بالأمس كانوا هنا...

الرابع من آب 2022 الذكرى الثانية لانفجار مرفأ بيروت... كأنّها البارحة. وما زلنا نعيش في ذهول عن الذات وبل في أرق من حزن على فراق الأحبة الموجع. فنناجيهم وأهاليهم، شوقًا إليهم وتحرّقًا عليهم. نفيق متعبين كل صباح والنَفس ممزقة حتى الموت، لولا إيماننا بعدالة السماء، حيث الأحبة في فردوس المحبة والهناء.

 

‏الرابع من آب 2020 كان قاسيًا علينا، فأبعد الأحبة عنا، وبات العمر موحشًا بعيدًا عنهم. وها نحن نبكي حالتنا عذابًا وضياعًا، وقد غاب لون الفرح عن أعيننا وفارقتنا النكهة التي كنا نحسّها مؤنسة من كلماتهم ومجالساتهم الفرحة. كانوا ملء وجود في الحياة كمن لا مثلها.

 

‏أما اليوم فنقف في قلب العواصف، ونرى كل شي متغيرًا بعدهم عمّا كان له معهم. ألأنهم لا يشيعون حولهم من روحهم الطيبة؟

 

‏الرابع من آب 2020 جريمة مروّعة وقدر أعمى مطبق على لبنان، تهدّدنا شياطينه، تسرح وتمرح أمام أعيننا، وليل بلادنا يزداد ليلًا دون فجر يطل على مدارج الأنس فيها، في ظلّ عدالة غائبة او مغيّبة، ودولة منهارة، ومسؤولين نخرهم سوس الفساد والجهل، وشعب مقهور.

 

إنه ليحزّ في النفس أن يعود الرابع من آب هذا العام ولم تعد إلى لبنان شمسه وعافيته بعد، ولا اطمأن فيه إلى غده خاطر، ولا بانت فيه حقيقة او عقاب، ولا قُدّر للوطن ان يفيد من دماء شهدائه ولا من عبقرياته المهاجرة. إنّها لأحداث فاجعة دهمنا بها الزمن القهار، وزجّ في أتونها أحباء بعمر الورود تمزقت، من وباء كورونا إلى انفجار المرفأ، فالأزمة الاقتصادية المالية والاستيلاء على مدخرات الناس. لقد باتت الحياة عندنا مسالك وعرة يلفّها الظلام. أزمات سياسية، قضائية، اجتماعية صحية تربوية وأخلاقية، وشلل في كافة إدارات الدولة ومؤسساتها، كلها أمور تنذر بانفجار واسع - أين منه انفجار المرفأ - قد يطيح ما تبقّى من لبنان في غياب الاصلاحات والمساعدات.

 

‏إنّ لبنان يمتلك قدرات للتعافي لكنه مفكّك الوصال، متعدّد الرؤوس والميول والأهواء بين شرق وغرب، ويتجّه بسرعة نحو الانهيار الشامل، وهو يناديهم للدفاع عن كرامته وكرامة شعبه، ولكن لا حياة لمن تنادي.

 

أي قيمة لدولة من دون رئيس مسؤول ومن دون سيادة وحرية واستقلال؟ متى نعي أن لا قيامة لنا إن لم نبنِ نحن المصير على هوانا، فنعمل جدّيًا على الاصلاحات وخطة تعافٍ ومحاسبة المسؤولين لإعادة بناء الثقة والدولة؟

 

لن يهنأ لنا بال حتى يسود العدل وتظهر الحقيقة ويُسحق الباطل ويعود لبنان وطن الأنسان.

 

نعم، غاب الأحبة عنا في الرابع من آب 2020، ونبكيهم بدموع حرّة، لكننا ما زلنا نراهم بضميرنا، في الله أمام وجهه قائمين به حالًا كوكبيًا دائمي الحضور بنا وحولنا كما عرفناهم حتى نلتقي في مراقي الصفاء.

 

أعطنا يا رب الصبر والقوة والسلوان، كي نعمل من أجل بقاء لبنان سيدًا حرًا، قائمًا على الألفة والعدل والأخلاق وكرامة الإنسان.