العونيّون يموّلون انتخاباتهم بدولارات "العدّاد الذكي".. والدولة ستدفع

كتب خضر حسان في المدن:

طُرِحَ مشروع العدادات الذكية في إطار تحسين خدمة الكهرباء وتنظيمها، ومنع التعديات ووقف الهدر. فالعدادات "ذكية" كما يدلّ الوصف، لأنها ترسل إشارة إلى مركز التحكّم الرئيسي المفترض وجوده في مؤسسة كهرباء لبنان، تفيد بأن خطباً ما أصاب العدّاد. والخطب قد يكون عطلاً أو محاولة اختراق لتعطيله واستهلاك الكهرباء من دون تسجيلها على العدّاد.
باشرت المؤسسة عبر شركات مقدّمي الخدمات تركيب العدادات في المناطق، لكنها لم تستكمل المشروع لأسباب كثيرة، أبرزها انكشاف الصفقة المرتبطة بالمشروع. واليوم تُعيد وزارة الطاقة تعويم المشروع في ذروة فقدان الدولارات وغياب التغذية ومركز التحكّم، وبذلك تصبح العدّادات "غبية". فلماذا الإصرار على المشروع؟

إيقاظ المشروع
كان من المفترض إنجاز عملية استبدال العدّادات القديمة بالجديدة الذكية، بين العامين 2012 و2016. لكن التجاذبات السياسية والعراقيل التقنية أخّرت إنجاز المشروع، ليمرّ بعدّة مراحل شهدت إعادة إطلاق، أبرزها في العام 2015 ثم في آذار 2019. وفي المرة الأخيرة، وَعَدَ المدير العام لمؤسسة كهرباء لبنان كمال حايك بسير المشروع "بخطوات ثابتة نحو التنفيذ الكامل المتوقّع نهاية العام 2021".

في شهر آب 2019 بدأت بوادر الأزمة الاقتصادية والنقدية بالظهور، لتنفجر في تشرين الأول 2019 وترفع الدولة تباعاً يدها، معلنة عدم قدرتها على تأمين أي أكلاف بالعملة الأجنبية. فيما مؤسسة كهرباء لبنان تعاني شح الموارد قبل الأزمة. فهي التي تعيش على سلف الخزينة لتأمين الفيول لمعامل الإنتاج.
نام مشروع العدادات الذكية. أعاد وزير الطاقة وليد فيّاض إيقاظه من ضمن خطة جديدة للنهوض بالقطاع على وقع مطالبة البنك الدولي بتحسين القطاع ورفع الكلفة. ومن المفترض بالعداد الذكي أن يساهم بالتحسين من خلال كشف الهدر والتلاعب وضبط الاستهلاك وإرسال قراءة فورية لحجم الاستهلاك، ما يسمح بتنظيم الفواتير بصورة آلية ودقيقة.

غياب التمويل
تنفيذ المرحلة المتبقية من المشروع تحتاج إلى نحو 200 مليون دولار. وبلغة المال المتّبعة في لبنان حالياً، الدولارات مطلوبة طازجة (فريش). ويُفتَرَض بمؤسسة كهرباء لبنان دفعها على أن تستردّ الكلفة "من خلال تخفيض الهدر غير الفني على الشبكة"، برأي حايك الذي لم يكن مقتنعاً بالمشروع في العام 2015، خصوصاً بعد توصيات لجنة إدارة مشروع مقدمي الخدمات بعدم جدواه.

وبعيداً من التوصيات والآراء. فإن استكمال المشروع يحتاج إلى أموال غير متوفّرة لدى المؤسسة. ستطلبها بطريقة ما من خزينة الدولة أو بقرض خارجي. على أن مهلة التنفيذ تتراوح بين 6 أشهر وسنة.
يصرّ وزير الطاقة على المشروع في ظل الضائقة المالية. وتحيل مصادر في مؤسسة كهرباء لبنان هذا الإصرار، إلى "بحث الفريق العوني عن مصادر لتمويل حملته الانتخابية. وهو ما يبرر إحياء المشروع قُبَيلَ الانتخابات. خصوصاً وأن المبلغ المطلوب بالدولار الفريش، والقيمة التي يمكن الاستفادة منها باتت مؤثّرة في الشارع بفعل ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة".
تستند المصادر في حديث لـ"المدن"، إلى أن استكمال المشروع "يتم بشكل جزئي عبر تركيب العدادات من دون الأجزاء الأخرى، وأهمّها مركز التحكّم المركزي الذي يتحكّم بالعدادات ويقرأ إشاراتها وتتحرك وفقها فرق المؤسسة للتحقّق من أي خلل. والمركز غير موجود، فلماذا الإصرار على تركيب عدادات من دون رأسٍ يديرها؟".
علامات الاستفهام تزداد مع معرفة أن المؤسسة عبر مقدّمي الخدمات، ومن خلفهما وزارة الطاقة، تقوم بـ"تغيير الإطار البلاستيكي (التابلو) للعدادات القديمة الموجودة لدى المواطنين حالياً، بحجة أن تركيب العداد الذكي يحتاج إلى إطار جديد. علماً أن الإطار واحد ويمكنه احتواء العداد الجديد. لكن تتّضح الصورة عندما نعرف أن الإطار القديم ثمنه نحو 40 دولاراً (كانت تساوي 60 ألف ليرة) فيما يتم اليوم تركيب إطار جديد ثمنه 10 دولار، ويُفَوتَر بـ40 دولاراً، يجدر بالمؤسسة دفعها". وتضيف المصادر أن "عمليات تجربة العدادات كانت تتم باستعمال الإطارات القديمة التي بحوزة المواطنين".

عدّاد غبي
العداد الموصوف بالذكي يصبح كذلك في حال تشغيله ضمن نظام متكامل، يلعب فيه هو دور العين ويلعب مركز التحكّم دور الدماغ. وبغياب الدماغ يصبح العداد غبياً، يقرأ أرقام الاستهلاك لكنه لا يفهمها إذ لا يحيلها إلى أي مكان. وهو بهذه الحالة كالعداد الموجود في المنازل.

وعليه، "قبل تركيب العدادات الجديدة، يجب إنجاز مركز التحكّم. وقبل ذلك، لا مبرّر للعدادات. وتزداد المؤشرات على عدم حاجتها الملحّة، في ظل انقطاع الكهرباء. فهل ستتكبّد المؤسسة والدولة تكاليف دولارية لقراءة استهلاك نحو ساعة أو ساعتين للكهرباء يومياً، ومن دون مركز تحكّم؟ أي سينتظر المواطن مرور موظّفي مقدمي الخدمات لتسجيل القراءة وانتظار الفوترة. أي استمرار النهج الحالي".

لا مبرّر لصرف 200 مليون دولار واستغلال تغيير إطارات العدادات القديمة سوى تمرير صفقة "تستفيد منها إحدى شركات مقدمي الخدمات المحسوبة على الفريق العوني"، حسب المصادر. ولأننا على أبواب الانتخابات، تزداد قوّة الدولار وتأثيره على الأصوات.