المصدر: نداء الوطن
الكاتب: ماريانا الخوري
الثلاثاء 9 كانون الاول 2025 07:20:43
الحياة في الجامعة اللبنانية - فرع الحدث، حدّث ولا حرج. فمنذ سنوات طويلة، وحتى اليوم، لم يتغيّر شيء في هذا الفرع الأكبر للجامعة اللبنانية، سوى أمر واحد: موازين القوى داخل الحرم. ففي الماضي، كان طلاب "حزب الله" و"حركة أمل" يميلون إلى الظهور بمظهر "المسالمة"، وأحيانًا كثيرة كانت تندلع مشاكل كبيرة بينهم داخل الحرم أو في محيط الصفوف. أمّا اليوم، فقد تغيّر المشهد كليًا. باتت جماعة حركة "أمل" هي المسيطرة بشكل شبه مطلق، وبتنسيق كامل مع "حزب الله" الذي يوفر الغطاء والحماية في مختلف الممرّات والنقاط الحسّاسة.
هذا التحوّل لم يأتِ فقط بتغيير قواعد اللعبة داخل الجامعة، بل بفرض نمط حياة جديد على الطلاب، يقوم على الترهيب، والتدخل بالسلوك الشخصي، وفرض الطقوس الدينية والحزبية بالقوة، ومنع أي مظهر ديني آخر، سواء كان مسيحيًا أو درزيًا أو حتى سنيًا، في مكان يفترض أن يكون مساحة أكاديمية مفتوحة لكل اللبنانيين، تجمعهم الثقافة قبل الانتماء، والعلم قبل العصبيات. لكن هناك أشخاصًا مهما تعلّموا يبقون جاهلين.
طقوس مفروضة…
منذ سنوات، يتحدث الطلاب عن إجراءات غير مسبوقة تتخذها مجموعات حزبية داخل الحرم، لكنها بلغت ذروتها مؤخرًا، خصوصًا في المناسبات الدينية الخاصة بجماعة "الثنائي". ففي أيام عاشوراء، لا يُسمح لأي طالب أو طالبة بالدخول إلى الجامعة بملابس غير سوداء. والتي تخالف، تُرَدّ إلى منزلها لتغيير ملابسها. أما الشباب، فقد يتعرّضون للضرب أو الإهانة. أحد الطلاب يصفها بـ"الكفين من نصيبه" إذا تجرّأ وارتدى لونًا غير مرغوب.
القصة تتكرر سنويًا، لكن حدّتها زادت، وأصبحت جزءًا من يوميات الطلاب. شعارات حزبية ودينية معلّقة في الممرّات، أناشيد تُبَث بصوت مرتفع، مجموعات تجوب الحرم لتفقد اللباس، وأخرى تمنع أي نشاط أو حضور ديني آخر. الطلاب المسيحيون يؤكدون أنهم يُمنعون من ممارسة أي شعائر، حتى الرموز الدينية البسيطة تُستفز منها بعض المجموعات. الأمر نفسه يطال الطلاب الدروز والسنة، في مشهد لا يشبه أي جامعة من المفترض أن تكون مساحة للحرية والمعرفة.
وتروي إحدى الطالبات لـ "نداء الوطن" حادثة حديثة لا تزال تؤثر عليها حتى اليوم. تقول: "وصلت إلى باب الجامعة من جهة فان رقم 4، كنتُ أرتدي فستانًا عاديًا، أوقفني أحد الأشخاص المعروفين هناك، ح.ز، وقال لي: "بهذا اللباس لن تدخلي الجامعة، إذهبي وبدّلي ملابسك، لم يكن أمامي أي خيار سوى العودة إلى المنزل وتغيير ملابسي".
هذه الحادثة ليست معزولة. عشرات الطلاب يروون قصصًا مشابهة، لكن معظمهم يفضلون الصمت خوفاً من الانتقام. فالشخص ذاته ح.ز، كما يروي طلاب كثر، يُعرف بأسلوبه الفوقي، ويملك صلاحيات غير رسمية داخل الحرم، تسمح له بمنع، وتهديد، وحتى التدخل بمسار الامتحانات والنجاح.
