بعد رفع الدعم عن حليب الأطفال وفقدانه… الرضاعة الطبيعية هي الحلّ؟

تتوالى الأزمات تباعاً وتُغرق اللبنانيين أكثر في العوز والفقر، قرارات متشعبة يدفع ثمنها المواطن، وآخرها قرار رفع الدعم عن حليب الأطفال في ظلّ تعذّر مئات العائلات عن تأمين البديل.
وفي شباط 2022 شارك قطاع التغذية في لبنان بمسح نفّذته وزارة الصحة بدعم من 9 شركاء تقودهم اليونيسف ومنظمة العمل ضدّ الجوع، حول التغذية، حيث جرى في الربع الثالث من العام 2021، وشمل 3550 طفلاً و9200 امرأة في سنّ الإنجاب، وأظهر معاناة نحو 200 ألف طفل دون سنّ الخامسة من أحد أشكال سوء التغذية، مثل فقر الدم ونقص النمو (التقزّم) ومرض الهزال. وتشير التوقّعات إلى ارتفاع تلك الأرقام بشكل كبير ما لم تُتّخذ إجراءات مشتركة سريعة.
 
وبيّنت نتائج المسح في لبنان أنّ 9 من كلّ 10 أطفال، تتراوح أعمارهم بين 6 أشهر و23 شهراً، لا يتلقّون الحدّ الأدنى من النظم الغذائيّة المقبولة اللازمة لصحتهم ونموّهم وتطوّرهم.
 
وبحسب المسح، هناك نحو 7 في المئة من أطفال لبنان يعانون من ضعف النموّ الشديد، و1.8 في المئة من عموم الأطفال يعانون من سوء التغذية الحادّ، في حين يعاني 41 في المئة من الأطفال من فقر الدم.
 
في المقابل، 70 في المئة من أطفال لبنان لا يحصلون على الرضاعة الطبيعية الحصرية، بينما يحصل أكثر من 60 في المئة من حديثي الولادة على الرضاعة الطبيعية في وقت مبكر، إلّا أنّ 47 في المئة فقط منهم يستمرّون في الحصول على الرضاعة طوال 23 شهراً.
 
علماً أنّه في العام 2015، أشار المدير الوطنيّ لمؤسسة الرؤية العالمية في لبنان الدكتور ريين أنّ "نسبة الرضاعة الطبيعية الحصرية نحو 14.7 في المئة فقط للأطفال ما دون الستة أشهر ".
 
لكنّ المشكلة ليست في رفع الدعم وإنّما في توفّر الحليب في الصيدليات، وفي جولة على بعض الصيدليات في منطقتي الزلقا وجلّ الديب بدا الحال واحدًا "لم نستلم بعد الحليب بعد قرار رفع الدعم". يتشارك الصيادلة جميعاً الجواب نفسه مؤكّدين أنّهم لم يستلموا بعد أيّ علبة جديدة على السعر الجديد، في انتظار تسليم الكمية المطلوبة.
في حين استلمت بعض الصيدليات ثلاث علب ما زالت مدعومة، وما زال سعر العلبة الواحدة 160 ألف ليرة لبنانية. في انتظار استلام الكميّات الجديدة وفق السعر غير المدعوم.
وفي هذا الصدد، يوضح نقيب الصيادلة جو سلّوم لـ"النهار" أنّ "الصيدليات لم تستلم بعد الحليب على السعر غير المدعوم لأنّ المستوردين لم يتسنَّ لهم استيراد الكمية بعد، وخطوة رفع الدعم جاءت لتشجيع المستورد على الاستيراد، ويحتاج إلى أسبوع لطلبها."
ويتوقّع النقيب توفّر الحليب بعد أسبوعين تقريباً في الصيدليات، في حين يبقى الإقبال عليه قيد المتابعة، خصوصاً في ظلّ الأزمة المالية التي تخنق الكثير من العائلات.
 
