المجلس العدلي لم يلتئم: إبلاغ القضاة باحتمال عملية إرهابية!

قبل ساعات قليلة من التئام المجلس العدلي لمتابعة المحاكمة في التفجير الإرهابي الذي وقع في منطقة حارة حريك العام 2014، أبلغ القضاة فجأة بضرورة إرجاء الجلسة حتى تاريخ آخر، بسبب معلومات أمنية تؤكد بأن بعض المجموعات الإرهابية تسعى إلى تنفيذ عملية لتهريب نعيم اسماعيل محمود (المتهم بالتفجير)، خلال نقله إلى قصر عدل بيروت. الأمر الذي دفع بالقضاة إلى إرجاء الجلسة التي كانت محددة في 24 تشرين الثاني الجاري إلى 26 كانون الثاني 2024، خوفًا من تعرض القضاة لأي خطر أو لأي هجوم مسلح غير متوقع، قد يشكل خطرًا على قضاة المجلس العدلي والعناصر الأمنية والمحامين.

تأجيل الجلسة
حالة الخوف سيطرت على القضاة، بعدما أبلغهم مدير المخابرات في الجيش اللبناني، العميد طوني قهوجي بضرورة تأجيل الجلسة إلى حين اتخاذ التدابير الأمنية المشددة، تجنبًا لتعرض الأجهزة الأمنية لأي خطر أثناء سوق المتهمين إلى قصر عدل بيروت. ووفقًا لمعلومات "المدن" فإن الأجهزة الأمنية علمت بأن هناك من يسعى ويخطط للهجوم على الآلية العسكرية التي تنقل الموقوف إلى قصر عدل بيروت بغية تهريبه. وبالتالي هذا الهجوم قد يؤدي إلى إصابة العناصر الأمنية أو قتلهم.

ووفقًا للمعلومات التي حصلت عليها "المدن"، فإن إحدى المجموعات الإرهابية كانت تسعى إلى تهريب وتحرير الموقوف "نعيم اسماعيل محمود" (فلسطيني الجنسية) المعروف بـ"نعيم عباس" وبأسماء متنوعة  وأبرزها "أبو سليمان"، "أبو عباس"، "أبو خالد"، وهو أحد قياديي "عبدلله عزام الإرهابي"، ومن أخطر المطلوبين في لبنان والذي وقع تحت قبضة الجيش اللبناني في عملية نوعية في 12 شباط العام 2014، فألقي القبض عليه وضبطت معه سيارة مفخخة في منطقة كورنيش المزرعة.

ملفات إرهابية
عُرف المدعو "نعيم عباس" بعلاقاته القوية مع المجموعات التكفيرية ومنها القاعدة، داعش، وجبهة النصرة. يُذكر أن المحكمة العسكرية حكمت عليه سابقًا بالمؤبد لكونه المسؤول عن معظم تفجيرات الضاحية الجنوبية، فهو ملاحق قضائيًا بأكثر من 17 ملفًا إرهابيًا، وسبق وكشف أمام المحكمة العسكرية بأن الهدف من التفجيرات الإرهابية التي نفذها في الضاحية الجنوبية والهرمل، كانت تهدف لإشعال الفتنة بين الشيعة والسنة. كما اعترف سابقًا أنه حاول تنفيذ عمليات إرهابية بين منطقتي الشياح وطريق الجديدة بغية زعزعة الأمن بين السكان.

عمليات إرهابية متنوعة نفذها نعيم عباس أو أشرف عليها. إذ تؤكد المعلومات بأنه كان مسؤولاً عن تدريب الإرهابي الذي فجر نفسه في "فان" في منطقة الشويفات عام 2014، وكان مسؤولًا عن إدخال سيارات مفخخة من سوريا إلى لبنان، وهو رئيس مجموعة مؤلفة من 21 شخصًا من جنسيات مختلفة تعمل على تفخيخ السيارات لتفجيرها، وكان في صدد تجهيز مجموعة أخرى من العمليات الإرهابية لتنفيذها في الضاحية الجنوبية قبل أن يتم إلقاء القبض عليه.