فان رقم 4
ولعلّ الحديث عن "فان رقم 4" يفتح بابًا أكبر وأعمق لفهم طريقة السيطرة داخل الجامعة. فهذا الفان يقع عند المدخل الأساسي للجامعة من جهة الليلكي، ويُعتبر النقطة الأكثر خطورة وتأثيرًا. السائقون هناك ليسوا مجرد عمال نقل طلابي. هم إمّا ينتمون إلى البيئة الحاضنة لـ "الثنائي"، أو مقرّبون جدًا منها. وغالبيتهم إما مطلوبون، أو لديهم مشاكل نفسية، أو يمارسون دورًا أمنيًا مقنّعًا.
هذا الموقف موجود لضبط المجال الأمني من هذا الاتجاه. وصول سيارات غير مألوفة، ظهور أشخاص غريبين، أو تحركات طلابية غير مرغوب بها… كلها أمور تخضع لمراقبة دقيقة من هذه النقطة تحديدًا. ومن المستحيل أن يعمل في هذا الموقف سائق غير تابع للجماعة لحماية نفوذ "الثنائي" داخل الحرم.
تراجع عدد المسيحيين
المشكلة ليست جديدة، لكنها ازدادت حدّة. فالطلاب المسيحيون يؤكدون أن وجودهم داخل فرع الحدث تقلّص بشكل كبير خلال السنوات الماضية، بسبب التضييق، وشعورهم الدائم بأنهم من "خارج البيئة". إحدى الطالبات، وهي من الطائفة المسيحية، تروي حادثة صادمة وقعت معها خلال امتحانات الفصل الأول. تقول: "كنت أدرس لامتحاناتي، وجاء أحد مسأولي "حزب الله" في الجامعة، وقال لي: "من كل عقلك تنجحي"؟ أجبته: طبعًا، لقد درست جيدًا. فقال لي: "لأخبرك شيئًا… هناك عدد معيّن للنجاح، وطبعًا لن نفضلك على زهراء وزينب".
تضيف الطالبة أنها شعرت بالإهانة والغضب، ولم تتمكّن من متابعة الدراسة. "كبّيت الأوراق من يدي وفلّيت من الجامعة… وخسرت سنتي".
هذه الحادثة تكررت بشكل أو بآخر مع غيرها من الطلاب. البعض يتحدث عن "لوائح نجاح" معدّة مسبقًا، تشمل الطلاب المحسوبين على "الثنائي"، بينما يتعرّض الآخرون للتضييق في الامتحانات أو التصحيح أو الحضور.
نجاح محصور بفئة واحدة
الحديث عن الامتحانات داخل الجامعة اللبنانية - فرع الحدث، يفتح ملفًا أكبر. طلاب كثر يؤكدون أن الامتحانات تُسرَّب قبل موعدها إلى المقرّبين من "الثنائي"، سواء عبر مجموعات خاصة أو عبر أشخاص نافذين داخل الأقسام. وبعض الأساتذة، كما يروي الطلاب، يخضعون لضغط مباشر لإمرار علامات معينة أو غض النظر عن غياب البعض أو ضعفهم، شرط أن يكونوا محسوبين على الجهة الصحيحة.
أما الآخرون، فتُعقد لهم الأسئلة، وتُشدد المراقبة، ويُحرمون من فرص نجاح متساوية. النتيجة: نظام تعليمي غير عادل، يُعطي الأفضلية للانتماء على حساب المجهود، ويجعل الطلاب يعيشون في خوف دائم من خسارة مستقبلهم الجامعي، فقط لأنهم لا ينتمون إلى الجهة المسيطرة.
جامعة أم منطقة أمنية؟
ما يحدث اليوم في الجامعة اللبنانية - فرع الحدث، لم يعد مجرد مشاكل طلابية عابرة. هو واقع كامل، منظومة متكاملة من السيطرة الأمنية - الحزبية، التي حوّلت الجامعة إلى ساحة نفوذ، تُفرض فيها الطقوس، وتُقيَّد الحريات، ويُمنع الاختلاف، وتُهدَّد حياة الطلاب الأكاديمية وحتى الشخصية.
طلاب كثر تركوا الفرع وانتقلوا إلى جامعات أخرى. آخرون تأقلموا مع الوضع خوفًا من فقدان مستقبلهم. أما القسم الأكبر، فيشعر أنه يعيش في جامعة لا تشبه لبنان، ولا تشبه التعليم، ولا تشبه أي نموذج أكاديمي طبيعي.
فالجامعة الرسمية، التي وُجدت لتكون صرحًا لكل اللبنانيين، باتت اليوم تعكس صورة الانهيار الأكبر: انهيار الدولة، وانهيار المؤسسات، وسيطرة السلاح على العلم، والجهل على المعرفة.