العنف والإجرام يهزان لبنان.. وظاهرة الأمن الذاتي تتمدد

"في لمح البصر، انتُزِعت الحقيبة عن كتف شقيقتي من قبل مجرم يركب دراجة نارية برفقة شخص يقود بسرعة البرق، قبل أن يختفيا بسرعة في الأزقة الضيقة، تاركينا في حالة من الصدمة"... بحسب ما تقوله الصحفية إيمان أبو نكد.

وقعت الحادثة ليل الأحد، بعد لحظات من خروج إيمان وشقيقتها من مركز تسوق في بيروت، وتقول لموقع "الحرة"، "في الحقيبة مبلغ كبير من المال إضافة إلى أوراق شقيقتي الثبوتية والعديد من الأمور الشخصية الأخرى".

توجّهت إيمان وشقيقتها إلى أقرب مخفر، فأحالهما العنصر الأمني إلى مخفر آخر، وما إن وصلتا إلى هناك حتى تم تحويلهما إلى مخفر ثالث.

وتقول "في ذلك المخفر وأثناء كتابة العنصر الأمني محضراً، قال لنا (ماذا عسانا أن نفعل لكما)، فأشفقت عليه وعلى حالنا".

خلال وجودهما في المخفر كان هناك شخص آخر يبلّغ عن سرقة أمام فندق مشهور، وفي مسرحيّ الجريمة يوجد بحسب إيمان "كاميرات مراقبة مزروعة في كل مكان، لكن من الواضح أن المجرمين يرتكبون جرائمهم غير آبهين بشيء، ومع ذلك لا يزال هناك من يعتبر أن الأمن ممسوك في لبنان".

لا يمرّ يوم في لبنان من دون وقوع عمليات سرقة وسلب ونشل وإطلاق نار، إلا أن اللافت في الفترة الأخيرة هو ازدياد "وقاحة" المجرمين، الذين باتوا يهاجمون ضحاياهم في وضح النهار وفي كل مكان في العلن كما في الخفاء.

وفوق هذا لم يعد المجرمون يتسلّحون فقط بسكين أو مسدس حربي، بل وصل الأمر إلى حملهم أسلحة رشاشة، هناك من يلجأ إلى الاعتداء الجسدي على الضحايا لإرهابهم وإجبارهم على تسليم ما لديهم، وفي معظم الأحيان يستخدمون دراجات نارية للتنقل بسهولة والهرب بسرعة بعد تنفيذ جرائمهم.

الأمر لا يقتصر على الجرائم، فتلاشي هيبة الدولة يظهر كذلك في الاستعراضات المسلحة من قبل عناصر تابعة لميليشيات وأحزاب، آخرها كان يوم الأحد الماضي، خلال تشييع عنصرين من قوات الفجر التابعة للجماعة الإسلامية في لبنان، قتلا باستهداف إسرائيلي لسيارتهما في البقاع الغربي.

حيث ظهرت مجموعة من الشبان الملثمين، يرتدون زياً عسكرياً ومدججين برشاشات وقاذفات آر. بي. جي، قاموا بإطلاق النار عشوائياً ما أدى إلى إصابة عدد من المواطنين وتضرر بعض الممتلكات، ما خلّف صدمة واسعة واستنكاراً في الوسطين السياسي والشعبي.

النساء في عين العاصفة

وقعت في الفترة الأخيرة جرائم عدة من مختلف الأنواع صدمت الرأي العام في لبنان، منها ما حصل مع المحامية سوزي أبو حمدان، حيث انتشر مقطع فيديو يظهر تعرضها لاعتداء وحشيّ من قبل مجموعة أشخاص، من بينهم زوج موكلتها ووالده.

وتعرضت أبو حمدان للضرب والسحل على يد المعتدين في الشارع أمام المحكمة الجعفرية في الضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت، وقد شوهد أحدهم وهو يحاول سحب ملف القضية من يدها.

في وقت لاحق، ظهر شخص يدعى مهدي الموسوي في مقطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، اعترف فيه باعتدائه على أبو حمدان، مقدماً اعتذاره ومبرراً تصرفه بـ "الضغوط النفسية والاجتماعية" التي يعيشها في لبنان خلال الوقت الراهن.

