العراق: الحوار والتفاهم ام الفوضى والانهيار؟

لا تزال الأزمة السياسية في العراق قائمةً بقوّة، إذ تعيش البلاد شللاً سياسياً تاماً منذ الانتخابات التشريعية في تشرين الأول 2021. ولم تفضِ مفاوضات لامتناهية بين القوى السياسية الكبرى إلى انتخاب رئيس للجمهورية أو تكليف رئيس للحكومة. زعيم التيار الصدري رجل الدين الشيعي النافذ مقتدى الصدر، الخصم الأساسي للإطار التنسيقي، يطالب بحلّ البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة. علماً أن الدستور العراقي، ينصّ على أن لا يمكن حلّ البرلمان إلا بناء على طلب من ثلثي أعضاء مجلس النواب أو بطلب من رئيس الوزراء وموافقة رئيس الجمهورية. 

 

في المقابل، يشترط الإطار التنسيقي الذي يضمّ كتلاً برلمانية موالية لإيران ومنها كتلة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، تعيين رئيس جديد للحكومة قبل إجراء أيّ انتخابات جديدة، معلناً تمسّكه بمرشّحه لرئاسة الوزراء محمد شياع السوداني على الرغم من اعتراض التيار الصدري عليه، مؤكداً "استمراره في الحوار مع جميع الاطراف لتنفيذ الاستحقاقات الدستورية وعودة المؤسسات إلى أداء مهامها وتشكيل حكومة كاملة الصلاحيات، حرصاً منه على تجنيب البلاد مزيداً من الأزمات".

 

مصادر مطلعة على الواقع السياسي العراقي تؤكد لـ"المركزية" ان رئيس حكومة تصريف الاعمال مصطفى الكاظمي دعا أكثر من مرة الى الحوار بين كل الأفرقاء والأحزاب المتصارعة مهدداً بالاستقالة، من مبدأ ان لا يجوز ان يستمر البلد بهذه الحالة من الشلل. وقوبلت دعوته بردود فعل ايجابية من قبل البعض وسلبية من البعض الآخر. فالمالكي، الخصم التاريخي للصدر، دعا، بحسب المصادر، أيضاً للحوار. كما أن الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يقوده مسعود البارزاني يحاول ان يكون عنصر حل لا أزمة. كيف؟ بدأ البارزاني ببلورة مبادرة يستعد لطرحها على مقتدى الصدر ويسعى ان يعطيها مصداقية، اولا من خلال تراجعه حيال عدم ترشيح ريبر أحمد لرئاسة الجمهورية، مقابل دعم ترشيح الرئيس الحالي برهم صالح، المدعوم من الاتحاد الوطني الكردستاني ورئيسه بافل طالباني. رغم أن البارزاني كان قد وضع خطا أحمر حيال دعم صالح.

 

وتشير المصادر الى ان البارزاني يتواصل مع الائتلاف السيادي وتحالف الفتح للبحث في مبادرة، تتماهى مع تلك التي طرحها رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي والرامية الى إخراج العراق من أزمته. وتنص المبادرة على تشكيل حكومة موقتة برئاسة الكاظمي، وإجراء انتخابات نيابية مبكرة. 

 

في المقابل، تطالب قوى الاطار التنسيقي باستئناف عقد جلسات البرلمان رغم استقالة نواب الصدر منه واستكمال الاستحقاقات الدستورية، أي انتخاب رئيس للجمهورية واختيار رئيس حكومة كاملة الصلاحيات بدل حكومة تصريف الأعمال التي يرأسها الكاظمي، وبالتالي تعديل قانون الانتخابات، لأنه يعتبر ان هذا القانون مسؤول عن تراجعه وهزيمته في الانتخابات النيابية السابقة التي حصلت منذ أقل من سنة. وهذا الأمر يناسب، بحسب المصارد، "الاطار التنسيقي"، لأن مع استقالة نواب الصدر أصبحت الكلمة الفصل له.

 

أما التيار الصدري، وبعد استقالة نوابه، فطرح ما يلي: التمسك بحل البرلمان، اجراء انتخابات مبكرة، التحديد بالضبط في الدستور بأن الكتلة الاكثر عددا هي التي تشكّل الحكومة، لأن جماعة ايران التي خسرت الانتخابات والتي كانت سببا في استقالة نواب الصدر من المجلس، تراوغ، معتبرة ان الصدر لا يملك الأكثرية رغم ان كتلته حصلت على أكبر عدد من المقاعد والتي بلغت 75 مقعداً، وبرأيها أن الأكثرية تعني النصف زائدا واحدا، اي ما يقارب الـ 180 نائباً. وبما ان الدستور لا يؤكد هذا الأمر بشكل واضح، تعتبر جماعة ايران بأن الصدر لا يملك اكثرية داخل مجلس النواب. 

 

وتشير المصادر الى ان دعوات الحوار قد تنجح او لا، لأن انصار ايران متمسكون باستنئاف جلسات البرلمان، في حين ان الكاظمي والصدر يؤكدان عدم جواز ذلك وكتلة الصدر مستقيلة. وبالتالي كيف سيصار إلى انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة؟ انصار ايران يصرّون على ذلك، لأن ، بغياب كتلة الصدر،أصبحت كتلتهم تملك الاكثرية، وبالتالي يمكنها ان تتحكم بزمام الأمور وتختار رئيس الحكومة الذي تريد. 

 

حاليا هناك دعوات للحوار يديرها الكاظمي، لكن الايرانيين ما زالوا متصلبين ومتمسكين بمبادرتهم  والتي في حال تحقيقها، ستقود العراق الى مزيد من الانقسام والانهيار، تختم المصادر.