المواجهة بين وزير الاقتصاد وشركات التأمين إلى هدنة

تفتقد العلاقة بين وزير الاقتصاد أمين سلام وجمعية شركات الضمان الودّ الملزم لإرساء تواصل وتعاون جدّي، يبني ما يحتاج إليه الفريقان من ثقة متبادلة للنهوض بقطاع له القدرة، إذا ما أُحسِنت إدارة ملفاته، على بناء شبكة أمان صحي واجتماعي لغالبية الشعب اللبناني.
"لقمة صلحة" في غداء جمع الوزير سلام بزيارة لأهل القطاع، أعادت (أو هكذا يقال) دوزنة العلاقة التي مرت أكثر من مرة بتوتر واتهامات متبادلة، بدءاً من تعويضات انفجار المرفأ وصولاً الى سيناريو صرف نفوذ لمقربين من الوزير.


وسيكتمل مسار "توسعة الصلحة" مع القطاع بعشاء تقيمه نقابة وسطاء التأمين أواخر الأسبوع، ليختم الوزير سلام بذلك ملفاً ضاغطاً على موقعه وسمعته، استعمله الخصوم والمنافسون منصّة لإطلاق سهام سياسية هدفها إصابة طموحه المضمر لدخول نادي رؤساء الحكومات.


بيد أن الخبز والملح الذي جمع الأضداد وبرّد القلوب، لا مفاعيل قضائية له، إذ إن ملف التحقيق مع شقيق الوزير ومستشار مقرّب له موقوف على ذمة التحقيق لا يزال مستمراً، فيما تتوسّع النيابة العامة في التدقيق أكثر حول خيوط لشبهات فساد كانت تجري أو يتم الإعداد لها لعاملين في مكتب الوزير سلام، وفق ما تؤكد مصادر متابعة لـ"النهار".

الأزمة بين أهل التأمين والوزير تبدأ من فقدان المرجعية، وغياب (أو تغييب) دور لجنة الرقابة على هيئات الضمان، بعد استقالة رئيسها وعدم تعيين بديل له، ما منح الوزير سلام بموجب قانون تنظيم هيئة الضمان بمفرده، كامل صلاحيات الهيئة المذكورة في الرقابة على شركات التأمين واتخاذ ما يرتئيه من قرارات وعقوبات وتوجيه إنذارات وخلافه. وهذا الأمر يؤخذ على وزير الاقتصاد، لأنه لا يزال متحفظاً على اختيار اسم "كاثوليكي" ليعرضه على مجلس الوزراء بغية الموافقة عليه.


إلى ذلك تأتي ملفات التعثر المالي وملاءة بعض شركات التأمين التي تحتاج الى غضّ نظر الوزير ريثما تعيد بناء رسملتها وملفاتها وفق المطلوب محلياً ودولياً، لتزيد من شرخ العلاقة مع سلام الذي كان قد اتهم سابقاً الشركات بـ"الإثراء غير المشروع" و"السرقة" على خلفية تعويضات انفجار المرفأ. حتى الآن، لا يعلم أحد كيف تجاوز الاثنان تلك الاتهامات الموصوفة بسحر ساحر، فتوقفت الإجراءات العقابية الموعودة، واختفى الكلام عن تعويضات مفترضة لا تقلّ عن مليار دولار دفعت شركات التأمين نصفها تقريباً وغالبيتها باللولار، فيما الباقي من التعويضات لا يزال رهن الأخذ والرد ووعد الوزير بـ"تحميل كل من يقف في وجه هيئة الرقابة ووزارة الاقتصاد مسؤولية التواطؤ مع كل من تسوّل له نفسه سرقة أموال الناس".


رئيس جمعية شركات التأمين في لبنان أسعد ميرزا يؤكد لـ"النهار" معالجة المشكلات التي طرأت مع وزارة الاقتصاد بعدما استضافته الجمعية في مقرها الرئيسي وكان حديث مع ممثلي شركات التأمين بكل هواجس قطاع التأمين بغية تخفيف الضغط عنهم إن من خلال التعاميم التي تصدرها الوزارة، أو حيال عدم تغريمهم فوراً إذا تأخروا في إصدار بياناتهم المالية وإعطائهم الوقت الكافي لتحضيرها خصوصاً أن الشركات مأزومة حالياً ولا تتحمّل أعباء زيادة موظفين للقيام بالمهمة. ويؤكد أن الجانبين تجاوزا الخلافات في ما بينهما، لتخطي هذه الأزمة التي يعيشها القطاع وعودة الأمور الى السكة.

ميرزا أكد أن قطاع التأمين الذي استطاع أن يصمد في عام 2022 على الرغم من الأزمات التي عاشتها البلاد يعاند ويكابد للاستمرار شأنه في ذلك شأن كل القطاعات الاقتصادية في لبنان، فاستمرت شركات التأمين في القيام بالتزاماتها تجاه زبائنها.

وليس خافياً أن ثمة 3 شركات من معيدي التأمين انسحبت من السوق اللبنانية على خلفية ما تعانيه البلاد من أزمات بما قد ينسحب على شركات التأمين المحلية، وتالياً على عدم قدرتها على الحصول على مستحقاتها بالدولار الفريش من هذه الشركات، علماً بأن الشركات المحلية تسعّر بوالصها بالدولار الفريش.

صحيح أن عدد المؤمّنين في قطاع التأمين لم ينخفض، بيد أنه منذ بدء العدوان على غزة تغيّرت أولويات اللبنانيين، فأصبح همّهم تأمين الأمور المعيشية اليومية من مأكل ومشرب خوفاً من تأزم الأوضاع. لذا شهدت الشركات تراجعاً في استقطاب زبائن جدد، عدا عن التغيير في درجات بوالص التأمين نتيجة تراجع القدرات المالية للبنانيين. فمن اعتاد على التأمين درجة أولى في قطاع الاستشفاء، استعاض عنها بالدرجة الثانية أو الثالثة، وكذلك انسحب الأمر على تأمين السيارات، إذ أصبح غالبية المؤمنين يعتمدون التأمين ضد الغير CONTRE TIERS ، بعدما كانوا يعتمدون التأمين الشامل لسياراتهم.

وإن كان تراجع القدرة الشرائية للبنانيين أثّر على درجات التأمين التي يطلبونها، فإن بوالص التأمين على الصحّة لا تزال الأكثر طلباً، خصوصاً في ظل الارتفاع الكبير في فواتير المستشفيات وضعف إمكانات الضمان وتعاونية الموظفين، لذا يفضّل اللبناني دفع كلفة بوالص التأمين الصحية لتوفير التغطية الصحية والاستشفائية له ولعائلته.

أمّا في ملف التعويضات عن أضرار انفجار المرفأ، فيؤكد ميرزا أن الشركات استطاعت تسديد المستحقات لما بين 70 الى 80%، وذلك على الرغم من رفض بعض معيدي التأمين التسديد للشركات اللبنانية، قبل صدور التقرير القانوني النهائي عن أسباب الانفجار.