المصارف المُترقبة تحت المجهر: التدقيق وتعميم لجنة الرقابة

أشار مصدران إداريّان في مصرفين تجاريين، في حديث لـ "المدن"، إلى أنّ عدّة مصارف "تترقّب بحذر شديد" بعض التطوّرات التي طرأت على الساحة الماليّة في لبنان، والتي توحي بوجود "مقاربة رسميّة جديدة ومختلفة" للأزمة القائمة في القطاع. وكشف المصدران أنّ أبرز مؤشّرات هذا التحوّل تمثّلت في تعميم لجنة الرقابة على المصارف، بشأن العمولات التي تستوفيها المصارف من عملائها، ومقترح التدقيق في أرباح المصارف، الذي تمّ طرحه خلال اجتماع وفد جمعيّة المصارف مع وزير الماليّة ياسين جابر.

وبحسب المصدرين، تفاوتت ردّة فعل المصارف إزاء هذه المقترحات، وفقاً لطبيعة العمليّات التي قامت بها قبل وخلال الأزمة، وبحسب درجة انكشافها على الإشكاليّات التي يمكن أن تخضع للتدقيق، أو تلك التي يمكن أن يؤثّر فيها تعميم لجنة الرقابة. غير أنّ الأكيد هو أنّ المشهد بات "يتغيّر" ولو بشكلٍ متدرّج، بما يوحي بأنّ أرباح المصارف غير المشروعة ستكون "تحت المجهر" خلال المرحلة المقبلة. 

 

أهميّة تعميم لجنة الرقابة

ومن المعلوم أنّ غالبيّة المصارف عمدت منذ بدء الأزمة عام 2019 إلى مضاعفة العمولات والرسوم التي يتم تحصيلها من عملائها، مُستغلّة عدم قدرة العملاء على سحب المبالغ الموجودة في حساباتهم، بل وعدم قدرتهم على فتح حسابات جديدة لتحويل السيولة إلى مصارف أخرى. 

كما عمدت العديد من المصارف إلى الإفراط في تصنيف حسابات العملاء لديها في خانة الحسابات "الراكدة"، مُستغلّة حذر ورفض العملاء لتوقيع مستندات "تجديد الحساب"، التي تفرض شروطاً جديدة تتلاءم مع مبدأ حبس الودائع المفروض قسراً. وبمجرّد وضع أي حساب تحت خانة "الحسابات الراكدة"، تمكّنت المصارف من فرض رسوم وعمولات إضافيّة، فوق تلك المفروضة على الحسابات العاديّة.

ومن الناحية المحاسبيّة، كانت نتيجة هذه الممارسة مزدوجة: إذ تمكنت المصارف من تخفيض التزاماتها للمودعين، من خلال تآكل الودائع عبر العمولات المُبالغ بها. كما تمكّنت من تضخيم بنود "حقوق" المساهمين لديها، أي "الأموال الخاصّة"، لكون العمولة التي يتم شطبها من الالتزامات تُضاف كأرباح في الميزانيّة، ما يصب في النهاية في خانات "حقوق" المساهمين.  

وكان مصرف لبنان قد أصدر عام 2023 تعميماً لمعالجة هذه المسألة، بعدما ارتفعت الأصوات المُعترضة على هذه الممارسات. غير أنّ المصارف قامت باستغلال ثغرة في التعميم لإعادة تفسيره على طريقتها خاصّة، إذ نصّ التعميم على وجوب "عدم فرض أي نوع من العمولات الجديدة"، ما سمح للمصارف باعتبار الزيادة في العمولات الموجودة أساساً مسألة مشروعة. 

هكذا، جاء تعميم لجنة الرقابة على المصارف يوم الثلاثاء الماضي ليضع حداً لهذا التفسير المشوّه لتعميم مصرف لبنان، حيث طلبت لجنة الرقابة "عدم زيادة قيم الرسوم المفروضة مسبقاً"، مقارنة بما قبل 31 تشرين الأوّل 2019، فضلاً عن عدم فرض أي رسوم أو عمولات جديدة. كما طلب التعميم من المصارف اعتبار جميع الحسابات التي كانت نشطة قبل الأزمة حسابات نشطة مجدداً، بالإضافة إلى عدم تغيير العمولات على الحسابات التي يتم اعتبارها راكدة.

بهذا الشكل، سيتيح تعميم لجنة الرقابة وضع حد للممارسات التي سمحت بتعويم أموال المصارف الخاصّة، على حساب الودائع الموجودة لديها، وهو ما يتّصل بملاحقة الأرباح غير المشروعة التي يتم الحديث عنها في إطار معالجة الأزمة المصرفيّة. أمّا الأهم، فهو أنّ التعميم يفتح الباب أمام اعتماد مبدأ المفعول الرجعي، لاستعادة العمولات غير المشروعة التي حصّلتها المصارف خلال الأزمة، وهو ما يحتاج -خلال الفترة المقبلة- إلى قرار من حاكميّة مصرف لبنان. 

 

التدقيق في المصارف

في سياق مشابه، جاء هذا الأسبوع حديث مستشار وزير الماليّة سمير حمود، خلال لقاء الوزير مع وفد جمعيّة المصارف، عن أهميّة التدقيق في عمليّات المصارف السابقة، في إطار عمليّة إعادة الهيكلة التي ستجري في القطاع. وهذا الكلام، أعاد تصويب البوصلة نحو الأرباح غير المشروعة التي جرى تحصيلها من خلال عمليّات مصرف لبنان الاستثنائيّة، والتي ساهمت في تآكل السيولة الموجودة فعلياً في مصرف لبنان، على حساب المودعين. ومن البديهي القول إن رفع هذه الأرباح من الميزانيّات واستعادتها، سيمثّل إحدى الأدوات التي يمكن اعتمادها، لتقليص فجوة الخسائر وإعادة رسملة القطاع خلال عمليّة إعادة الهيكلة. 

وتجدر الإشارة إلى أنّ جناحاً معيّناً داخل القطاع المصرفي شنّ حملة شرسة بعد هذا اللقاء على حمّود، وعلى اللقاء نفسه، وهو ما ظهر كهجوم على فكرة التدقيق نفسها. مع العلم أنّ جمعيّة المصارف تشهد انقساماً داخلياً حول هذه المسألة، إذ تبدي العديد من المصارف -ومن بينها مصارف كبرى- تأييداً لفتح دفاتر القطاع، لتصنيف المصارف بحسب استفادتها من الأرباح غير المشروعة. وعلى أي حال، من المتوقع أن تبقى هذه الفكرة خاضعة لنقاش حاد طوال الفترة المقبلة، بانتظار طرح قانون الفجوة الماليّة على بساط البحث في مجلس الوزراء. 

أخيراً، يبقى التنويه أنّ جميع هذه التطوّرات جاءت بموازاة إعلان حاكم مصرف لبنان عن البدء بإعداد "دفتر شروط خاص لإطلاق مشروع التدقيق المالي والجنائي الخارجي في أموال الدعم، التي صُرفت على السلع منذ 17 تشرين الأول 2019"، مشيراً إلى أنّ التدقيق سيشمل التحويلات التي خرجت من لبنان خلال تلك الفترة. وهذا ما سيتيح فعلياً تقصّي بعض الحقائق حول أعمال تهريب السيولة من القطاع المصرفي، سواءً تحت عنوان "الدعم"، أو عبر بعض التحويلات التي استفادت منها فئات محظيّة من المودعين.