المصدر: الراي الكويتية
الأربعاء 22 تشرين الأول 2025 01:12:14
تزداد الغيومُ الداكنةُ في سماء لبنان على وقع انقشاعِ الرؤيةِ في غزة على مسارٍ «ممنوع العودة عنه» وينغمس فيه الرئيس دونالد ترامب بـ «قضه وقضيضه» شخصياً وعبر أذرعه الرئيسية المنخرطة «على الأرض» في إنجاح الخطوة الأولى من «بازل» سلامٍ تشكل «بلاد الأرز»ـ القطعة الثانية فيه.
وعلى وهج طلائع تصعيد اسرائيلي، ميداني ونفسي، عبّر عنه تَوَغُلٌ بري في نقطة حدودية حيث أعلنت تل أبيب تدمير مرابض تابعة لـ «حزب الله»، إضافة إلى «تمشيطٍ» واسع من الجوّ بمسيَّرات لم تفارق أجواء مناطق واسعة من لبنان وحلّقت إحداها فوق القصر الجمهوري في بعبدا (الاثنين) ثم السرايا الحكومية في بيروت (الثلاثاء)، فإنّ هذه «المراكمة» على الصعيد العسكري والتي كان سَبَقَها تدشينُ مرحلةِ التدمير الممنهَج للبنية التحتية للإعمار بغاراتٍ جارفة لها، اكتسبتْ أبعاداً أكثر إثارة للمَخاوف في ضوء ارتكازها على أجواء في غزة تؤشر إلى أنّ واشنطن عازمة على أن تهبّ «عاصفةُ السلام» من القطاع ولو اقتضى الأمرُ المرورَ بـ «تسونامي نار» جديد.
ولم تعُد أوساط مطلعة تُخْفي أن الواقع اللبناني بات محكوماً بمعادلة «إذا أردتَ أن تعرف ماذا سيحصل في بلاد الأرز عليك أن تُحْسِن قراءة ماذا يجري في غزة»، وسط دعوتها الى التدقيق في معاني تظهير ترامب نفسه، وكأنه «قائد الحلفاء» بعدما قدّم نفسه قبل أيام بمثابة «القائد الأعلى للقوات الاسرائيلية» التي تبقى «رهن كلمة مني للعودة إلى القتال» في غزة.
ففي وقت كان ترامب يؤكد أن «حلفائي العظماء» سيرحّبون بفرصةِ دخول غزة و«تأديب حماس» بناء على طلبي إذا استمرّت في «التصرف بشكل سيئ، وأكدتُ لهم ولإسرائيل أن الوقت لم يحن بعد للتدخل عسكرياً ضدها»، متوعداً بالقضاء عليها وبنهايةٍ لها «ستكون سريعة وعنيفة ووحشية ما لم تلتزم بالاتفاق»، فإن الأوساط المطلعة حذّرت من أن لبنان يقف على أعتاب مرحلةٍ بالغة الدقة في ظل مفاضَلة صعبة تجعله يبحث عن موازنةٍ شبه مستحيلة بين عدم الانجرار إلى مواجهة مع الحزب على خلفية ملف سحب سلاحه، وبين عدم استدراج مواجهةٍ مع اسرائيل على «الجبهة» نفسها.
طيَّ صفحة التفاوض
وتعاطتْ هذه الأوساط بقلقٍ كبير مع مَلامحِ ارتفاعِ درجةِ الغليان في «طنجرةِ الضغطِ» اللبنانية، خصوصاً في ضوء تبدُّد مفاعيل «التنفيسة» التي شكّلتْها مبادرةُ رئيس الجمهورية العماد جوزف عون الى دعوةِ اسرائيل لمفاوضات حول المسائل العالقة على قاعدة «ربط لبنان» بقطار تسوية الأزمات في المنطقة بالتفاوض، وهو ما كان لقي ارتياحاً خارجياً، قبل أن يباغت رئيس البرلمان نبيه بري الداخل والخارج بنعي هذا المسار وإعلان «لم يعد هناك من مسار دبلوماسي قائم، سوى العمل ضمن الآليّة المتَبعة عبر لجنة الإشراف على تنفيذ اتفاق وقف النّار (الميكانيزم)»، كاشفاً أن «الموفد الأميركي توم براك أبلغ لبنان بشكل رسمي أنّ إسرائيل رفضت مقترحاً أميركياً يقضي بإطلاق مسار تفاوضي، يُستهلّ بوقف العمليّات الإسرائيليّة لمدّة شهرين، وينتهي بانسحاب من الأراضي اللّبنانيّة المحتلّة، وإطلاق مسار لترسيم الحدود وترتيبات أمنيّة».
