المصدر: نداء الوطن
الكاتب: مروان الشدياق
الاثنين 20 تشرين الأول 2025 06:43:57
في ساحة القدّيس بطرس في الفاتيكان، رفع قداسة البابا لاوون الرابع عشر الصلاة على نية سبعة طوباويين أعلنهم قدّيسين ومن بينهم لمع اسم الراعي الشهيد المطران إغناطيوس شكراللّه مالويان، أسقف ماردين للأرمن الكاثوليك، الذي قدّم حياته ذبيحة حبّ في سبيل المسيح وشعبه سنة 1915، خلال حقبةٍ سوداء من تاريخ الإنسانية هي «الإبادة الأرمنية».
من ماردين إلى بزمار
وُلد مالويان في «المدينة البطلة» ماردين يوم 15 نيسان 1869، في عائلةٍ مؤمنةٍ من الأرمن الكاثوليك. في طفولته، تفتحت نفسه على التقوى وخدمة المذبح، فكان يخدم القدّاس يوميًا قبل أن يتوجّه إلى المدرسة. وإذ لمس مطرانه علامات النعمة في قلبه، أرسله عام 1883 إلى دير سيّدة بزمار البطريركي في لبنان، ليتتلمذ على أيدي الآباء البزماريّين في الفلسفة واللاهوت.
هناك، نما في الروح والعلم، وتجلّت فيه روح الطاعة، حتى سيم كاهنًا في 6 آب 1896، يوم عيد الرب، ونال اسم «إغناطيوس». بقي بزمار بالنسبة إليه «أمل الأمة الأرمنية»، كما كتب لاحقًا، وأحبّه حبًا عميقًا، معتبرًا أن «المساس باسم بزمار هو مسٌّ بالمقدّسات».
راعٍ ورسول بين مصر وتركيا
بعد خدمته في دير بزمار، انتقل الأب مالويان إلى الإسكندرية ثمّ إلى القاهرة، حيث ترك أثرًا طيبًا في نفوس المؤمنين، قبل أن يُستدعى إلى القسطنطينية أمين سرّ للبطريركية الأرمنية الكاثوليكية. وهناك لمع بعلمه وتقواه، فكان منارةً وسط الاضطرابات. وفي عام 1910، عاد إلى ماردين لمعاونة الأسقف هوسِب غوليان، وبعد عامين، تولّى رئاسة أبرشية الأرمن الكاثوليك فيها أسقفًا راعيًا ومعلّمًا.
راعٍ على مثال الراعي الصالح
منذ لحظة وصوله إلى كرسي ماردين، أطلق المطران مالويان ورشة إصلاح روحيّ وتربويّ، فأنشأ المدارس ونظمها، ورعى الكهنة والشعب، وغرس في النفوس تعبّد القلب الأقدس وحبّ العذراء. كان يرى في الكهنة قدوةً ومثالًا، فحثّهم على صلاة التأمّل وممارسة الإماتة اليومية تكفيرًا عن الخطايا.
لكن الحرب العالمية الأولى التي اندلعت عام 1914 سرعان ما غيّرت وجه المنطقة. فبعد إعلان «التعبئة العامة» في الإمبراطورية العثمانية، بدأ التضييق على المسيحيين واتهامهم بالخيانة.
درب الآلام إلى المجد
في حزيران 1915، أوقف مالويان مع عددٍ من وجهاء ماردين وكهنتها. استُجوب بعنف واتُهم زورًا بإخفاء أسلحة ومناهضة الدولة، وطلب منه اعتناق الإسلام ليخلص فواجه جلّاديه بثباتٍ قائلًا: «هيهات أن أجحد وأخون الرب يسوع مخلّصي، وأنكر تعاليم كنيستي. أن يُسفك دمي في سبيل إيماني، تلك من أعز أمنيات قلبي».
وبعد أيامٍ من التعذيب الوحشيّ، سيق مع رفاقه في ما عرف بـ «قافلة مالويان» نحو الموت. وفي الطريق، جمع أبناءه المؤمنين، صلّى معهم، وناولهم القربان الأقدس بسلامٍ وطمأنينةٍ سماوية. فكانت تلك لحظةَ اتحادهم بالمسيح في ذبيحةٍ كاملةٍ من الحبّ.
وفي 11 حزيران 1915، يوم عيد قلب يسوع الأقدس، أُعدم المطران رميًا بالرصاص وهو يهمس: «اللهم ارحمني، بين يديك أستودع روحي».
من الشهادة إلى القداسة
بدأت دعوى تطويبه عام 1966 بجهود بطاركة الأرمن الكاثوليك، اعترافًا ببطولته في الإيمان وشهادته في وجه الظلم. وفي 7 تشرين الأول 2001، أعلنه البابا القديس يوحنا بولس الثاني طوباويًا في ساحة القديس بطرس، ووصفه يومها بأنه «رمزُ الإيمان الذي لا ينكسر أمام العنف، وصوتُ أمةٍ تأبى أن تُمحى من التاريخ».
وبعد أكثر من قرنٍ على استشهاده، أعلنه قداسة البابا قدّيسًا على مذابح الكنيسة ليصبح اسم إغناطيوس مالويان مشعلًا للقداسة وشهادةً أن الإيمان أقوى من الاضطهاد، وأن الموت في سبيل المسيح ولادةٌ جديدة