"المستقبل" على مفترق ويدرس حظوظه في الانتخابات

الشغل الشاغل في أجواء "تيار المستقبل" وجمهوره، هو احتمال المشاركة في الانتخابات النيابية المقبلة، أياً يكن موعدها والصيغة التي ستُحلّ من خلالها عقدتا اقتراع المغتربين و"الميغاسنتر"، انطلاقاً من أنّ سياسة الاعتكاف ثبت فشلها، وأن الغياب المتمادي عن التفاعل مع القواعد الشعبية، سيجعل التيّار بمرور الوقت نسياً مَنسياً. وهذا يُعدّ تفريطاً بأمانة رسالة الرئيس الشهيد رفيق الحريري وخطه السياسي الذي حمله من بعده نجله الرئيس سعد.

لا يستبعد مطلعون على أجواء "تيار المستقبل" أن يخوض الانتخابات من دون إعلان انتهاء مفاعيل القرار الذي اتخذه رئيسه سعد الحريري في 24 كانون الثاني 2022، والقاضي بتجميد عمله السياسي وعمل "التيار"، مبرراً تلك الخطوة آنذاك بانتفاء "أية فرصة إيجابية للبنان في ظل النفوذ الإيراني، والتخبط الدولي، والانقسام الوطني، واستعار الطائفية واهتراء الدولة".

ولم يحسم رئيس "المستقبل" المقيم في دولة الإمارات موقفه من هذه المسألة بعد، لكنّ أنصار المشاركة يعتبرون أن عدم خوض دورة انتخابات 2026 النيابية، بعد الاعتكاف عن انتخابات 2022، يعني انتهاء "تيار المستقبل" عملياً؛ لأن الطبيعة تكره الفراغ، وسيعتاد الناس -من محبّي الرئيس رفيق الحريري ونجله سعد- التعامل مع من سيشغلون المواقع التمثيلية في المناطق التي يحظى فيها "المستقبل" بحضور وتعاطف قويّين.

ويضيف أصحاب هذا الرأي، أن من الضروري والملحّ خوض المعارك الانتخابية حتى لو كانت خاسرة في بعض المناطق، فكيف إذا كانت الحسابات الأولية للنتائج الأكثر احتمالاً مشجعة؟

ففي صيدا، يضمن "المستقبل" على الأقل وبسهولة مقعداً نيابياً تستعيده السيدة بهية الحريري. وفي بيروت، حيث يُتوقع نيل ما بين 70 ألفاً و100 ألف صوت، تبدو نتيجة ثلاثة مقاعد مضمونة. وفي طرابلس يضمن مقعدين، ومثلهما في المنية- الضنية، وأربعة مقاعد في عكار، ومقعداً في البقاع الغربي، ومقعداً في زحلة وآخر في بعلبك- الهرمل، إضافة إلى مقعد في إقليم الخروب- الشوف؛ بما يرفع الحصيلة إلى كتلة نيابية وازنة قوامها 15 مقعداً تقريباً، ويرى مؤيدو المشاركة أن كتلة "المستقبل" لن تنخفض عن 7 نواب في أسوأ الاحتمالات، وهذا أمر جيد. وشيئاً فشيئاً سيعيد التيار بناء نفسه على أسس متينة، خصوصاً أن الظروف تقتضي خوض الانتخابات من دون وفرة مالية أو مواقع في السلطة، مما يجعلها فرصة لدعوة قواعد "المستقبل" والناس للتصويت لقناعاتهم. وفي المقابل، دور التيار هو تقديم خيارات جيدة عبر مرشحين من الفئة الشبابية واختصاصيين "يرفعون الرأس".

ويرى مؤيدو المشاركة أن الظروف التي دفعت الرئيس سعد الحريري إلى الاعتكاف السياسي موقتاً، لا تنطبق على "المستقبل" ككل. ولكن يبقى الامتحان الفعلي لهذا التقدير في دوائر صيدا- جزين، وزحلة، والبقاع الغربي، وبعلبك- الهرمل، حيث يُعدّ موقف حزب "القوات اللبنانية" والحزب التقدمي الاشتراكي من خيار التحالف مع "المستقبل" مؤشراً ذا دلالات تتعدّى الداخل اللبناني. والثابت عند الدافعين نحو خيار المشاركة في "التيار الأزرق" أنهم منفتحون على التحالف مع أي قوة سياسية باستثناء "حزب الله"، وطيّ صفحة خلافات الماضي للبناء على ما يجمع اللبنانيين حول الدستور واتفاق الطائف.

حتى اليوم، لا يزال الرئيس سعد الحريري يدرس الموقف من منفاه الاختياري، وقد يكون متخوفاً من تحمّل مسؤولية أي خطأ يُرتكب في غيابه. ولكن يبدو أن المقتنعين بفكرة المشاركة سيمضون فيها أياً تكن الظروف، ويبقى التحدي مع غياب الإدارة العليا والماكينة المركزية، احتمال ترشح "مستقبليين" ضد بعضهم البعض، لكن مخاطر مقاطعة الانتخابات أكبر وأهم من تحديات المشاركة فيها، كما يقول المثل الشعبي الفرنسي القديم: "من يترك مكانه يفقده"، والذي تطور ليصبح: "مَن يذهب إلى الصيد يخسر مكانه"، لأن النبلاء كانوا يغيبون طويلاً عن أراضيهم الشاسعة لممارسة هذه الهواية، بينما اختصره الأميركيون بعبارة: حرّك قدميك، تفقُد مقعدك"Move your feet, lose your seat"