بعد اطلاق مشروع "النقل المشترك"... طليس: تسعيرة خاصة للطلاب قيد الدراسة

لطالما شكّل النقل العام المتطور مطلبا أساسياً للبنانيين، لكنه بقي لسنوات طويلة حبيس الخطط غير المُنجزة والوعود المؤجلة. وفي ظل غياب حلول رسمية فعّالة، اضطر المواطن إلى اللجوء لوسائل نقل خاصة، ما ساهم في تفاقم أزمة السير وتضخم أعداد السيارات على الطرقات.

واليوم، وبعد كل الالحاح أصبحت "باصاب" الدولة على الطرقات. فهل اختبرتم تجربة النقل المشترك مع الدولة؟ أم ما زال الحذر سيد الموقف؟

بعد كل هذا الانتظار ومع العهد الجديد، يبدو أن الدولة أدركت أهمية هذا القطاع الحيوي. ففي خطوات فعلية لتفعيل شبكة النقل المشترك، أطلقت وزارة الاشغال والنقل "باصات" عامة بدأت في بيروت، واليوم وصلت الى بعض مناطق الجنوب ومنها صور، كما وأصبح العمل جادا أكثر على توسيع الخطوط ، وربما إعادة إحياء سكك الحديد.

لم تكن مشكلة النقل في لبنان محصورة فقط بعدم توفّر باصات مجهّزة وآمنة، بل تتعدّاها إلى غياب عنصر الأمان داخل وسائل النقل العام نفسها. فـ "باصات" الدولة وسيارات الأجرة، رغم ضرورتها، باتت بيئة غير آمنة للكثير من الراكبين، وعلى وجه الخصوص طالبات الجامعات والسيدات اللواتي يواجهن يوميا خطر التحرّش اللفظي والجسدي دون رادع فعلي.

وفي ظل هذا الواقع، يصبح الحديث عن تطوير النقل العام ناقصا، ما لم يُرفق بإجراءات جدية تضمن السلامة والكرامة لكل راكب، لا سيما الفئات الأكثر هشاشة.

وفي إطار سعيها لتطوير قطاع النقل العام، أطلقت وزارة الأشغال مشروع "النقل المشترك"، واضعة إياه ضمن أولوياتها كخطوة إصلاحية أساسية. ولم تبخل الوزارة على المشروع بالإمكانات، فجهّزت "الباصات" الجديدة بأعلى معايير الأمان والراحة للمواطنين، في محاولة جدية لاستعادة ثقة اللبنانيين بوسائل النقل العامة.

تتميز هذه الباصات بمنظومة مراقبة حديثة، تشمل كاميرات داخلية لرصد أي مخالفات، سواء من السائقين أو الركاب، إلى جانب تنسيق مباشر مع الأجهزة الأمنية، لمتابعة الانتهاكات وضبط أداء السائقين بما يتوافق مع القوانين المرعية.

طليس: العائق الوحيد هو نقص الباصات

وفي هذا المجال أكد رئيس "اتحادات ونقابات قطاع النقل البري" في لبنان بسام طليس لـ "الديار"، أن "خطة النقل المشترك المطروحة من قبل وزارة الأشغال، تشمل جميع المناطق اللبنانية من دون استثناء. إلا أن العائق الأساسي الذي يواجه تنفيذ هذه الخطة بشكل كامل، يتمثل في عدم توفر عدد كافٍ من الباصات". وأوضح "أن تأمين المزيد من الآليات سيسمح بتوسيع خطوط النقل، لتصل إلى مناطق مثل جزين وجبل لبنان والشمال، إضافة إلى بعلبك – الهرمل"، مشيرا إلى "أن الوزارة مستعدة للعمل على هذا التوسيع بمجرد توفر الإمكانات اللوجستية".

وفي ما يتعلق بتحديد تسعيرة النقل، أوضح "أن العملية تتم بناءً على حوالى 17 معيارا، من أبرزها: سعر المحروقات، أجور السائقين، كلفة الصيانة، رسوم الميكانيك ورسوم الضمان. وهذه المعايير تُدرس بتنسيق تام بين وزارة الأشغال والنقابات المعنية، لضمان عدالة التسعيرة واستدامتها".

وعن تخصيص تسعيرة مخفّضة للطلاب مع انطلاق العام الدراسي، أعلن طليس "أن هذا الخيار مطروح على طاولة البحث بالتعاون مع وزارة الأشغال، ويجري العمل عليه بهدف إيجاد صيغة تلبي حاجات الطلاب وتراعي قدراتهم المادية".

