انتقادات تشجب "إغفال حضور الأرثوذكس وظيفيّاً"

يقرّر الوزراء التكليف الوظيفيّ في خضمّ مرحلة الشغور المؤسساتي وعدم انتظام الإدارات الرسمية وغياب القدرة على التعيين في وظائف الدولة الأساسية في ظلّ حكومة تصريف الأعمال.

ويرتّب ذلك تعدّداً في الانطباعات السياسية المثنية أو المنتقدة على حدٍّ سواء، خصوصاً إذا لم يكن التكليف قد لاقى موافقة لاعتبارات اجتماعية أو طائفية.

وكانت ظهرت هذه الإشكالية أكثر بعدما اتخذت وزارة الداخلية اللبنانية قراراً في تكليف نجوى سويدان بمهام مركزين شاغرين، مفسّرةً أنّ "التكليف كان لضرورات الخدمة وحسن سير العمل في كلٍّ من المديرية الإدارية المشتركة والمديرية العامّة للأحوال الشخصيّة في وزارة الداخلية والبلديات وقد جاء التكليف وفقاً للأصول القانونية حتى ملء المنصبين". ثم تسارعت وجهات النظر المرحّبة في تكليف نجوى سويدان أو المعارضة له على نطاق نواب ووزراء وسياسيين، حيث أكّد كثرٌ على "كفاية نجوى سويدان وخبرتها في الإدارة"، في موازاة انتقادات رفضت الطريقة التي حصل فيها التكليف بشكل أساسيّ. والجدير ذكره، أنّ التنويه في تكليف هذه الموظفة المارونية بالمركزين شمل سياسيين من توجّهات متنوّعة، لكن الانتقادات الرئيسية لم تطاولها شخصياً إنما استنكرت طريقة التكليف بدايةً، كما لناحية اعتبار أن ثمّة غياباً لمراعاة حضور الأرثوذكس في مناصب أساسية.

وقد جاءت الانتقادات المستنكرة "إغفال حضور الأرثوذكس" في الوظائف من نواب أرثوذكسيين في مقدّمهم نائب رئيس الحكومة سابقاً وعضو تكتل "الجمهورية القوية" النائب غسان حاصباني، الذي يقول لـ"النهار" إنّ "أيّ كلام عن الموضوع ليس بمثابة انتقاص من أهمية أشخاص كلّفوا في مواقع وظيفية وليس بمثابة تقليل من حيازة الكفاية المطلوبة، لكن الإشكالية الأولى تكمن في تكليف عميدٍ في مرحلة سابقة، تلاه حالياً العمل على تكليف آخر بالطريقة ذاتها من وزارة الداخلية في موقعين كلّفت بهما نجوى سويدان. لا يتمحور الموضوع حول مسائل طائفية، لكن من الضروري مراعاة أصول توزيع الوظائف على نطاق مراكز الإدارة العامة، بعدما أثار التغافل عن تكليف موظّفين من الطائفة الأرثوذكسية استفهامات وانزعاجاً من عدد كبير من أبناء الطائفة الذين عبّروا عن إشكالية بدأت منذ فترة. وتكمن المعضلة الأساسية في غياب مراعاة الحضور الأرثوذكسيّ في وظائف الدولة اللبنانية رغم أن ثمّة كفايات كثيرة يمكنها أن تشغل مراكز أساسيّة. ويضاف إلى ذلك عدم اتّباع المعايير القانونية في التعيينات والتكليفات".

وبحسب انطباعات غسان حاصباني، ما حصل بمثابة "تقصير في حق طائفة وتجاهل للكفايات الأرثوذكسية في الدولة والإدارة، ما نرفض حصوله من الأساس. إنّ الموقف ليس منطلقاً من أسس طائفيّة لكن لكلّ مكوّنٍ لبنانيّ كفاياته ولا بدّ من مراعاة هذه المسائل في الوظائف أو المواقع البديلة على حدٍّ سواء. إنّ عدم مراعاة الكفايات الموجودة لدى الأرثوذكس يقصي مكوّناً لبنانياً أساسياً، ما يتكرّر في مراكز عدّة كانت شغرت أو حصلت تكليفات فيها مع اتجاه وجهاء الطائفة الأرثوذكسية نحو معالجة هذه الإشكالية بهدوء. والجدير ذكره، أن الخطوات الأرثوذكسية المتّخذة هدفها الاعتراض على ما يحصل من قبل جميع الذين يهمّهم الأمر كخطوة أولى، مع ضرورة أن تؤخذ الخطوات في الاعتبار من صانعي القرار المباشرين أو من يحصل الإيعاز إليهم بالخفاء في التكليفات الإدارية".

في التفاصيل، كانت نجوى سويدان تشغل بدايةً رئاسة قسم القضايا والشؤون القانونية في ملاك وزارة البيئة أي أنّها موظفة دولة من الفئة الثالثة، ثم نقلت إلى ملاك وزارة الداخلية والبلديات وتولّت رئاسة القسم في قائمقامية جبيل، قبل أن تشغل لاحقاً مهاماً بالإنابة كان شغلها قائمقام جبيل. وتطرح علامات استفهام حالياً حول تكليفها في منصبين شاغرين في وزارة الداخلية لا بمنصب واحد فقط، واعتبار أن التكليف في مركز المديرية العامة للأحوال الشخصية يحصل عادةً من داخل المديرية لا من خارجها ومن موظفي الفئة الثانية. لكن التخريجة القانونية تبقى ممكنة انطلاقاً من متضلعين قانونيين، ذلك أن تكليف نجوى سويدان في مهام المديرية الإدارية المشتركة كوظيفة من الفئة الثانية يمكّن الوزارة الانطلاق منه بغية بلورة التكليف الآخر في المديرية العامة للأحوال الشخصية كوظيفة فئة أولى. لكن، كان للشغور في مؤسسات الدولة وعدم انتظامها أن سبّب كلّ هذه الإشكاليات، ذلك أنّ المبدأ الأساسي يكمن في أهمية وجود حكومة كاملة الصلاحيات تعمل على تعيين موظفين في إدارات الدولة بالأصالة.

