الليرة الذهب فُقدت من السوق

لن يكون سعر أونصة الذهب عند قراءة هذه السطور كما هو عند كتابتها. فسعر الذهب لم يستقر لحظة على شاشات البورصات العالمية منذ أسابيع، فكيف له أن يستقر في السوق السوداء اللبنانية. يبلغ السعر الرسمي لأونصة الذهب في العالم في هذه اللحظة 4335 دولار في حين قفز سعرها في لبنان فوق 4500 دولار وسط تفاوت لافت بالأسعار بين التجار وباختلاف توقيت الاستلام.

تفاوت أسعار الأونصة

لم يسبق للبنان أن مرّ بمثل ما يمرّ به اليوم. فورة شراء للذهب، سوق سوداء، تفاوت في الأسعار، احتكار، وفقدان بعض المصنوعات الذهبية من الأسواق. حالة تعيدنا بالذاكرة إلى أزمات معيشية تهافت خلالها اللبنانيون على البنزين والأدوية والخبز وسواها، لكن الحال اليوم مختلف تماماً. فالتهافت يجري على الذهب، المعدن النفيس والأكثر أماناً على الإطلاق.

تتفاوت أسعار أونصة الذهب بين التجار في السوق اللبنانية وتزيد جميعها عن السعر العالمي بشكل لافت. ففي حين كان سعر الأونصة السويسرية في لبنان يزيد عن سعرها في العالم بنحو 40 دولاراً فقط قبل فورة الذهب الأخيرة، فإنه اليوم يزيد عن السعر العالمي بين 100 و150 دولاراً وأحياناً بفارق 200 دولار. وهذا يعني أن سعر أونصة الذهب العالمي يبلغ 4335 دولاراً (السعر معرض للتغيير)وهي تُباع في السوق اللبنانية بمحيط 4500 دولار.

 

على خط بيروت اسطنبول

ومع فورة الذهب عالمياً واتساع السوق السوداء في لبنان، بدأت تتكشّف ظواهر احتكار الذهب بجميع أوزانه. ولا يشبه احتكار الذهب احتكار أي منتجات أخرى، ففي حالة المعدن النفيس ينتظر التجار إما ارتفاع السعر أو شح الأونصات من السوق ليفرجوا عنها من خزائنهم وبيعها بأسعار مرتفعة تتفاوت بحسب حاجة الشاري وعدد الأونصات المطلوبة وتوقيت استلامها. فالذهب الذي يتم تسليمه فوراً يرتفع سعره عن ذلك الذي يتم تسديد ثمنه بالكامل قبل استلامه بعد شهر أو شهرين لدى غالبية التجار.

وتوازياً مع احتكار الذهب في السوق اللبنانية اتسعت ظاهرة تهريبه إلى تركيا بحيث يقوم عدد من تجار الذهب بالسفر بشكل شبه يومي إلى تركيا لبيع الأونصات في السوق السوداء حيث يرتفع سعر الأونصة عن مثيلتها في لبنان بين 300 و400 دولار

وقد يعتبر البعض أن إخراج الذهب إلى تركيا بالأمر القانوني في حال كان مصدر الأونصات شرعياً وموثقاً بفواتيرها غير أن الأمر يتجاوز اليعد القانونية إلى التهريب. فالمواطن اللبناني لا يحق له إخراج الذهب من لبنان إلا بكميات محددة لا تزيد قيمتها عن 15 ألف دولار. أما ما يقوم به التجار مؤخراً فهو تهريب الذهب لبيعه في السوق السوداء في تركيا لتحقيق أكبر معدل ممكن من الأرباح.

ويتخوّف البعض من أن تدفع موجة ادخار الذهب إلى أزمة سيولة في السوق اللبنانية، إذ تُسحب كميات كبيرة من الدولارات والليرات من التداول لتتحول إلى ذهب في الخزنات المنزلية، ما يمكن أن يحدّ من السيولة والحركة النقدية ويزيد الضغط على سعر الصرف.

 

فقدان ليرات الذهب

وإذا كانت أونصات الذهب (وزن 31.1 غراماً) شحّت في السوق اللبنانية، فإن الليرات (وزن 8 غرامات) باتت شبه مفقودة لدى تجار المجوهرات. ويعلن بعضهم جهاراً أن الليرات فُقدت من السوق في حين لا يزال الطلب عليها عالياً جداً.

ويقول عدد من تجار المجوهرات إن ظاهرة بيع الذهب التي كانت مقبولة مع بداية فورة الذهب الأخيرة، اختفت في الأيام القليلة الماضية، وبات من النادر أن يتم بيع الذهب غير المشغول، أي الأونصات والليرات في حين يتّجه الزبائن إلى الطلب فقط.

أما بيع الذهب المشغول، فقد تزايد في الآونة الأخيرة، ما يعكس محاولة لاستغلال ارتفاع أسعار الذهب ولتحقيق بعض المكاسب من بيعه لسد حاجات معينة.

 

من يشتري الذهب؟

وإذا كان تجار المجوهرات ينشطون على خط شراء الذهب وبعضهم على خط احتكاره وتهريبه إلى تركيا ويحققون ملايين الدولارات من تجارته في أكثر مراحل سوق الذهب نشاطاً عبر تاريخه، فإن المواطنين محدودي الدخل وحتى الفقراء منهم ينشطون في شراء الذهب بأوزان صغيرة تبدأ من الأونصة نزولاً إلى نصف أونصة أو ليرة أونصف ليرة أوربع ليرة وحتى غرام واحد

في المقابل، يؤمّن بعض التجّار مختلف الأوزان من الذهب، وقد شهدت المرحلة الأخيرة نشاطاً ملحوظاً في بيعها، خصوصاً من قبل ذوي الدخل المحدود والموظفين الذين يسعون إلى الادخار بمبالغ متواضعة، على أمل الاستفادة من موجة ارتفاع أسعار الذهب عالمياً لتحقيق بعض الأرباح.

والمفارقة أن السوق اللبناني يشهد اليوم على معاناة المواطنين من غلاء المعيشة وفقدان أبسط مقومات العيش، في مقابل التهافت على شراء الذهب. قد تُترجم هذه الظاهرة كمحاولة دفاعية في مواجهة الانهيار، إذ بات غرام واحد من الذهب بمثابة ادخار مقبول لمحدودي الدخل لأي طارئ.