بعد اليونفيل: خيار UNTSO يتقدَّم

عام تقريباً يفصل عن موعد انتهاء مهمة اليونيفل، بعد 47 عاماً على تأسيسها. هذه القوة التي تأسست إبان الاجتياح الاسرائيلي لضمان الانسحاب ومساعدة لبنان على بسط سيادة الدولة، تستعد لإنهاء مهمتها في ظرف إقليمي معقّد مجهول الآفاق. فصحيح أن الاجتياح زال، لكن إسرائيل تحتل منذ انتهاء حرب الإسناد تلالاً لبنانية وتشكّل مناطق عازلة، لا يبدو أنها ستخرج منها قبل إنهاء حالة حزب الله العسكرية والعقائدية مهما كان الثمن. ومن المنطلق نفسه، تواصل اعتداءاتها على لبنان من خروقات برية وجوية وبحرية. إذاً، الوضع على الحدود في غاية الدقة، وهو ما يتطلب رعاية دولية بعد انتهاء ولاية اليونيفل تسمح بتوثيق الخروقات. 

 

صيغة لبنان لما بعد اليونيفل

 لا تزال المرحلة المقبلة ضبابية في ما خص الجهة التي ستملأ الفراغ بعد انتهاء ولاية اليونيفيل، ولبنان منفتحٌ على جميع الطروحات، فيما علمت "المدن" أن بين الإقتراحات التي تقدمت بها وزارة الخارجية تولّي المنظمة الدولية لمراقبة اتفاقية الهدنة (UNTSO) هذه المهام. فعناصر المنظمة موجودة في لبنان منذ تأسيسها في العام 1947 للقيام بمهام مراقبة اتفاقية الهدنة والحدود المعترف بها دولياً. ويميل لبنان إلى هذا الطرح، لأن التكليف لا يتطلب تجديد التفويض بفعل وجود المراقبين منذ سنوات وهم يعملون تحت مظلّة اليونيفل.

 في ظل سياسية تخفيض الميزانية التي تنتهجها الولايات المتحدة الأميركية في الأمم المتحدة، يعتبر لبنان أن خيار UNTSO هو الأقل تكلفة نظراً لعدد المراقبين الضئيل البالغ 53، مقارنة مع عديد اليونيفل البالغ 10 آلاف تقريباً، إلا إذا تمت الموافقة على رفع عديدهم إلى حدود معيّن مع نقل بعض قدرات قوات حفظ السلام إليهم، علماً أن ذلك سيحتاج إلى إدخال بعض التعديلات على التفويض. ويقترح لبنان أن تتولى الـUNTSO مهام الوساطة والمراقبة وإعداد التقارير، لكون هذا الجهاز يعمل تحت مظلّة الأمم المتحدة من دون الحاجة إلى التسلّح، على اعتبار أنه بحلول العام 2027 من المفترض أن يصبح الجيش قادراً على القيام بكل الأدوار التي تنفذها اليونيفيل اليوم، المختلفة عن الوساطة والمراقبة. وأولوية لبنان أن تتم المراقبة من قبل المجتمع الدولي، لأن العمل تحت هذه المظلة يضمن حيادية الجهة المراقبة التي يتوجب عليها رفع تقارير دورية عن تطبيق القرار 1701 وتفاهم وقف الأعمال العدائية إلى مجلس الأمن والأمين العام للأمم المتحدة. 

ولا يعتبر لبنان أن الاستعانة بقوى إقليمية أو تطوير آلية الميكانيزم هو الحل، بل إن الأكثر فعالية هو إيجاد آلية عاملة تحت المظلة الدولية قد تكون الدول المنتسبة إلى جامعة الدول العربية والشريكة في الميكانيزم، جزءاً منها. وعليه، فان الدولة اللبنانية منفتحة على أي طرح تحت الرعاية الدولية قد يكون مشابهاً لتكليف الـ UNDOF التي تراقب اتفاق فض الإشتباك بين سوريا وإسرائيل منذ العام 1947. 