ومن الجرائم التي صعقت اللبنانيين، قتل رجل لبناني لزوجته الأميركية وتقطيع جثتها ودفنها في حديقة منزله، والتي تم الكشف عنها بعدما توفرت معلومات لشعبة المعلومات حول انبعاث روائح كريهة من منزل أحد المواطنين في بلدة الميّة وميّة - صيدا، فتم تكليف دورية بالانتقال إلى هناك، لتعثر على أجزاء جثة في كيس أسود في الحديقة.

وبعد دهم منزل الزوج في 16 من الشهر الجاري وتوقيفه، أقر بقتلها وتقطيع جثتها بواسطة منشار ودفنها في ثلاث حفر. وأوهم المجرم أولاده بأن زوجته غادرت المنزل إلى جهة مجهولة، ثم قام بحظرهم عن هاتفها لإيهامهم بأنها لا تريد التّواصل معهم.

إمعان في الإجرام

ضجت مواقع التواصل الاجتماعي قبل أيام بمقطع فيديو لشخصين مجهولين، يستقلان دراجة نارية، يقومان بمطاردة مواطن يستقلّ بدوره دراجة في محلّة أنفاق المطار، بغية سلبه، وقد شهر أحدهما رشاشاً حربياً باتجاهه، عندها اعتمد المواطن مسلكاً بعكس وجهة السير وتمكّن من الإفلات منهما.

توصلت عناصر مكتب مكافحة الإرهاب والجرائم الهامّة في بيروت وجبل لبنان في وحدة الشرطة القضائية، إلى تحديد هويّتَيهما، وتوافرت معلومات لدى المكتب حول وجود أحدهما في المستشفى لتلقي العلاج بعد تعرضه لحادث على دراجته، في أثناء عودته من تنفيذ العملية، فعملت على توقيفه حيث اعترف بإقدامه على تنفيذ العديد من عمليات السلب والنشل، بالاشتراك مع من كان معه وآخرين.

وقبل ذلك وقعت جريمة قتل في الدكوانة راح ضحيتها شاب سوري عُثر على جثته في 12 يناير، في مغسل سيارات مصابة بعدة طعنات، ووجد سكين بجانبها، حيث أكد الطبيب الشرعي أن الوفاة ناتجة عن عملية ذبح بعدة طعنات في الجسد.

وقبل أيام أعلنت القوى الأمنية أنه بعد رصدٍ ومراقبة دقيقة، تمكنت شعبة المعلومات من توقيف القاتل الرئيسي بعد مداهمة في ذوق مكايل، وقد اعترف بارتكاب الجريمة مع شركاء آخرين عن طريق طعن الضحية عدة طعنات مستخدمين سكين و"مفك براغي" ومن ثم ضربه على رأسه بواسطة مطفأة.

بعد ذلك قاموا بسرقة حقيبته وهاتفيه الخلويين وتقاسموا مبلغ ألف دولار أميركي كان داخل الحقيبة، كاشفاً أن دافع الجريمة هو تمنّع القتيل عن دفع رواتبهم وأنه كان يشتمهم ويهينهم باستمرار.

كما ألقت القوى الأمنية قبل أيام القبض على عصابة سرقة في خلدة بعدما وردتها معلومات عن قيام مجهولين بسرقة منزل إحدى المواطنات، إذ بنتيجة الاستقصاءات والتحريات المكثّفة، اشتبهت العناصر الأمنية بشخص كان يعمل بصفة ناطور في المبنى حيث حصلت عملية السرقة، وبعد استجوابه، اعترف بتنفيذ عملية السرقة بالاشتراك مع شخص آخر، كما تبيّن أنه من أصحاب السوابق بجرم سرقة.

تمكنت عناصر الفصيلة، من كشف هوية شريكه وتحديد مكان تواجده في محلة خلدة، حيث داهمته قوة من الفصيلة، وأوقفته مع أربعة اشخاص.

بتفتيش المنزل، عثر على 23 هاتفاً خلوياً، بندقية "بومب أكشن"، 5 خناجر وسيف ومبلغ مالي كبير، وقد قدرت قيمة المسروقات بحوالي 24,000 دولار أميركي، كما تم ضبط كمية من المواد المخدّرة. أوقف اثنان فيما ترك الباقون لقاء سندات إقامة بناء على اشارة القضاء المختص.

