الموت يغيّب الرفيق جوزف جعجع في غاتينو في كيبيك

غيّب الموت الرفيق جوزف جعجع في مدينة غاتينو في مقاطعة كيبيك الكندية.

الراحل ابن بشري، مفوض الشمال العسكري في حزب الكتائب اللبنانية (المسؤول العسكري) في سبعينيات القرن الماضي.

وقد وثق نبيل يوسف أبرز المحطات التي طبعت تاريخ الراحل.

بعد ظهر الجمعة 28 تموز 1978، أوقفت القوات السورية في شكا جان أنطون نائب رئيس إقليم البترون ورئيس قسم شكا الكتائبي، وفي الوقت نفس تقريباً كان جوزف جعجع متوجهاً من بيروت الى بشري مع 3 من رفاقه هم: جوزف عبد المسيح من حدث الجبة وجوزف لابا من الديمان وحبيب العلم من حصرون سالكين طريق جرد اللقلوق – حدث الجبة فوقعوا في كمين نصبه مسلحون كانوا يلبسون بدلات الجيش اللبناني تبين لاحقًا أنهم من جيش لبنان العربي، وقد تم نقل الجميع الى مقر المخابرات السورية في المصنع وهناك انضم اليهم أنطوان سعاده من قنيور في قضاء بشري، وكان أوقف أمام صيدلية بارتي في الاشرفية وسيمون ساسين من حدشيت وإيلي عقل من القبيات وشباب بلدة اده البترونية الياس الياس ورئيف شديد وعصام إيليا، (وكانت ضاعت أخبار رفيقهم الرابع نديم مرعي وما زال حتى اليوم مفقودًا) ورئيس قسم وادي شحرور الكتائبي جوزف باروك ومفوض القوى النظامية في القسم مارون أبي راشد وشقيقه. وحنا الصيّاح من ضبيه وسيمون دحدح من زغرتا.

تنقل جوزف جعجع وجان أنطون في سجون سورية عدة (المصنع وفرع التحقيق العسكري وفرع فلسطين والمزة) ورغم كل الاتصالات رفضت دمشق اطلاق سراحهما حتى بداية عهد الرئيس أمين الجميّل، ففي بادرة حسن نية تجاه العهد الجديد وبعد اتصالات قام بها الأستاذ جان عبيد بتكليف من الرئيس أمين الجميّل تم إطلاق من تبقى من سجناء الكتائب في سوريا.

وعند الساعة 11  من ليل الأحد 10 تشرين الأول 1982 دخل السجّان إلى مهاجع سجن المزة ونادى على جان أنطون وجوزف جعجع وأنطوان سعاده وجوزف لابا وجوزف عبد المسيح وحبيب العلم وأنيس طراد وعزت بيضون وإيلي فياض وطلب منهم جمع أغراضهم ومغادرة المهجع وكانوا آخر كتائبيين ما زالوا في السجون السورية.

من سجن المزة نقلوا إلى فرع التحقيق وتركوا على مقاعد بهو السجن وأبلغهم السجّان أنه يمكنهم الدخول إلى الحمام إذا أرادوا: في تلك اللحظة تأكدوا أنه سيطلق سراحهم.

ومع ساعات الصباح الأولى نقلوا إلى مركز المخابرات السورية في عنجر، حيث قدّمت لهم سندويشات وعلب دخان وعصير وسمح لهم بالتجوّل في محيط المركز، فجلس بعضهم أمام المركز تحت أشعة الشمس يتحدثون مع عناصر المخابرات السورية.

عند الساعة 6 مساءً تقريباً التقوا العقيد محمد غانم الذي صافحهم مهنئاً بالسلامة وطالباً منهم نسيان المرحلة السابقة التي كانت قاسية على الجميع: وهناك مرحلة تعاون جديدة بدأت ثم عقد خلوة صغيرة مع جوزف جعجع وجان أنطون.

 

وفي هذا الوقت كان قد وصل ضابط الشعبة الثانية في البقاع (اللواء) جميل السيد والتقى المفرج عنه، ووضعت اللمسات الأخيرة لنقلهم الى معبر الدوار.

لم يمض وقت حتى انطلقت السيارات التي تقل المفرج عنهم ترافقهم سيارات للشعبة الثانية وكانت آخر سيارة تغادر هي التي تقل جوزف جعجع وجان أنطون وكان محمد غانم رافقهما اليها وصافحهما مجددًا مودعًا.

ويصف أحد ضباط الجيش اللبناني وكان متواجداً وقتها عند حاجز الدوار تلك اللحظات بالقول: وصلت 3 سيارات تقل المعتقلين وأنزلتهم على بعد أقل من 100 متر من الحاجز فنزلوا يحملون أغراضهم وطلب منهم أحد الضباط السوريين التقدم برفقته سيراً على الأقدام الى حيث يقف ضباط الجيش اللبناني، لكنهم وقفوا جميعهم قرب السيارات التي أقلّتهم ولم يتقدموا فتفاجأ الجميع واذ تصل سيارة متأخرة بضع دقائق كان فيها جان أنطوان وجوزف جعجع وبعد نزولهما تقدّما الى حيث ضباط الجيش اللبناني فتبعهما باقي المفرج عنهم: تبيّن أنهم ومن دون إيعاز من أحد لم يرغبوا بالتقدم قبل المسؤولين عنهم.

ويروي الأستاذ جان عبيد تلك اللحظات فيقول: "وصلت السيارات ونزل منها الشباب ولكن تفاجأنا أنهم بقوا واقفين قربها ولم يتقدموا باتجاهنا رغم الطلب منهم التقدم، هنا همس في أذني قائد الحرس الجمهوري: ما رح يتقدموا تا يوصل جوزف جعجع فالأعلى رتبة يتقدم أولاً".

 

أضاف مبتسمًا: "لحظات ووصلت آخر سيارة وفيها جان أنطون وجوزف جعجع فبدأ باقي المفرج عنهم بالتحرك، فرغم سنوات السجن ما زالوا يعرفون الأصول العسكرية فيجب أن يتقدمهم الأعلى رتبة لذلك انتظروا وصول جوزف جعجع، لكنه أفسح المجال ليتقدمه جان أنطون. وتبعهما باقي المفرج عنهم".

لاحقاً قال أحد ضباط الحرس الجمهوري وكان متوجداً عند معبر الدوار وقتهاً: "أنا من عائلة بزمانها ما كانت كتائب أو قوات بس وقت شفت هالمشهد أمامي كيف الشباب واقفين منتظرين وصول قائدهم وكيف مشوا خلفه في صف واحد مرفوعي الرأس لا يلتفتون خلفهم ولا حواليهم أحسست كأنهم يقولون: طز بسنوات الاعتقال ما غيرت قناعاتنا.

ما فيك ما تحترم هيك شباب صلبين.

ركب جوزف جعجع وجان أنطون مع الوزير جان عبيد وتوزع باقي المُفرج عنهم على سيارات المراسم ووصلوا الى قصر بعبدا، وكان الرئيس أمين الجميّل في انتظارهم وبعد تهنئتهم بالسلامة وتقديم الضيافة وضعت في تصرف كل معتقل سيارة لنقله الى منزله.

في اليوم التالي توجه جوزف جعجع وجان أنطون ورفاقهم المفرج عنهم الى بكفيا ووضعوا أكاليل من الغار على ضريح الرئيس بشير الجميّل والتقوا الشيخ بيار الجميّل.