وتوقفت الأوساط عيْنها عند أن طيَّ بري صفحة التفاوض، وهو ما قوبل بعدم صدور أي تعليق من عون، جاء على وهج التصريحاتِ المدجّجة بتحذيراتٍ مما يَنتظر لبنان التي أطلقها براك في منشورٍ بدا على طريقة «اللهم اشهد اني بلغت» - رغم الطابع «الوداعي» لمهمته اللبنانية التي ربما انطوى عليها - وأكد الرؤية الأميركية لموقع «بلاد الأرز» في «الشرق الجديد»، ومحورية سحب سلاح الحزب وتحرك الدولة «الآن» في هذا الاتجاه باعتباره من ضماناتِ أمن اسرائيل، وللولايات المتحدة هو تحقيقٌ لإطار العمل الذي وضعه ترامب على قاعدة «السلام عبر الازدهار»، وللمنطقة الأوسع هو إزالة أحد أهمّ أذرع إيران، إلى جانب «حماس».
ودعت الأوساط في ضوء هذه الأبعاد الاستراتيجية غير الخافية لملف سلاح «حزب الله» إلى عدم الاستهانة بمضامين ما أعلنه براك خصوصاً دعوته «لمحادثات أمنية وحدودية مع إسرائيل»، وتحذيره من أنه «إذا استمرّت بيروت بالتردّد في قضية السلاح فقد تتصرّف إسرائيل منفردة، وعندها ستكون العواقب وخيمة» و«إذا فشل لبنان في التحرّك، فإنّ الجناح العسكري لحزب الله سيكون حتماً أمام مواجهةً كبرى مع إسرائيل».
وبرز كلام مستشار الرئيس الأميركي للشؤون الأفريقية مسعد بولس، عن أن «محادثات السلام في المنطقة قد تتوسع لتشمل سورية ولبنان»، وسط التعاطي معه على أنه إشارة إضافية إلى أن واشنطن ليست في وارد التراجع عن قضية سَحْبِ سلاح الحزب وبالسرعة التي يقتضيها المسار المتسارع في المنطقة، وفي ظل خشيةٍ من أن يكون انسدادُ مَنْفَذِ التفاوض باباً لرياح ساخنة جديدة تطرق باب «بلاد الأرز» خصوصاً أن «حزب الله» يرتاب من أي مفاوضاتٍ وحتى غير مباشرة لن تَعني إلا وَضْعَ ترسانته «رسمياً» برسْم تفكيكٍ لن يَقبل ترامب بأن يُخاض على قاعدة «خُذ وطالب» بل «خُذ وخُذ».
وفي الوقت الذي اعتُبر بروز ملف التفاوض، وبمعزل عن مآل المقترح و«أبوّته»، مؤشراً لا لبس فيه إلى أن اتفاق 27 نوفمبر لوقف النار، وآلية «الميكانيزم» تجاوزتْهما الأحداث واقعياً، فإن قبول لبنان بمبدأ التفاوض وإن غير المباشر لتحقيق أهداف الاتفاق، ولو بعد محاولةِ الحصول على تعهد بوقف الاعتداءات أولاً، شكل وفق الأوساط عينها بمثابة إقرارٍ ضمني بذلك وذهابٍ في اتجاه حلّ «السلة الواحدة والكبيرة» أي الحل النهائي والمستدام.
متاعب بيروت... تتعمّق
وإذ يسود ترقب لِما اذا كان مجلس الوزراء سيتطرق في جلسته، الخميس، إلى ملف التفاوض أم لا، جاء موقف «حزب الله»، وبلسان أمينه العام الشيخ نعيم قاسم ليزيد المخاوف مما يَنتظر لبنان ويعمّق متاعب بيروت بعدما تضمّن إشاراتٍ إلى رَفْضِ مسار التفاوض والتمسك فقط بتطبيق اتفاق وقف النار بآلياته الذاتية.
فقد أعلن قاسم أنّ «المسؤولين في لبنان ليسوا موظفين عند أميركا ولا نقبل أن يكونوا كذلك»، مشدداً على أنّ «التدخل الأميركي سيئ جداً في لبنان والمنطقة»، معتبراً أن «لا شيء جديداً عملياً سوى أن أميركا تحاول أن تأخذ بالسياسة ما لم تتمكن أن تأخذه إسرائيل بالحرب».
وتوجّه للإدارة الأميركية وبراك، بالقول «كفى تهديداً للبنان من أجل إعدام قوته وجعله جزءاً من إسرائيل الكبرى»، مشيراً إلى أنّ «استقرار لبنان يتحقق من خلال كف يد إسرائيل»، مضيفاً «لا يمكن أن يعطي لبنان إسرائيل ما تريده ولا أميركا ما دام هناك شعب أبي وتضحيات كبيرة قدمت وقابلة لتقدم».
وأشار إلى أنّ «إسرائيل لا تريد تطبيق اتفاق وقف النار وإنهاء النزاع بينها وبين لبنان، لأنها تريد ابتلاع لبنان وإلغاء وجوده»، مشدداً على أنّ «من يظن أن إلغاء سلاح حزب الله ينهي المشكلة مخطئ لأن سلاحه جزء من قوة لبنان. ونحن لا يؤثر بنا التهديد، وطبِّقوا الاتفاق، فلبنان طبّقه وكل المناورات والضغوط هي استنزاف وتضييع للوقت».