أرقام لا تعكس الواقع!

"ارتفع عدد الجرائم بشكل كبير جداً في لبنان، خاصة في السنوات التي تلت الانهيار الاقتصادي"، كما يؤكد صاحب صفحة "وينية الدولة" على وسائل التواصل الاجتماعي، المتخصصة بنشر الجرائم التي تقع على مختلف الأراضي اللبنانية.

ويشرح لموقع "الحرة" "استغل المجرمون ضعف السلطة. ومعظمهم من قطاع الطرق المدمنون على المخدرات وليسوا من الجائعين، حيث يقومون بالسرقات للتعاطي أو لتلبية احتياجاتهم بسبب عدم اعتيادهم على العمل وبسبب التراخي المتمادي من قبل الأجهزة الأمنية في تطبيق القانون".

كلام صاحب "وينية الدولة" تؤكده سناء الوالدة لشابين يتعاطيان المواد المخدرة، حيث تقول إنه سبق أن تم توقيف كل من ولديها على حدا بعد أن أقدما على سرقة دراجتين ناريتين.

تشدد سناء في حديث مع موقع "الحرة" على أن دافع السرقة كان الحصول على المال لشراء المخدرات، مشدّدة على أن "المخدرات باتت تباع بكميات قليلة تناسب أيّ مبلغ يملكه الشاب، حتى لو كان قليلاً جداً".

 

وتضيف أن "أوكار تجّار ومروّجي المخدرات في مخيم شاتيلا معروفة للجميع، لكن الأجهزة الأمنية لا تحرّك ساكناً، مما أدى إلى انتشار هذه الآفة بشكل مخيف بين الشباب، وتحويل حياتهم وعائلاتهم إلى جحيم حقيقي".

يقسّم صاحب صفحة "وينية الدولة" الجرائم في لبنان إلى قسمين: جرائم جنائية وأخرى ذات طابع سياسي.

فيما يتعلق بالجرائم الجنائية، يؤكد على أنه "لا تتم ملاحقة مرتكبيها بسبب نقص عديد القوى الأمنية إلى درجة أنه في بعض الأحيان لا يوجد أكثر من عنصرين في المخفر، مما يعني أن بإمكان مسلحَين فقط اقتحامه واحتلاله، إضافة إلى تساهل القضاة في الأحكام بذريعة الاكتظاظ في السجون اللبنانية، ما يسهل على المجرمين ارتكاب المزيد من الجرائم".

ويضيف "في القضايا الجنائية، تتزايد حالات السلب والنشل بشكل ملحوظ، حيث لا تقوم القوى الأمنية بمطاردة المرتكبين إلا في حال انتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي. إذ يُترك المجرمون يتجولون بحرية، وسط خشية العناصر الأمنية من التعرض للإصابة أثناء محاولة القبض عليهم لعدم كفاية الراتب الذي يتقاضونه لتغطية تكاليف علاجهم".

أما الجرائم ذات الطابع السياسي، فالمقصود بها وفقاً لما يقوله "الاشتباكات التي تقع لفرض نفوذ حزب أو مافيا على منطقة معينة، كالاشتباكات بين أصحاب المولدات، ففي هذه الحالات لا تتدخل القوى الأمنية بسبب تلقيها اتصالات مباشرة من سياسيين يعتبرون أفراد هذه العصابات أو المافيات أذرعهم على الأرض، لا بل على العكس تعمل على توقيف من يقومون بنشر مقاطع فيديو لهذه الإشكالات من باب التكتم على العصابات".

رغم العدد الكبير من الجرائم على اختلاف أنواعها التي يتم تداولها عبر مواقع التواصل الاجتماعي إلا أن إحصاءات قوى الأمن الداخلي تشير إلى انخفاض ملحوظ في عدد عمليات السلب والنشل، وارتفاع معدلات القتل خلال الفترة الأخيرة، وفقا للباحث في الدولية للمعلومات، محمد شمس الدين.

