الهلع من قساوة المعاملة في المبنى "ج" في سجن رومية وراء انتحار القاصر؟

ما كاد خبر وفاة سجينين في أقل من 48 ساعة في سجن رومية يتصدر مواقع التواصل الإجتماعي في العاشر من الشهر الحالي، حتى ارتفعت الأصوات المطالبة بإعادة النظر بواقع السجون في لبنان. وآخرها تغريدة للواء أشرف ريفي صباحا رأى فيها أن "تكرار الحوادث الكارثية في سجن رومية يضيف إنذاراً للدولة على إنذار بأن القنبلة الموقوتة تكاد تنفجر. ولفت إلى أن مأساة السجن ستتحول إلى مأساة وطنية".

وكحل جذري طالب بتطبيق قانون العقوبات لجهة مدة التوقيف الإحتياطي في الجنح والجنايات للموقوفين، وإقرار قانون العفو بالنسبة للمحكومين.

صرخة حق. لكن السؤال الذي يطرح لماذا يُقدم قاصر يدخل السجن للمرة الأولى على الإنتحار بعد أقل من 24 ساعة على توقيفه؟

المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي سارعت إلى إصدار بيان توضيحي أفادت فيه  أن القاصر ويدعى ع. ك. من مواليد عام 2007، مكتوم القيد، والموقوف بجرم سرقة وتأليف عصابة، نُقل بتاريخ 10 أيار من فصيلة الرملة البيضاء في بيروت إلى المبنى "ج" في سجن رومية المخصّص لاستقبال السجناء الجدد بهدف متابعة أوضاعهم الصحية بإشراف ممرّضين تابعين لمنظمة الصحة العالمية.وبعد معاينة جثّة السجين من قبل طبيب شرعي، تبيّن أنّه قضى شنقاً، مشيرة إلى غياب أيّ آثار لعنف محتمل.

أمّا بالنسبة إلى السجين الثاني ويدعى أ.ط من مواليد العام 1991 فلسطيني الجنسية فكان موقوفاً بجرم مخدّرات، وقد توفي في 8 من الشهر نفسه بعد نقله إلى المستشفى. ولدى معاينة جثّته من قبل طبيب شرعي، تبيّن أنّ سبب الوفاة هو توقّف في عضلة القلب.

تعددت الأسباب والنتيجة واحدة. حالات وفاة تُسجّل في السجون اللبنانية  وقد وصل عددها منذ العام 2022 حتى اليوم بحسب المحامي في مجال حقوق الإنسان محمد صبلوح إلى حوالى 25 ، من دون أن تحرك الحكومة اللبنانية ساكنا ولم تفتح تحقيقا بالأسباب على رغم التقارير التي ترفعها المنظمات الإنسانية المحلية والعالمية وآخرها تقرير مفصل عن واقع السجون في لبنان والمعاملة اللاإنسانية التي يتم التعامل بها مع السجناء والمقدم من قبل 14 منظمة محلية ودولية إلى المقررين الخاصين في الأمم المتحدة منذ حوالى 4 أشهر.

في تقرير مديرية قوى الأمن الداخلي إشارة إلى أن أسباب وفاة القاصر ناتجة عن عملية إنتحار. أما لماذا أقدم على فعلته؟

المعلومات تقاطعت بحسب مصادر مطلعة وأفادت "المركزية" أن والد القاصر وأعمامه يتعاطون المخدرات وهي المرة الأولى التي يدخل فيها السجن. من هنا، ترجح أن يكون أصيب بحالة هلع نتيجة الأخبار المتداولة عن الأوضاع داخل السجون لا سيما أنه تم وضعه في المبنى "ج" وهو المبنى الذي يتم وضع كل موقوف جديد فيه بهدف الحجر والتأكد من عدم إصابته بأي مرض أو بفيروس كورونا.

لكن..ما أدراكم بواقع المبنى"ج" يقول صبلوح. فهذا المبنى موصوف بالمعاملة القاسية والسيئة فيه منذ افتتحه وزير الداخلية الأسبق نهاد المشنوق، وبالإجراءات الصارمة التي تتخذ بحق الموقوفين وقد كان مخصصا للموقوفين الإسلاميين والمتهمين بجرائم الإرهاب لكن تم دمج سجناء آخرين فيه لاحقا. ويضيف "الأكيد أنه عند وصول القاصر إلى هذا المبنى بنية حجره كما يحصل مع كل الموقوفين، شعر بالخوف ربما بسبب سوء المعاملة التي يتلقاها السجناء من قبل السجانين  ولطالما طالبت المعنيين بالتدخل وإعادة النظر بهذه المعاملة.

عند وصوله طلب القاصر الإتصال بوالدته لكن لم يسمح له. هدد سجّانيه بأنه سيقدم على الإنتحار. لم يؤخذ بكلامه. وما هي إلا ساعات على دخوله المبنى ج حتى أقدم على الإنتحار شنقا. وأقفل الملف كما العادة. أما السجين الثاني الذي توفي قبله بيومين فيشير صبلوح إلى أن الوفاة حصلت نتيجة تناوله كمية زائدة من الأوكسيجين الممزوج بمادة السبيرتو وقيل بأنه أعدها لتخدير أوجاعه مما أدى إلى وفاته.

إلى المعاملة الموصوفة بالقاسية، يشير صبلوح إلى أن سجناء المبنى "ج" لا يتعرضون للشمس مطلقا وكان تلقى وعدا من المعنيين بأن يصار إلى هدم سقف الباطون ووضع آخر من النايلون  يسمح بدخول الشمس. لكن شيئا من ذلك لم يتحقق.ويسأل: لماذا تم إحضار قاصر إلى هذا المبنى في حين كان يفترض وضعه في مبنى الأحداث ليتم التعامل معه على أساس أنه قاصر؟

ويختم متحسرا على واقع السجون المزري في لبنان "على أمل أن يصل الجواب على التقرير الذي قدمته 14 منظمة محلية ودولية  تعنى بحقوق الإنسان إلى الأمم المتحدة وإلا توقعوا أن لا يصمد صمام امان "القنبلة الموقوتة".

عبارة تعترض عليها المرشدة الإجتماعية في سجن رومية وبيروت وجبل لبنان ريتا الأسمر وتقول لـ"المركزية" "إنهم يحثون السجناء على أن يكونوا قنبلة موقوتة لأن الكلام عن الواقع المأساوي الإجتماعي والصحي داخل سجن رومية فيه الكثير من التضخيم. صحيح أن نوعية الأطعمة اختلفت ولا إمكانية لدى السجناء بالشراء من حانوت السجن ولا الإستشفاء وتلبية النداء بالسرعة القصوى كما كان يحصل قبل اشتداد الضائقة المالية والإقتصادية. أما أن يقال بأن واقع السجون أقرب إلى القنبلة الموقوتة فهذا أمر مبالغ فيه.

وتضيف، حتى الحل المُخطط والمرسوم له بإصدار عفو عام ليس واقعيا. الحل يكمن بإعادة كل السجناء من غير اللبنانيين إلى بلادهم ومحاكمتهم وفق القوانين المرعية الإجراء وبذلك نكون خفضنا نسبة 65 في المئة من معدل الإكتظاظ ...عدا ذلك لا نتوقع حلولا ناجعة على المدى القريب والمتوسط، تختم الأسمر.