"المبادرة العربية" مع النظام السوري.. هل انتهت؟

بينما يواصل الأردن خوض "حربه" ضد مهربي المخدرات والأسلحة على طول حدوده الشمالية مع سوريا تتقدم المملكة العربية السعودية بخطوات إيجابية للأمام على صعيد علاقتها مع النظام السوري، ما يطلق تساؤلات تتعلق بـ"المشروع العربي" والآثار التي قد يعكسها مسار العلاقات الثنائية على ما تم اتخاذه جماعيا تحت اسم "المبادرة".

وتعتبر قضية تهريب المخدرات باتجاه الأردن واحدة من بين 3 قضايا وضعتها الدول العربية، على رأسها السعودية والأردن ومصر كالتزامات ينبغي على النظام حلّها وتقديم ضمانات بشأنها مقابل إعادة تأهيله عربيا ودوليا، وضمن آلية عرفت بـ"سياسة خطوة مقابل خطوة".

لكن وعلى الرغم من إعادة دمشق لمقعد سوريا في الجامعة العربية وما تبع ذلك من لقاءات وأبواب فتحت أمام المسؤولين السوريين لم يترجم النظام السوري أي بادرة إيجابية على الأرض، إن كان بشأن ملف المخدرات أو عودة اللاجئين، ومن ثم دفع عملية كتابة الدستور وصولا إلى حل سياسي، يتماهى مع قرار مجلس الأمن 2254.

وبعدما فتح النظام السوري مبنى سفارته في الرياض، ديسمبر العام الماضي، وسارع إلى تعيين مساعد وزير خارجيته، أيمن سوسان سفيرا أعلن يوم أمس الأربعاء أنه استعاد إدارة ملف الحج، بعدما كانت الرياض قد منحته للجنة تتبع للمعارضة السورية، ومنذ عام 2012.

وجاءت هذه الخطوات السعودية الثلاث من فتح السفارة إلى تعيين سفير ومن ثم تسليم إدارة الملف لوزارة الأوقاف السورية ضمن خطوات ثنائية، دون أن تكون جزءا مما نصت عليه "المبادرة" والتي حملت نفسا جماعيا، وفق ما يقول مراقبون تحدث إليهم موقع "الحرة".

هل انتهت "المبادرة"؟

وكان آخر اجتماع للجنة الاتصال العربية، والتي تم تشكيلها بعد عودة سوريا إلى الجامعة انعقد في شهر أغسطس 2023.

ونصت مخرجاته على عدة بنود لم تخرج عن إطار القضايا الثلاث (المخدرات، اللاجئين، الحل السياسي ومسار اللجنة الدستورية".

ومنذ تلك الفترة لم يطرأ أي جديد على صعيد "المبادرة العربية" مع النظام السوري، على عكس ما تم الإعلان عنه بشكل ثنائي، وخاصة بين الرياض ودمشق.

ويعتقد وزير الإعلام الأردني الأسبق، سميح المعايطة أن "المشروع العربي" الذي يعرف أيضا بـ"المبادرة" القائمة على "خطوة مقابل خطوة" انتهى، دون أن يكون ذلك مرتبطا أو مؤثرا على مسار العلاقات الثنائية.

ويشير إلى أن المسار الثنائي بين العواصم العربية ودمشق كان موجودا قبل "خطوة مقابل خطوة"، وما يؤكد على ذلك ما شهدته العلاقة بين عمّان ودمشق وبين دمشق وأبوظبي بسنوات سابقة.

ويقول المعايطة لموقع "الحرة": "المبادرة كانت مشروعا لإعادة تأهيل سوريا دوليا بمعنى إيجاد حل سياسي للأزمة وفتح أبواب سوريا مع المجتمع الدولي".

وكان للمجتمع الدولي عدة متطلبات، منها ملف المفقودين وقضايا حقوق الإنسان والانتخابات والدستور، ولم يحقق النظام السوري منها شيئا، ما أسفر عن إغلاق أبواب "المشروع العربي"، وفق الوزير الأسبق. 

ولا يتفق الباحث السوري في مركز "جسور للدراسات"، عبد الوهاب عاصي مع الفكرة المتعلقة بأن مشروع "خطوة مقابل خطوة" كان لتأهيل النظام دوليا، وأنه كان بعيدا عن طبيعة العلاقة الثنائية لكل دولة على حدى.

ويوضح الباحث لموقع "الحرة" أن "مسار المبادرة لم يكن يريد تفضيل العلاقات الثنائية على العربية، بينما النظام السوري يريد حصر الاستجابة من قبله للنهج بهذا الشكل".

عاصي يشير إلى أن "سلوك النظام وبشكل فعلي يشير إلى أنه يُقدّم التعاون الثنائي مع الدول العربية على الاستجابة بشكل جماعي لها".

ويوضح أن ذلك يرتبط بمسعى منه "لكي لا يترتب عليه مسؤوليات والتزامات تؤدي بالنهاية لتقويض مسار التطبيع العربي ومساعيه لفك العزلة العربية ثم الدولية عنه".

"مبادرة غير كاملة"

ولا توجد حتى الآن أي حلول لحل إشكالية تهريب المخدرات التي يعاني منها الأردن.

وعلى العكس بدأت تتصاعد حدتها ما دفع الجيش الأردني لتنفيذ 3 ضربات جوية خلال الأسبوعين الماضيين، وقالت مصادر استخبارتية لوكالة رويترز إنها استهدفت "مخابئ تخزين لوكلاء إيران".