ويقول شمس الدين لموقع "الحرة"، "لو نظرنا إلى المؤشرات الأمنية في لبنان منذ بداية العام الحالي وحتى نهاية شهر آذار، وقارناها بنفس الفترة في العام الماضي، سنجد تحسناً ملحوظاً في هذا المؤشر. فقد شهدنا انخفاضاً في عدد حوادث سرقة السيارات من 285 سيارة إلى 179، أي بنسبة 60٪، وانخفاضاً في حوادث السرقة من 1042 إلى 889، أي بنسبة 17.2٪، وأيضاً انخفاضاً في حوادث النشل من 91 حالة إلى 69 حالة، بنسبة 32٪، أما جرائم القتل فشهدت ارتفاعا بنسبة 20٪".

ولكن "إذا نظرنا إلى السنوات التي تسبق الأزمة، أي 2018 و2017، سنجد أن عدد الجرائم لا يزال مرتفعاً بنسبة تتراوح بين 25٪ و50٪"

التراجع الذي شهدناه هذا العام مقارنة بالعام الماضي يعود إلى عدة أسباب، بحسب شمس الدين منها "تمكّن القوى الأمنية من كشف العديد من الشبكات الإجرامية وتفكيكها والقبض على عناصرها. كما أن المواطنين أصبحوا أكثر حذراً، وعلى سبيل المثال لا يفتحون أبواب منازلهم للغرباء، ويحرصون على إمساك حقائبهم بشكل جيد أثناء تجولهم في الشوارع، ولا يسلّمون مفاتيح مركباتهم إلا للثقات، أي أن كل مواطن أصبح خفيراً".

لكنّ هذه الإحصاءات لا تُعكس كما يقول صاحب "وينية الدولة" العدد الحقيقي للجرائم التي يتم ارتكابها، إذ أنّ الكثير من الضحايا لا يبلّغون عنها لقناعتهم بأن مصير شكواهم البقاء في الدرج".

مناطق خارج القانون!

أصبح طريق المطار، كما يقول صاحب "وينية الدولة" "مصيدة للضحايا، حيث يقوم شبان في العشرينات من العمر بسرقة المارة تحت تهديد السلاح، ورغم معرفة الأجهزة الأمنية بأسمائهم وأماكن سكنهم، إلا أنها لا تتحرك لاعتقالهم نتيجة عدم وجود قرار سياسي بهذا الشأن، ولعدم توفر القدرات الأمنية الكافية"

ويشدد على أنه "مناطق عدة تقع خارج سيطرة السلطة، يتطلب دخولها قراراً سياسياً. فبينما تفرض إجراءات أمنية مشددة في بيروت الإدارية، تغيب سيطرة الدولة عن باقي المناطق".

"ولا تغضّ الأجهزة الأمنية النظر عن الجرائم التي تقع في هذه المناطق فقط"، بل كما يقول "تقدم على توقيف من يقومون بنشر مقاطع فيديو تظهر إجرامهم".

صفحة "وينية الدولة" تعتبر ملجأً للمواطنين ومصدراً سريعاً لنشر الجرائم التي تحصل، حيث يلجؤون إليها بدلاً من المخافر الأمنية، كونهم يعتبرون بحسب ما يقوله صاحبها أن "وصول قضيتهم إلى الإعلام يضمن منحها حقها بشكل أكبر".

لكن مصدر في قوى الأمن الداخلي يشدد على "أن الجريمة ظاهرة عالمية تواجهها جميع المجتمعات، وأن التركيز الإعلامي عليها قد يُضخّم من عددها أحياناً".

ويؤكد المصدر الأمني لموقع "الحرة" على أن "القوى الأمنية تبذل جهوداً حثيثة لمكافحة الجريمة، وتساهم عمليات التوقيف المستمرة في حفظ الأمن"، لافتاً إلى تمكّن شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي قبل أيام من توقيف أربعة متورطين في عصابة خطيرة نفذت أكثر من 100 عملية سلب بقوة السلاح ونشل وسرقة دراجات، على أوتوستراد طريق المطار وصولاً الى الطّيونة ومن خلدة باتجاه غاليري سمعان مروراً بالشويفات، وقد صرّحوا جميعهم بتعاطي المخدّرات".

