المصدر: المدن
الكاتب: جاسنت عنتر
الجمعة 28 تشرين الثاني 2025 00:39:53
هناك "برودة في التعاطي من الجانب الأميركي تجاه لجنة الميكانزم بعد إلغاء زيارة قائد الجيش لواشنطن|". هذا ما تؤكّده مصادر عسكرية مطلعة على عمل اللجنة الخماسية. وتوضح هذه المصادر أنّ عدم اكتراث واشنطن في المرحلة الحالية بعمل اللجنة، يرتبط بعدم إعطاء الأولوية للمسار العسكري في الميكانزم، في وقت يبدو فيه الجانب الإسرائيلي مستمراً في مواقفه التصعيدية.
مع ذلك، تكشف مصادر مطّلعة لـ"المدن" أنّ السفير الأميركي ميشال عيسى زار اليرزة بعد إلغاء الزيارة، برفقة وفد من المستشارين العسكريين في السفارة، حيث عقد لقاء مع قائد الجيش العماد رودولف هيكل. وتشير مصادر في "اليرزة " إلى أن القيادة تعمل عبر مختلف قنواتها لإعادة العلاقة مع الجانب الأميركي إلى مسارها الطبيعي وإعادة ضبط التواصل بعد التوتر الأخير.
الميكانزم… أولوية لبنانية لا أميركية
بحسب مصادر عسكرية، يظهر بوضوح أن واشنطن لا تعطي الشقّ العسكري من آلية الميكانزم أولوية في الوقت الراهن. ويتقاطع ذلك مع المواقف الإسرائيلية العلنية والمسرّبة، التي تشكك في أداء لجنة مراقبة وقف الأعمال العدائية وتعتبره غير كافٍ. وتبقى للميكانزم أهمية في الشق التفاوضي الذي قد يسلك مساره في الأشهر المقبلة، خصوصا أنّ الجانب الأميركي يرحّب بفكرة التفاوض عبر اللجنة "+" أي بإضافة مدنيين وشخصيات دبلوماسية، لتصبح على شكل لجان مشتركة. كما يؤيّد الجانب اللبناني فكرة التفاوض عبر هذه اللجنة، خصوصا في إطار التفاوض العسكري، كما جرى في التفاوض البحري.
في المقابل، تؤكد المصادر أن الجيش اللبناني ملتزم كلياً الخطة الموضوعة، لا سيما المرحلة الأولى منها، والتي تنص على حصر السلاح جنوب الليطاني. وعلى رغم الظروف المناخية الصعبة في هذا الفصل، خصوصاً في القطاع الغربي من الجنوب، يواصل الجيش تنفيذ مهامه، ويلتزم المهلة المحددة حتى نهاية العام الحالي. ومن المقرر أن يرفع قائد الجيش تقريره الشهري في كانون الأول لتأكيد تقدم العمل، على رغم ضعف الإمكانات اللوجستية والعسكرية.
ما بعد إلغاء الزيارة… رسائل ضغط لا محاسبة
تعتبر مصادر عسكرية أن "الضغوط على الجيش تضعفه"، خصوصاً في مرحلة حساسة يعمل فيها على فرض سلطة الدولة وتطبيق بنود وقف إطلاق النار. وتوضح أن الدعم الأميركي يبقى أساسياً للمؤسسة العسكرية، خصوصاً أن المساعدات تأتي على شكل معدّات حيوية، ووفق بروتوكولات محددة.
وبعد إلغاء زيارة اللواء هيكل لواشنطن على خلفية امتعاض أميركي من بطء تطبيق مقررات الحكومة، سرت معلومات عن احتمال وقف المساعدات. إلا أنّ المصادر ترى أن الأمر أقرب إلى رسالة سياسية موجهة للرئاسة والحكومة أكثر من كونه استهدافاً للجيش أو لقائده. وتشدد على أن العلاقة بين قائد الجيش والجانب الأميركي ما تزال جيدة، وأن المسار يتجه إلى التهدئة.
رسائل إسرائيلية مباشرة… والجيش يتحمّل الكلفة
لم يكن إلغاء زيارة قائد الجيش واشنطن عابراً، بل حمل رسائل سلبية واضحة تجاه الدولة اللبنانية. غير أن هذه الرسائل لم تكن أميركية فحسب، إذ سبقتها، بحسب مصادر سياسية مطلعة تحدثت إلى "المدن"، إشارات إسرائيلية أكثر حدّة، استُخدمت فيها الغارات الجوية كأداة ضغط ورسالة سياسية وعسكرية في آن. وتشير المصادر إلى أن استهداف مواقع قريبة من ثكنات الجيش اللبناني في الجنوب لم يكن عملاً عشوائياً أو مرتبطاً فقط بـ "الحزب"، بل شكّل تحذيراً مباشراً للمؤسسة العسكرية. فالإسرائيلي، عبر هذه الضربات، أراد القول إنّه يعتبر أن الجانب اللبناني لا يقوم بدوره كما يجب، ضمن التفاهمات المتعلقة بوقف الأعمال العدائية، وحصر السلاح جنوب الليطاني. وتضيف المصادر أن تل أبيب حاولت من خلال هذه الضربات رفع سقف التهديد، والإيحاء بأن هدفها قد لا يقتصر على "الحزب"، إذ اعتبرت إسرائيل أنّ الجيش يتقاعس عن تنفيذ ما يُفترض به تطبيقه في المرحلة الراهنة، سواء ما يتعلق بخطة الانتشار أو ضبط السلاح.
وبحسب المصادر، فقد وصلت الرسالة بوضوح إلى بيروت، ما جعل هامش المناورة محدوداً جداً. لذلك باتت الخيارات محصورة بين اثنين لا ثالث لهما:
• الذهاب إلى مسار تفاوضي أكثر تنظيماً مع الجانب الإسرائيلي عبر القنوات الدولية.
• متابعة تنفيذ خطة الجيش بدقة، لإغلاق أي ذرائع قد تستغلها إسرائيل للتصعيد أو لتبرير استهداف مواقع إضافية.
وترى المصادر أن الموازاة بين مساري التفاوض وتطبيق الخطة، أصبحت ضرورة ملحّة، ليس فقط لحماية الجنوب، بل أيضاً لحماية الجيش الذي يجد نفسه اليوم في موقع "الضحية" بين الضغوط الإسرائيلية، والرسائل الأميركية، والتوقعات السياسية الداخلية.
في الجنوب… زيارة رئاسية وتركيز دولي على دور الجيش
تكتسب زيارة رئيس الجمهورية لقطاع جنوب الليطاني أهمية لافتة، إذ استمرت نحو ثلاث ساعات. واطلع خلالها الرئيس عون مباشرة على سير تنفيذ الخطة العسكرية. وتقول المصادر إن الزيارة شكّلت دفعة قوية لعمل الوحدات المنتشرة، التي تعمل "كخلية نحل"، وفق توصيف العسكر. وتشهد المنطقة في الأيام الأخيرة حركة دبلوماسية كثيفة، إذ تتوافد الوفود السياسية والعسكرية للقاء الجيش واليونيفل. وتشير معلومات "المدن" إلى أن الاهتمام الدولي يتركز حالياً على دور الجيش في المرحلة التي تلي انتهاء ولاية اليونيفل نهاية العام المقبل، ما يضع على عاتق القيادة مسؤوليات إضافية في ضبط الحدود وتعزيز احتكار السلاح بيد الدولة.