأمام الأشقاء والأصدقاء. وبالتالي يستطيع لبنان أن يضمن التأييد له ويضمن أيضا تحقق النجاح في التعامل مع الآخرين. بنفس الوقت، أود أن أؤكد من جديد، أن هناك حاجة كما ذكرت لتطبيق ثلاث حاءات، وهي: الحزم في الالتزام بالقرار الذي اتخذته الحكومة بحصرية السلاح، والحكمة في التطبيق، والحنكة في عدم الوقوع في الافخاخ التي تنصب للحكومة. وبنفس الوقت ضرورة أن تسارع الحكومة إلى بسط سلطتها على الاماكن التي تستطيع ان تفرض سلطتها فيها وتنفذ فيها حصرية السلاح ريثما يصبح من الممكن تطبيق هذا المبدأ السيادي في جميع المناطق الأخرى، حيث يبقى الهدف تطبيق هذا القرار على جميع الأراضي اللبنانية. هناك أمورا عديدة اعتقد أنها تتطلب من الجميع الاسهام في هذه العملية. نعم، هناك مشكلات كبرى في لبنان وطبيعة لبنان الفسيفسائية التي تستوجب فهما وإدراكا متزايدا في هذه الخصوص واعتقد ان ذلك ممكنا وليس ذلك مستحيلا ولكنه يتطلب اسهام الجميع ببناء الأشرعة اللازمة، بشكل أو بآخر، حتى تتحقق الاستفادة من هذه الرياح المؤاتية التي تهب الآن على المنطقة".

وختم معتبرا ان "رياح السلام يجب ان يصار الى مساعدتها والحؤول دون ان يكون هناك تفسيرات لكل فريق من الفرقاء في تطبيق مشروع الرئيس ترامب، وبالتالي للحؤول دون من يحاول أن يعتم على فكرة تطبيق حل الدولتين، والذي هو أساس الحل لهذا الصراع العربي الإسرائيلي وهو الباب الحقيقي والمفتاح من اجل ايجاد حل حقيقي للسلام في المنطقة".