وكذلك الأمر بالنسبة لقضية اللاجئين، والتي لم يستجد فيها أي تطور إن كان بالنسبة للموجودين في الأردن أو لبنان.

وفي غضون ذلك ما تزال جولات اللجنة الدستورية السورية معلّقة دون أي جديد، وعلى الرغم من أن الاجتماع الأخير للجنة الاتصال العربية حدد مكان انعقادها جولتها التاسعة في سلطنة عمان.

ويوضح الأستاذ في العلاقات الدولية والسياسة الخارجية، خالد العزي أن المبادرة العربية بشأن سوريا "لم تكن في الأساس كاملة ولم يكن لها أي آليات للبدء بالتنفيذ".

ويقول لموقع "الحرة": "ما رأيناه هو توجه أردني قائم على أن تقدم الدول العربية خطوات في مقابل خطوات من النظام السوري، بينها إيقاف تدفق الكبتاغون.. وهو ما لم يحصل".

ويضيف العزي أن "النظام مرتاح بشأن العلاقات الثنائية، وكأن العزلة فكّت عنه، وأنه يستطيع التحدث مع كل دولة حسب مصالحه".

ويرى أن "لكل دولة أولوياتها ومصالحها"، في إشارة منه للخطوات السعودية، بينما يعتبر الأردن الوحيد الذي يتعرف لهجمات قادمة من سوريا، وأخرى حصلت لمرة واحدة من حدود العراق. 

من جهته يرى الوزير الأردني الأسبق المعايطة أن "المشروع الثنائي موجود حاليا لكن العربي وهو المهم توقف ولم يعد موجودا".

وكان المشروع العربي يهدف إلى "إعادة سوريا للمجتمع الدولي والتوصل لحل سياسي للأزمة السورية، وحل مشكلة المخدرات".

ومع ذلك يضيف المعايطة: "لم يعد هناك أي تحرك عربي لإعادة تأهيل سوريا.. السوريون ضيعوا هذه الفرصة لأنهم لا يريدون أو لا يستطيعون حل الالتزامات، ولاسيما قضية اللاجئين ومشروع إعادة ألف لاجئ ومن ثم ألف من الأردن". 

ويرى الباحث السوري عاصي أن "الأردن لا يريد أن يتحمل بمفرده مسؤولية عدم التزام النظام بالنهج".

و"عندما يُظهر أن علاقاته مع النظام قائمة على التعاون الثنائي فهو يهدف إلى الضغط على السعودية وبقية الدول"، بتقدير عاصي.

كما يبعث بذلك برسالة بأنه "لا يقبل بتحمّل تكاليف عدم التزام النظام بمفرده وهو مستعد لحل القضايا التي تهم أمنه القومي عبر التواصل مع دمشق بشكل مستمر".

ويبدو أن عمّان تسير بهذا الاتجاه، وفق ما يعتقد عاصي، مشيرا إلى أن "تنفيذ الغارات الجوية وعمليات الإنزال في سوريا وحتى الاشتباكات تجري عبر إخطار مسبق لدمشق!".

"نهج أوسع"

ويعتبر الأردن أكثر المتضريين من وصول المبادرة العربية الخاصة بسوريا إلى حائط مسدود.

ويرتبط ذلك بما يشهده من عمليات تهريب مستمرة أخذت طابع "الهجمات"، منذ منتصف ديسمبر الحالي، فضلا عن القضية المتعلقة باللاجئين، ولاسيما أن عمّان كانت تعوّل على التوصل لآلية تضمن إعادة قسم منهم على دفعات.

وما سبق يشير إليه الوزير الأسبق المعايطة، ويقول إن بلاده متضررة من "الركود وعدم إيجاد الحلول".

ويضيف أن "القرار ليس بيد الأردن. هو يحاول ويسعى لكن هناك عوامل ومعطيات للأزمة السورية تجعلها تأخذ الطابع الدولي".

وكانت عمّان تتأمل بنجاح المبادرة العربية لكن "الدولة السورية ماطلت، وبينما تحدثت بإيجابية لم تقدم أي شيء على أرض الواقع".

وجاءت حرب غزة لتفرض نفسها على أجندات الدول، وتجعل سوريا بعيدة عن الأولوية، وهو ما شكّل للنظام السوري عنصر راحة، وفق المعايطة.

ويشير الباحث السوري عاصي إلى أن "سياسات الأردن لا تعني أن مسار الخطوة مقابل خطوة قد انتهى أو أنّ الأردن تخلّت عنه".

ويقول إن "هناك تقدم لكنه بطيء، والمبعوث الأممي الخاص إلى سوريا يعمل على تطوير صيغة النهج وهو يعول عليه في ظل تعثر مسار الإصلاح الدستوري ومسار أستانة".

ويوضح الباحث أن "عدم التزام النظام بالنهج وتفضيله للعلاقات الثنائية لا يعني رفضه له"، ومع ذلك يشير إلى أن "هذا السلوك هو أحد أدواته التقليدية لتحصيل أكبر قدر من المكاسب لفك العزلة الدولية عنه والدبلوماسية وتحصيل الأموال".

"النظام يريد أن يتحول النهج إلى قناة للتطبيع العربي والأوروبي معه، بحيث يُقدّم العرب هذا المسار بالتنسيق مع المبعوث الخاص كأداة لاحتواء النظام"، وفق عاصي. 

وبالتالي "عدم الحاجة للعملية السياسية وضرورة دفع برنامج التعافي المبكر  والتسهيلات قدما، وكذلك رفع أو تخفيف العقوبات الاقتصادية عنه"، كما يضيف الباحث السوري.