بيتر جرمانس يدفع ثمن الثورة

مع اشتداد حدة العاصفة التي نتجت عن ثورة 17 تشرين الأول المنصرم، قررت قيادة الجيش البقاء على مسافة واحدة من الثوار وأهل السلطة واعتماد المعادلة الذهبية التي أطلقها قائد الجيش العماد جوزيف عون وهي "منع قطع الطرقات من جهة، ومن جهة أخرى حماية المتظاهرين السلميين".

وعلى غرار قيادة الجيش كان ملفتا بقاء المحكمة العسكرية بعيدة عن التوظيف السياسي في تلك الحقبة إذ لم نشهد ملاحقات قضائية للثوار أمام المحكمة العسكرية، الشيء الذي كان مألوفا إبان الإحتلال السوري للبنان وحقبة حكم النظام الأمني اللبناني السوري فترة التسعينيات وبين العامين 2001 و2005.

هذا الدور المتّزن للمحكمة العسكرية لم يأتِ وليد صدفة وإنما نتيجة قرار أخذه مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي بيتر جرمانوس بعدم الإنجرار إلى حملة تسخير القضاء لأغراض سلطوية، هذا ما أكدته لنا مصادر قضائية رفيعة المستوى. ورغم الضغوطات التي مورست عليه من جهات سياسية- قضائية مقرّبة من دوائر القصر الجمهوري، إلا أنه رفض الإنصياع إلا لصوت الضمير وأبقى المحكمة العسكرية خارج البازار الحاصل للإنقضاض على الثورة.

طبعا هذا القرار لم يكن ليكون من دون ثمن، خاصة وأننا في بلد يعتمد دستوره مبدأ الفصل التام للسلطات كما نصّ عليه مونتيسكيو، لكن هذا الفصل التامّ لم يتحقّق بعد بفعل تأثير السياسيين على سير عمل السلطة القضائية، إن في مسألة إجتماع المجلس الأعلى للدفاع وحضور مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية فيه، أو لناحية التشكيلات القضائية التي يضعها مجلس القضاء الأعلى ويبدي وزير(ة) العدل ملاحظاته عليها وبالتالي يؤخذ بهذه الملاحظات، فإن من المرجح، ان تكون، في التعيينات المرتقبة، نيّة للسلطة السياسية بتدفيع القاضي جرمانس ثمن أدائه الحيادي وعدم استشراسه لقمع الثورة.

وما يقطع الشك باليقين هو غياب القاضي بيتر جرمانوس عن اجتماع المجلس الأعلى للدفاع بعدما امتنع رئيس الجمهورية ميشال عون عن دعوته لحضور الإجتماع الجمعة. وهكذا علمنا من مصادر مطّلعة ان القاضي جرمانوس يتجّه للخروج الكبير من المشهد القضائي استباقا لحفلة تصفية الحسابات داخل فريق الثامن من آذار.

جيلبير ج. رزق