وضُبِط بحوزة أحدهم بندقيّة "كلاشينكوف" وقنبلة يدوية، وبحوزة آخر مسدس حربي وكمية من المخدرات ودراجة آليّة، بينما تم ضبط بندقيّة "بومب أكشن" تستخدم في عمليات السلب وكمية من المخدرات خلال تفتيش منزل الموقوف الثالث.

وعلى الرغم من نقص الموارد البشرية، يتمتع جهاز الأمن الداخلي بحسب المصدر "بحرفية عالية وإمكانيات متقدّمة تساعده على تحقيق أقصى استفادة من الموارد المتاحة لمكافحة الجريمة".

وعن انتشار الجرائم على طريق المطار يعلّق "لا يُعدّ هذا الطريق استثناء من حيث وقوع الجرائم، لكن التسليط الإعلامي عليه قد يخلق انطباعاً خاطئاً بارتفاع معدلات الجريمة فيه مقارنة بمناطق أخرى".

ويشدد المصدر الأمني على ضرورة مشاركة المجتمع في مكافحة الجريمة، وذلك من خلال، اتخاذ الحيطة والحذر واتباع خطوات السلامة الشخصية أثناء التنقلات.

الأمن الذاتي

الخوف من أن يصبحوا ضحية في مسلسل رعب حقيقي، دفع كثيرين إلى اللجوء إلى وسائل حماية ذاتية، منها ما هو قانوني كرذاذ الفلفل ومنها غير قانوني، كحمل السلاح.

تقول هناء إن الوضع الأمني المتفلت يجبرها على حمل رذاذ الفلفل في يدها خلال تجولها سيراً على الأقدام، كوسيلة حماية لنفسها في حال حاول أي أحد الاقتراب لسلبها أو سرقتها. وتشدد على أن الجرائم التي يتم نشرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي تثير الرعب في النفوس، وقد أصبح الأمن الذاتي ضرورة لكل لبناني.

وتضيف في حديث لموقع "الحرة" أن اجراءات عدة اتخذها عند خروجها من المنزل، منها "عدم فتح نوافذ السيارة، وعدم سلك الطرق الخطرة كطريق المطار ليلاً، وعدم التوقف لأي شخص يطلب المساعدة خشية من أن يكون لصاً، والامساك بحقيبتي بشكل جيد".

وقد اضطر البعض إلى حمل السلاح، كما يقول أدهم، الذي لم يكن يحمل مسدساً في السابق خوفاً من التورط بجريمة في لحظة غضب، ولكن الوضع الأمني المتردي وانتشار اللصوص دفعه لاتخاذ هذا القرار، مع التأكيد على حقه في الدفاع عن نفسه في حال تعرّضه لهجوم، مهما كانت التبعات.

ويشير في حديث مع موقع "الحرة" إلى أنه والد لطفلين، عليه حماية حياته من أجلهما، فلن يقف مكتوف اليدين، ويسمح للصوص ومتعاطي مخدرات بسلب روحه وترك ولديه يتيمين.

وسبق أن أفادت وكالة "أسوشيتد برس" عام 2021 بأن تجارة الأسلحة الفردية والصغيرة تزدهر جيدا في لبنان، من مسدسات إلى قذائف "آر بي جي" ما يعكس تزايد مخاوف اللبنانيين من تردي الأوضاع الأمنية.

ونقلت الوكالة عن موقع "مراقبة الأسلحة الصغيرة" السويسري، الناشط في مجال رصد ومكافحة انتشار الأسلحة الفردية على مستوى العالم أنه "توجد 31.9 قطعة سلاح فردي لكل 100 شخص في لبنان، مما يعني أن الرقم الإجمالي لقطع السلاح 1.927 مليون قطعة

لعدد السكان الذي يقدر بنحو 6.769 ملايين نسمة، ما يعني أن لبنان يحتل الترتيب الثاني عربيا بعد اليمن، والتاسع عالميا، في عدد قطع السلاح الفردي، ويتفوق حتى على العراق الغارق في فوضى أمنية وسياسية منذ 20 سنة".