ماذا عن المنطلقات القانونية والدستورية حيال أسس التكليف بعد أي شغور في الوظائف الأساسية على نطاق الدولة اللبنانية؟ انطلاقاً من التفاصيل التي يشير إليها الرئيس السابق لمجلس القضاء الأعلى ولمجلس شورى الدولة الدكتور غالب غانم، "لا بدّ من البحث عن عدم شغور المرفق العام في المبدأ الأساسيّ. وبعد التأكيد على هذه النقطة، من الحريّ النظر في التكليف بالإنابة أو الوكالة بحسب النظام والقانون، إذا لم ينصّ القانون تلقائياً على تكليف أحد الذين يشغلون منصباً آخر في استلام المركز الشاغر في الإنابة بعد تقاعد شاغله أو استقالته". ويقول غالب غانم لـ"النهار" من منطلق قانونيّ، إن "لا مانع في المبدأ من تكليف موظّفة في منصبين إذا كانت في استطاعتها تأمين عمل المنصبين. ولا بد من الأخذ في منطلقات وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي حتى عمل على تكليف موظّفة في منصبين، علماً أنّ وزير الداخلية قاضٍ يهمّه تطبيق القانون ويتحدث دائماً عن ضرورة تطبيق القانون ولا أعتقد أنه يريد مخالفة القانون". ويأسف على "الواقع الذي وصلته الدولة اللبنانية في مرحلة ما قبل التقهقر النهائي في شوطٍ بسيط كواقع إداريّ، لأن غالبية المراكز في الفئة الأولى شاغرة أو لا يتكلّف فيها موظفون، مع ما يترافق من غياب للكفايات أو ضرب للتوازنات فيما يعيش لبنان مرحلة صعبة".

لا يغفل غالب غانم أنّ "الواقع الحالي لا يأخذ في الاعتبار ضرورة أن تكون المؤسسات العامة كاملة العدد مع مكلّفين بحسب القانون بالأصالة مع حكومة تتمتّع بالصلاحيات. طالما أن لا خيار في واقع البلد الحالي وسط حكومة تصريف الأعمال، فإنّ على الحكومة الحدّ الأدنى الضروريّ اللازم لاستمرار المؤسسات، خصوصاً أنّ التعيينات الأساسية يفضّل أن لا تحصل عن طريق حكومة تصرّف أعمالاً، لكن من حقّ الحكومة وواجبها الانتباه للمؤسسات حتى تنتظم انطلاقاً من رأي قانونيّ ينسجم مع أهمية استمرار المرافق العامة". يضيف، "لا بدّ أن لا يتسبّب التدبير المتخذ في أضرار، أو أن يبحث متّخذه عن الضرر الأدنى في حال كان لا بدّ منه. يعتبر الوضع في الدولة مخيّباً وسط تراكم الأخطاء والأوضاع السياسية الحالية، مع أهمية انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة وانتظام المؤسسات العامة التي تحتاج إعادة تكوين في معظمها".

وهل من الأساسيّ مراعاة أصول طائفية محدّدة في التعيينات أو التكليفات الوظيفية؟ من ذهنيته القانونية كرئيس مجلس شورى الدولة سابقاً، يقول "لستُ مع الطائفية إنّما مع الكفاية والجدارة والشفافية، لكن طالما أنّ هناك من يتصرّف في لبنان كمجموعة أنسجة وطالما أن هناك المادة 95 في الدستور التي يُفهم منها أنها تنصّ على إنهاء الطائفية السياسية كليّاً، إلا أنّ حفاظاً على التوازن في وظائف الفئة الأولى، حبّذ الدستور أن تكون وظائف الفئة الأولى مناصفة بين الشريحتين اللبنانيّتين الأساسيّتين. لكن هناك نقطة ثالثة في المادة 95 تنصّ أيضاً على الوظائف الأخرى خارج الفئة الأولى، وفق ما حصل في المؤسسات الأمنية، وهي تنصّ حول أن تتحرّر الوظائف من الطائفية مع ضرورة مراعاة مقتضيات الوفاق الوطني". ويستنتج غالب غانم أنّ "المادة 95 تنصّ على إلغاء الطائفية السياسية لكنّ الهيئة الوطنية لم تشكّل حتى اللحظة. إذا لم يحصل إلغاء الطائفية السياسية فإنّ المناصفة أساسية في وظائف الفئة الأولى؛ ولا بدّ من مراعاة مقتضيات الوفاق الوطنيّ في الفئات الأخرى مع ضرورة عدم إهمال مبدأ الكفاية. إن المادة 95 من الدستور اللبناني مثالية في الهدف وواقعية في المرحلة الانتقالية".