ينتظر أحد الآباء في الصف في الصيدلية، يسأل الصيدليَّ "هل وصلت علبة الحفاضات"؟ ليُجيبه الصيدليُّ: "من المفترض تسلّمها في اليومين المقبلين". وعن سؤاله عن تأمين الحليب لابنه البالغ من العمر سنة واحدة، يؤكّد لـ"النهار" أنّه "اضطرّ منذ شهرين إلى استبدال حليب الأطفال الخاصّ بحليب النيدو باعتباره أرخص وأكبر، وسيكون الخيار الأفضل له في ظلّ انقطاع الحليب سابقاً وارتفاع سعره الحاليّ."
 
"لا بديل عن حليب الأم"، قد يكون هذا الشعار الذي رفعته وزارة الصحة في العام 2015 الحلّ الأنسب اليوم للأطفال دون سنّ الستة أشهر، بعد قرار رفع الدعم عن حليب الأطفال وتردّي الأوضاع المعيشية أكثر فأكثر.
 
 
فما هي مخاطر عدم حصول الطفل على التغذية المطلوبة خصوصاً أنّ 70 في المئة من اللبنانيين يعيشون تحت خطّ فقر متعدّد الأبعاد؟
 
يؤكّد رئيس قسم طبّ الأطفال في المركز الطبّي للجامعة اللبنانية الأميركية -مستشفى رزق الدكتور جيرار واكيم لـ"النهار" أنّنا "أمام مشكلة حقيقة للأمهات اللواتي لا يمكنهنّ الرضاعة، لذلك كان يجب إبقاء الدعم على حليب الأطفال حتى عمر السنة على الأقل، كي لا نواجه مشاكل صحية ناتجة عن سوء التغذية السليمة والصحيحة للطفل. فقرار #رفع الدعم عن الحليب في ظلّ الأزمة الاقتصادية والمالية ستُسبّب زيادة في تأخّر نموّ الطفل الذي لا يتلقّى التغذية اللازمة، مع العلم أنّنا بدأنا نرى أطفالاً يعانون أكثر فأكثر من نقص في الفيتامينات والتغذية بسبب الأزمة الاقتصادية."
وعن المخاطر الصحية الناتجة عن سوء التغذية عند الأطفال، يُعدّد واكيم أهمّها وهي نقص الكالسيوم والفيتامينات، تأخّر في النموّ، مشكلة في الوعي والإدراك وتأثيرها على قدراتهم على التعلّم. فحليب الأم يحتوي على الفيتامينات والأهمّ يحتوي على الغلوبين المناعيّ (IgA) التي تعزّز مناعة الرضيع وتحميه من الفيروسات والجراثيم والالتهابات، ولا يمكن الحصول عليها في حليب البودرة. لذلك ننصح بالرضاعة بين 6 أشهر و9 أشهر بالإضافة إلى الغذاء المكمّل في الشهر السادس الذي يدعم التغذية الضرورية واللازمة للطفل.
 
ولكن حتى الرضاعة مرتبطة بظروف نفسية وضغوط اجتماعية، وهذا ما يتحدّث عنه واكيم "اذ أنّ الرضاعة اليوم مصحوبة بضغوط وقلق نتيجة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، والتي تنعكس بعدم درّ الحليب بشكل كافٍ. فمن المهمّ جدّاً الحديث عن هذه الناحية أيضاً، وعلى الدولة أن تكثّف جهودها للتوعية حول أهمية الرضاعة الطبيعية وتأمين الظروف الملائمة وتشجيع الأمهات على الرضاعة الطبيعية".
 
فهل نشهد انفراجًا في ملفّ حليب الأطفال، أم أنّ الأزمة ستبقى تدور في الدوامة نفسها طالما أنّها مرتبطة في موافقة المركزي؟ وهل سيتمكّن أطفال لبنان من أن يتغذّوا بشكل صحيح بعد رفع الدعم؟ الأيام المقبلة ستكشف الكثير.