وقبل أيام قرر عدد من شبان منطقة الطريق الجديدة في العاصمة، مواجهة انتشار المواد المخدرة وعمليات السرقة في حرج بيروت، فتوجهوا إلى هناك وقاموا بتوقيف وضرب شبان بحوزتهم مخدرات قبل إطلاق سراحهم.

تداعيات خطيرة

بالإضافة إلى تعاطي معظم المجرمين للمواد المخدرة، تربط مديرة جمعية "مفتاح الحياة"، الأخصائية النفسية والاجتماعية، لانا قصقص، التفلت الأمني في لبنان بالعديد من الأزمات المتراكمة التي يعاني منها البلد منذ سنوات، أبرزها، الأزمة الاقتصادية والمالية التي أدت إلى تدهور قيمة العملة المحلية، وتراجع القدرة الشرائية للمواطنين، وزيادة معدلات الفقر والبطالة، "ما دفع ببعض الأفراد إلى اللجوء إلى الجريمة كوسيلة للتغلب على الصعوبات المالية".

كما أن عدم الاستقرار السياسي وضعف البنية التحتية للأمن، يخلق بحسب ما تقوله لموقع "الحرة" "بيئة مواتية لارتكاب الجرائم، يساهم في ذلك انتشار السلاح غير الشرعي الذي يضفي شعوراً بالقوة لدى البعض، مما يدفعهم إلى ارتكاب الجرائم لتفريغ هذه القوة".

وتلخص قصقص التأثيرات السلبية للانفلات الأمني بـ"فقدان الشعور بالأمان والاستقرار، مما يؤدي إلى تراجع الاستثمار، ويفاقم الأزمة الاقتصادية، ويؤدي إلى تدهور الأوضاع الاجتماعية، وتراجع التماسك الاجتماعي".

أما أبرز تداعيات الجرائم على الضحايا بحسب قصقص فهي أنهم "يعيشون الصدمات، ويعيشون ذات الحالة مرة أخرى عند سماعهم عن تعرض غيرهم لذات الجريمة، وغالباً ما يجد هؤلاء الأشخاص أنفسهم بعيدين عن العدالة، مما يقلل ثقتهم أكثر وأكثر بالمنظومة الحاكمة والمجتمع، ويميلون إلى العزلة الاجتماعية، ومنهم من يفضل الهجرة من البلد أو يقرر أخذ حقه بيده، وهو ما يسهم في انتشار الجريمة وتدهور الأمن بشكل متزايد".

ساهمت صفحة "وينية الدولة" في توقيف العديد من المجرمين، وتم إرسال عدد كبير منهم إلى السجن نتيجة نشر جرائمهم وفضحهم بالأسماء.

ويتلقى صاحب الصفحة تهديدات من جميع الأطراف، منها بالقتل من قبل المجرمين الذين ينشر صورهم، "حيث يشعرون بالغضب من كشف هويتهم وتعريضهم للملاحقة القانونية" بحسب قوله.

كما يتلقى تهديدات من قبل الأجهزة الأمنية كما يقول كونها "تعتبر أنني أشهّر بها، وأقوم بعملها، وأن نشري عن الجرائم وصور المجرمين انتقاداً ضمنياً لتقاعسها عن القيام بواجبها، وقد واجهت مضايقات من قبلها وتمت مداهمة منزلي، وصدرت بحقي أحكام قضائية قاسية بسبب نشاطي".

ويشدد على أن "لبنان، بلد صغير من حيث المساحة وعدد سكانه ليس بالكبير. مجتمعه عشائري، حيث يعرف سكانه بعضهم البعض، وتشكل العلاقات الاجتماعية جزءاً أساسياً من حياتهم. وبالتالي، يكون المجرمون معروفين بالأسماء والصور، وعند وقوع أي جريمة، يتم

التعرف على مرتكبها بسرعة. ونتيجة لذلك، لا تعتبر مهمة ضبط الأمن في لبنان صعبة، بل تتطلب فقط إرادة سياسية قبل الأمنية لتوقيف الجناة".

ويختم بالقول "ما دامت الطبقة السياسية كما هي، وما دام هناك تدخلات سياسية مباشرة في العمل القضائي والأمني، فلن يتم اتخاذ أي إجراء جذري لضبط الأمن وبناء دولة متطورة ومتقدمة".