جوجلة دبلوماسية واستطلاع للرأي اللبناني حول الجهة التي ستتولى مراقبة تطبيق القرار 1701، بعد انتهاء ولاية اليونيفيل نهاية العام 2026، استحوذا على حيز أساسي من الحراك الدبلوماسي في بيروت خلال الأيام الأخيرة. وخلال المباحثات التي أجراها وفد ممثلي مجلس الأمن مع المسؤولين اللبنانيين، استمع الأعضاء إلى رؤية لبنان من دون أن يقدّموا صيغاً جاهزة وحاسمة. رئيس المجلس الممثل لدولة سلوفانيا اقترح، وفقاً لمعلومات "المدن"، بقاء اليونيفيل مع إدخال تعديلات على مهامها، لكنه وسط الظروف الإقليمية والمعارضة الإسرائيلية المدعومة بالموقف الأميركي، لا يبدو أن هذا الطرح سينضج. فكما بات معروفاً أن الغاء دور اليونيفيل ليس مرتبطاً بالتمويل فقط، وإنما بدورها الرقابي. إذ تقول مصادر أممية إن اليونيفيل بدأت تقليص عديدها بهدف الحد من الإنفاق، وأنه بحلول العام 2026 ستصبح الهيكيلة متوافقة مع الميزانية المقبولة، ما يعني أن قرار إنهاء مهامها بعد عام هو سياسي لا مالي.

 

الدول التي ترغب في الانضمام

 بالتوازي، وصلت إلى لبنان رسائل برغبة بعض الدول كإيطاليا (1099 عنصراً في اليونيفل حالياً) وإسبانيا (824 عنصراً حالياً (وفرنسا (762 عنصراً حالياً)، في استمرار مساهمتها في حفظ الأمن على الحدود بعد انسحاب اليونيفل وهو ما رحب به رئيس الجمهورية خلال لقائه بالموفد الفرنسي جان إيف لودريان. بعض الدول الأوروبية تطمح لتشكيل قوة أوروبية يتم تمويلها عبر الإتحاد الأوروبي أي خارج إطار الأمم المتحدة. لكن الفكرة لم تنضج بعد. وكما قال السفير الفرنسي هيرفي ماغرو في بيروت، بعيد لقائه بوزير الخارجية يوسف رجي، إن الاقتراحات المتعلقة بمرحلة ما بعد اليونيفيل هي في عهدة وفد مجلس الأمن الذي زار بيروت، من دون أن ننسى الحماسة البريطانية لبناء أبراج على الحدود الجنوبية. 

 

إسرائيل واليونيفل نحو طريق اللاعودة

لسنوات لم تكن المواجهة الحادة بين اليونيفيل وإسرائيل مألوفة كما بانت في الأشهر الأخيرة، وتحديداً بعد المعركة الدبلوماسية التي شهدها التجديد لليونيفيل. وليس تفصيلاً أن يصرح قائد قوات اليونيفيل الجنرال ديوداتو أباغنار للقناة 12 العبرية بأن ما تقوم به إسرائيل في جنوب لبنان هو انتهاك دائم وفاضح لقرار مجلس الأمن 1701، مضيفاً أنه ليس لدى اليونيفيل أي دليل إلى أن حزب الله يعيد بناء قدراته. أتى ذلك بعد إعلان اليونيفل سلسلة خروقات إسرائيلية، بينها تخطي الخط الأزرق في يارون وشن سلسلة غارات إسرائيلية في منطقة عمليات قوات حفظ السلام في جنوب لبنان "فيما تواصل القوات المسلحة اللبنانية عملياتها للسيطرة على الأسلحة والبنى التحتية غير المصرح بها في جنوب لبنان".

 

 بيانات تكفي لتؤكد أن وجود اليونيفيل لن يكون مريحاً لإسرائيل بعد الآن. ومن هنا، يجري البحث عن صيغة تراعي موازين القوى الدولية، لاسيما فرنسا، الشريك الأساسي في قوات حفظ السلام، وأميركا التي ستلعب دور الوسيط مع إسرائيل وستستكمل من خلال هذا الدور رسم معالم الشرق الأوسط. لبنان إذاً ليس اللاعب الوحيد في هذه المعركة، وهو يعوّل بشكل أساسي على دور شركائه الأوروبيين. لكنه، وفي جميع الأحوال، يؤكد على أن استطلاع رأيه يبقى أمراً أساسياً في كل مراحل التفاوض لكونه دولة مستقلة، وبعثاته الدبلوماسية في الخارج ستواصل عملها بزخم لتأمين أفضل صيغة أممية تساعد الجيش على استكمال مهامه وتضمن أمن لبنان واستقراره.