آراء مُنقسمة

وفي جولة ميدانية في شوارع بيروت، ومنها منطقة الكولا التي تعج بـ "الباصات" ووسائل النقل، والتي تعتبر نقطة تجمع وانطلاق "الباصات" الى مناطق خارج بيروت منها الجنوب وحاصبيا وغيرها... استطلعت "الديار" آراء عدد من المارّة ومستخدمي النقل العام، حول تجربتهم مع "باصات" النقل المشترك التابعة للدولة. فكانت الآراء منقسمة، فبينما عبّر بعض الركاب عن "دعمهم الكامل لأي مبادرة حكومية تُعيد إحياء النقل العام، وأشادوا بتحسّن مستوى الأمان والتنظيم فـ"الباصات الجديدة"، رأى آخرون "أن المشروع لا يزال في مراحله الأولى ويعاني من بطء في التنفيذ، إضافة إلى محدودية خطوطه، مقارنةً بشبكة الباصات الخاصة التي تغطي نطاقا أوسع، وتوفر مرونة أكبر في التنقل".

وخلال الجولة، عبّرت عدد من النساء والفتيات عن ارتياحهن لإجراءات السلامة المعتمدة في "باصات" النقل المشترك، خصوصا تجهيزها بكاميرات مراقبة داخلية. واعتبرن أن هذه "الخطوة تعكس جدية الدولة في حماية الركاب، وتُشكّل الطمأنينة والراحة"، لا سيما للنساء اللواتي كثيرا ما واجهن مضايقات أو تحرّشا في وسائل النقل غير المراقبة.

وبحسب ما أفادت بعضهن ، فإن وجود الكاميرات لا يمنح فقط شعورا بالأمان، بل يعزز أيضا الثقة بالمبادرات العامة، ويشجّعهن على استخدام النقل المشترك كخيار فعلي للتنقّل اليومي.

كما وتمنى البعض الآخر على الدولة "بالإسراع بمد خطوط نقل جديدة تشمل كافة المناطق في لبنان، وبتسريع عملية التنقل من والى المكان، ما يزيد من فرصة استخدام النقل المشترك".

مقارنة بالاسعار

منذ انطلاق "باصات" الدولة في شوارع لبنان، لم تُطرح المنافسة مع القطاع الخاص كأولوية، لكن المقارنة في الأسعار تبقى مشروعة ومن حق كل مواطن. فبمقارنة بسيطة يمكن أخذ عينة من وسائل النقل في صيدا، فبينما يعتمد النقل المشترك تسعيرة ثابتة وهي 100 ألف ليرة من صيدا- ساحة النجمة الى مستديرة الكولا، تصل كلفة الرحلة ذاتها عبر إحدى الشركات الخاصة المعروفة في صيدا إلى 200 ألف ليرة.

لا تقتصر الفروقات في تسعيرة النقل على المقارنة بين "باصات" الدولة والشركات الخاصة، بل تمتد لتكشف تفاوتا كبيرا حتى بين الشركات الخاصة نفسها. فبمجرد توسيع البيكار، يتبيّن أن التسعيرات تختلف بشكل لافت، رغم أن المسافات والخدمات المقدّمة تكاد تكون متماثلة.

فعلى سبيل المثال، حددت إحدى الشركات الخاصة الشركة "أ" كلفة النقل من مطار رفيق الحريري الدولي إلى صيدا بـ52$، في حين قدّمت شركة أخرى الشركة "ب" نفس الخدمة مقابل 30$ فقط. أما في اتجاه بيروت- طرابلس، فقد بلغ سعر الرحلة مع الشركة "أ" 77$، مقابل 50$ فقط لدى الشركة "ب".

يبقى تطوير قطاع النقل العام في لبنان من الأولويات التي لا غنى عنها، لا سيما في ظل الأزمة المعيشية والازدحام المروري المتفاقم. فمشاريع الدولة الجديدة في مجال النقل المشترك تمثل خطوة مهمة، لكنها تحتاج إلى دعم مستمر وتوسع سريع وضمان أعلى معايير السلامة والأمان لكل الركاب.

وفي المقابل، يبقى السؤال: هل المواطن مستعد اليوم للقيام بواجبه تجاه هذه الوسائل من حيث النظافة والمحافظة عليها؟ أم سيكون مصير هذه المبادرات مثل مصير الكثير من المشاريع الحكومية التي تتلاشى بسبب الإهمال والتقصير؟