السوريون "يهدّدون الأمن الصحّي"... دكاكين ومراكز غير شرعية لبيع الأدوية المهرّبة!

هدأت موجة فقدان الأدوية وحليب الأطفال والتلاعب بأسعارها بين صيدلية وأخرى، رغم أن توفُّر الكثير من الأدوية ما زال شحيحاً، لكن الناس اعتادت الواقع رغماً عنها. وساهمت الدولرة التي اجتاحات كل القطاعات، في خفض معدّلات الطلب على الأدوية، إذ ارتفعت أسعارها توافقاً مع تحرّك الدولار صعوداً، وإن كان ثمنها يصدر من وزارة الصحة ويُستَوفى، بالليرة. وبالتوازي، حرَّكَت الأسعار المرتفعة وشحّ الأدوية، سوق التهريب لتوفير أدوية غير مسجّلة في وزارة الصحة، آتية من سوريا وإيران وتركيا... وغيرها.

ومع أن هذا الملف ليس بجديد، إلاّ أن نقيب الصيادلة جو سلّوم أعاد تسليط الضوء عليه بعد وصول الأزمة إلى مرحلة متفاقمة، فالنازحون "إضافة إلى مزاحمتهم اللبنانيين على الكمية المحدودة من الأدوية المتوافرة والمنشآت الصحيّة المتهالكة، يقومون بإنشاء مراكز غير شرعية تتعاطى تجارة شتى أنواع الأدوية المهرّبة". فهل بات ضغط النازحين على القطاع الصحي خطِراً إلى هذا الحدّ؟.

تهديد الأمن الصحّي
تتراكم تجاوزات الكثير من النازحين، برأي سلّوم، لتصل إلى مرحلة "تهديد الأمن الصحّي". ومع أن تسجيل أرقام ومعدّلات حول حجم التهريب وعدد المراكز الصحية غير الشرعية، يصعب حصره، إلاّ أن "الملاحظة على الأرض والتجربة التي يبلّغ عنها الصيادلة والمواطنون تبيّن وجود دكاكين وعيادات ومراكز يديرها السوريون ويبيعون فيها أدوية مهرَّبة. وترتفع أعداد تلك المراكز في المناطق ذات النزوح الكثيف". بحسب ما يقوله سلّوم لـ"المدن".

ولا تملك النقابة الكثير لتفعله في هذا المجال، لذلك "نتواصل مع المعنيين ومع كل مَن هم في موقع المسؤولية". ويشير سلّوم إلى أن النقابة تتواصل مع "المحافظين والنيابة العامة ووزارة الداخلية... للحدّ من انتشار الأدوية المهرَّبة والمراكز الصحية التي يديرها النازحون". ويطمئن سلّوم إلى أن الصيدليات اللبنانية "ملتزمة بالدواء المسجّل في وزارة الصحة، والصيدليات المخالفة تخضع للمساءلة".
ويتخوَّف سلّوم من أن تفاقم التجاوزات ستؤدّي إلى "استهلاك النازحين لمخزون الدواء الموجود، ولقدرة مراكز الاستشفاء على العلاج".

الدولة متواطئة على شعبها
لا جدال في أن حجم النزوح الكبير، له تأثيراته في الشارع اللبناني. غير أن الدولة اللبنانية لم تتعامل بصورة صحيحة مع النزوح من بدايته. وسوء الإدارة "هو نتيجة الفساد الموجود في الدولة. وينعكس ذلك على ملف الأدوية والمراكز الصحية غير المشرَّعة". وتقول مصادر في القطاع الصيدلاني، في حديث لـ"المدن"، أن "المشكلة تبدأ بغياب سلطة الدولة، وانخراط المدعومين من أحزاب السلطة، بالتهريب وحماية المهرّبين، سواء اللبنانيين أو السوريين. كما أن انفلات الحدود بين لبنان وسوريا، يُطلق العنان لكل التجاوزات".
ومع أن "تأثير وجود النازحين في لبنان، على ملف الدواء اتّضحَ بشكل جليّ في أعقاب أزمة الدواء قبل رفع الدعم، من خلال الطلب عليه بمعدّل 9 سوريين مقابل 4 لبنانيين يطلبون الدواء من الصيدليات، إلاّ أن ذلك لا يصل بعد إلى حدّ تهديد الأمن الصحي اللبناني". وتلفت المصادر النظر إلى أن زيادة طلب النازحين على الدواء وحليب الأطفال، يعود إلى ارتفاع نسبة الولادات لديهم مقابل الولادات اللبنانية".

ضرورة الاستجابة للمريض
توافق المصادر على "وجود مشكلة لا يمكن إنكارها أو إخفاؤها. لكن حلّها ليس سهلاً". وإن كان نقيب الصيادلة بادرَ إلى التحذير، إلا أن الصيادلة لا يمكنهم فعل شيء، إذ يستحيل رفضهم بيع أي نازح بحجّة وجود مراكز غير شرعية يديرها نازحون، أو انخراط بعضهم بتجارة الأدوية بشكل غير قانوني. فطالب الدواء من الصيدلية هو بالنسبة للصيدلاني، شخص مريض، بصرف النظر عن جنسيّته".
الحلول غير مطروحة بشكل جدّي. فاستعصاء حل أزمة الدواء والمراكز الصحية، يعود لاستعصاء حل أزمة الفساد والتهريب، وهو أمر غير وارد في الحاضر وفي المستقبل القريب. واللافت للنظر أن الأحزاب السياسية القابضة على السلطة، تساهم في تعزيز الأزمة "من خلال عدم اتخاذ الإجراءات القانونية السليمة عبر مؤسسات الدولة، بل تعالج انعكاساتها بشكل جزئي، عبر مساعدة جماهيرها مناطقياً. فلدى تلك الأحزاب مراكز صحية خاصة، تقدّم الخدمات للمحازبين والمناصرين والبيئة المحيطة، وتوزِّع كذلك أدوية، بعضها مهرَّب وغير خاضع بالتالي لرقابة وزارة الصحة".

ومع صعوبة حلّ الملف، ترى المصادر أنه "على المدى البعيد، سيأخذ النازحون الدواء من درب اللبنانيين، بسبب كثرة الولادات التي تستدعي رفع معدّل استهلاك الدواء والحليب، وتحديداً أدوية الأطفال، لأن أغلب الأدوية التي يحتاجونها لفترات طويلة، وأدوية الأمراض المزمنة، يأتون بها من سوريا".