الكرتون اللبناني في مهبّ الإغراق: السوق تضيق… والكلفة ترتفع

في محاولة منهم لإنقاذ ما تبقى من الصناعة الوطنية، وتحديداً صناعة الكرتون، صعّد صناع الكرتون في لبنان من تحركاتهم ومطالبهم. وهذه المرة، ناشد الصناعيون الحكومة التدخل لحماية إنتاجهم، بعدما تسببت سياسة الاستيراد بخسائر تطال مؤسساتهم. 

فعلى رغم  تفاقم الانهيار الاقتصادي، وتراجع القدرة الإنتاجية للمصانع المحلية، إلا أن قطاع صناعة الكرتون يواجه أزمة جديدة تتعلق بإغراق البلاد بالمنتجات الكرتونية المستوردة. فقد طالب أصحاب معامل الكرتون وزير الاقتصاد بالتدخل لوقف إجازات استيراد الكرتون المصنع، التي تسمح بدخول مئات الأطنان منه يومياً عبر مختلف المعابر البرية، الأمر الذي يلحق الضرر الفادح بالمعامل والاقتصاد اللبناني، ويهدد بتشريد 4000 عائلة تعيش على هذا القطاع الصناعي الانتاجي.

حجم السوق  لصالح من؟

تظهر بيانات سابقة من الجمارك اللبنانية أن لبنان استورد 470 طناً في العام 2019، وارتفع الحجم إلى 1380 طناً تقريباً في العام 2022 ومن ثم 1062 طناً في العام 2023.

فيما تظهر بيانات  WITS"حلول التجارة المتكاملة العالمية" الذي يديره البنك الدولي، أنه في العام 2021، استورد لبنان ما يقارب 1098 طناً بسعر يصل إلى 2.118 مليون دولار، وبالتالي فإن الاستيراد السنوي، لا يتعدى حاجز الـ 1000 طن.

في المقابل، أفادت منظمة الأغذية والزراعة في العام 2019، إن إنتاج لبنان من الأوراق والكرتون بلغ نحو 36 ألف طن، فيما أشارت تقارير أخرى إلى أن لبنان صدّر في العام 2021 نحو 21.300 طناً، ما يعني أن حجم الإنتاج اعلى من حجم الاستيراد، فأين هي المشكلة؟

يظهر بالفعل أن حجم الاستيراد السنوي بسيط مقارنة مع الإنتاج المحلي وآليات التصدير. لكن المشكلة التي يشتكي منها أصحاب المصانع ليست فقط في كمية الاستيراد التي زادت في العامين الماضيين وأغرقت الأسواق، بل هي أيضاً مرتبطة بعدة عوامل، بحسب ما يؤكده مروان إبراهيم أحد العاملين في مجال صناعة الكرتون والأوراق لـ "المدن". 

ويعتبر أن إغراق السوق في العامين الماضيين، أدى إلى زيادة الأعباء على أصحاب المصانع، وأجبر العديد منهم على خفض إنتاجهم. كما أن المنافسة بالأسعار تؤدي إلى تضرر أصحاب المعامل والمصانع، فأسعار السلع المستوردة من بعض الدول أقل من سعر التكلفة في لبنان. ولذا فإن المشكلة تكمن في فرق السعر ما بين السلع المستوردة، والمنتجة محلياً، والشركات المستوردة تبيع بأسعار أقل من التكلفة المحلية. وهذا الضغط السعري يؤدي إلى خفض هامش الربح للمصانع المحلية، ويجعل بعض المنتجات غير قابلة للتسويق. وبحسب تقديرات إبراهيم، فإن سعر الطن المستورد أرخص من المحلي بما بين 200 إلى 300 دولار. 

تلعب أسعار الطاقة الدور المحوري في رفع الأسعار، مقارنة مع دول الجوار، سوريا، تركيا، مصر. فالمصنّع المحلي يسدد ما بين 20  و30 في المئة من كلفة الإنتاج على بند الطاقة، نتيجة استخدام وسائل مختلفة، وغياب الدعم الحكومي.

الحل في وقف الاستيراد؟

يطالب أصحاب المصانع وعمال الكرتون بوقف آليات الاستيراد، إذ رفعوا كتاب استغاثة إلى وزارة الاقتصاد، اكدوا فيه أن الاستمرار في إصدار اجازات الاستيراد للكرتون المصنّع يشكل كارثة على القطاع الصناعي اللبناني، ويضع الإنتاج اللبناني في مهب الريح. 

مطالبهم هذه، تطرح علامات استفهام عديدة، حول تحديد نطاق الأسعار في حال تم وقف الإستيراد. فكيف سيتم تحديد هامش الأرباح في ظل غياب المنافسة الأجنبية؟ ومن يضبط آلية العمل في القطاع؟ والأهم كيف ستتم حماية حقوق المستهلك؟

يقول رئيس جمعية الصناعيين سليم الزعني لـ"المدن": من حيث المبدأ، لا أؤيد فكرة توقف الاستيراد بشكل مطلق، ولكن أعتقد أن من الضروري وضع آليات وشروط واضحة حول ذلك. وطالب بتخفيف الأعباء عن الصناعيين اللبنانيين، سواء في ما يتعلق بتكاليف الإنتاج التي أصبحت مرتفعة بسبب أسعار الكهرباء، أو  الرسوم الجمركية على المواد الأساسية.

ووفق الزعني، عند استيراد المواد الخام، يدفع المصنعون رسوماً مرتفعة، بينما يتكبّدون في المقابل عند تصدير منتجاتهم  تكاليف إضافية، تجعل سعر كل حاوية من المواد المستوردة من بين الأغلى عالمياً.

ويرى أن اغراق السوق بالمنتجات المستوردة المنخفضة السعر، المدعومة عادة من حكومات الدول المصدرة، أو حتى البضائع ذات الجودة المتوسطة أو الخفيفة، تهدد فعلياً الإنتاج المحلي، وتدفع أصحاب المعامل والصناعيين إلى تكبد خسائر، للحفاظ على جودة بضائعهم وتصريفها في السوق.

تحركات الوزارة

تصطدم تحركات أصحاب المعامل والصناعيين بعقبات قانونية عديدة. فمن جهة، لا يمكن لوزير الاقتصاد منفرداً اتخاذ أي خطوات لوقف الاستيراد، لأسباب عديدة، منها ما يتعلق باتفاقيات موقعة بين لبنان ودول أخرى تحدد نطاق التصدير والاستيراد،  ومن ناحية أخرى، يحتاج قرار وقف التصدير موافقة الحكومة، إذ لا يملك الوزير أي صلاحية منفرداً لوقف الاستيراد.

وبالتالي في ظل ضعف قدرة الوزارة على معالجة مطالب أصحاب المصانع قانونياً، يبقى السؤال إن كان بإمكان الحكومة فعلياً، مساندة الصناعيين عبر تقديم تسهيلات مختلفة، في مقدمتها، دعم الطاقة.