"الخوف من تكرار الجريمة"
إرجاء الجلسة لم يكن كافيًا. ووفقًا لمصدر قضائي رفيع في حديثه لـ"المدن"، فإن القضاة شددوا على ضرورة نشر التعزيزات الأمنية على مداخل قصر عدل بيروت وأمام مكاتبهم، خوفًا من اقتحام المداخل الأساسية خلال جلسات المحاكمة لتهريب الموقوف، أو من تنفيذ أي عملية إرهابية قد تشكل خطرًا على حياة القضاة خلال جلسة المحاكمة حين تُفك الأصفاد الحديدية عن أيدي الموقوفين للاستماع إليهم (وهو الأمر الذي يحصل دائمًا خلال المحاكمات). كما لفت المصدر إلى أن بعض القضاة وجدوا بأن الحل الأنسب قد يكون برفضهم المشاركة في الجلسة المقبلة في حال لم تنتشر العناصر الأمنية بكثافة داخل قصر عدل بيروت وخلال المحاكمة، معتبرين بأن هذا الأمر سيؤدي إلى كارثة أو جريمة، ويستدعي التدخل المباشر من الحكومة اللبنانية لحماية القضاة، لافتين إلى أن اتصال العميد طوني قهوجي المفاجئ أنقذ القضاة من حادثة خطيرة جدًا كان من المتوقع حدوثها داخل قصر عدل بيروت.

هذا وعلمت "المدن" من مصدر قضائي رفيع بأن رئيس مجلس القضاء الأعلى، القاضي سهيل عبود سيتواصل مع الأجهزة الأمنية ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي خلال الأيام المقبلة، لوضع سلسلة من الإجراءات الأمنية لحماية القضاة خلال متابعة أي دعوى. ولكن، وبالرغم من تبليغ القضاة بإمكانية حدوث أي عمل إرهابي داخل قصر عدل بيروت، إلا أن الحال لم يتبدل، ولم يتم اتخاذ أي إجراءات أمنية جديدة!  

اعتراض القضاة كان منطقيًا، حيث أن مكاتب القضاة خالية من العناصر الأمنية، وكذلك مجلس القضاء الأعلى والنيابة العامة التمييزية، فالعناصر تتوزع أمام المدخل الرئيسي فقط، وبالتالي من الممكن تهريب أي آلات حادة أو أي أسلحة إلى الداخل لافتعال أي مشكلة أو لتنفيذ أي جريمة. كما أن بعض عناصر الدرك تحاوط الموقوفين خلال المحاكمة فقط، ومن الممكن أن يحاول أي موقوف بعد تحرير يديه من الأصفاد الحديدية أن يبادر بالتهجم على العناصر الأمنية المحيطة به، فيعمل على تجريدهم من السلاح ليطلق الرصاص على قوس العدالة والحاضرين، وهو السيناريو الذي حضر في أذهان بعض القضاة منذ أيام. كما أن معظم جلسات المحاكمة المتعلقة بقضايا إرهابية حساسة جدًا، تفتقد لحماية أمنية مشددة من عناصر الجيش اللبناني، وبالتالي هذه الأسباب من شأنها تأجيل الجلسات إلى فترات أطول من دون التمكن من معالجة هذا الأمر كما يجب.

حالة الخوف باتت مبرّرة، وبالعودة إلى الثامن من حزيران العام 1999، اغتيل 4 قضاة في قصر عدل صيدا وهم (الرئيس الأول لمحكمة استئناف الجنوب حسن عثمان، المستشار القاضي عماد شهاب، رئيس الغرفة لدى محكمة الدرجة الأولى المستشار وليد هرموش، والمحامي العام الاستئنافي عاصم أبو ضاهر) بعدما هاجم مسلحان قاعة المحكمة، وأطلقوا النار على القضاة، الذين كانوا ينظرون في مجموعة دعاوى تتنوع بين قتل وسرقة وتزوير.