بين الدعوة الى الحوار وفخ نسف الدستور

بعد عودته الى باريس ينكب الموفد الرئاسي الفرنسي الوزير السابق  جان ايف لودريان على جوجلة المواقف التي جمعها من مختلف الأطراف اللبنانية في ما يتعلق بأزمة الفراغ الرئاسي المستعصية. وفيما ينتظر ان يلتقي خلال اليومين المقبلين  المرشح جهاد ازعور لاستكمال حلقة الاتصالات وتجميع المواقف، يتوقع ان يرفع خلال الأيام القليلة المقبلة تقريرا الى الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون يضمنه حصيلة الاتصالات في لبنان، ومجموعة من التوصيات، قد يكون أهمها استكمال حلقة الاتصالات الفرنسية مع الشركاء في "خماسية باريس " المعنيين بالازمة اللبنانية اما بالدعوة الى اجتماع  قريب في باريس او في احدى العواصم الأربعة الأخرى. 

ما نعرفه هنا ان الجانب الفرنسي يتطلع دائما الى دفع الرياض الى مزيد من الانخراط في الازمة اللبنانية، وقد تكون العاصمة السعودية المكان المفضل للفرنسيين لعقد الاجتماع لما ينطوي المكان عليه من دلالة و رمزية في هذه المرحلة. 
وباريس اقرب في هذه المرحلة الى رفع مستوى التواصل مع طهران في ما يتعلق بلبنان على الرغم من إصرار الأخيرة على إحالة كل ما يمت بصلة بلبنان الى "حزب الله " تحت شعار ان "ايران لا تتدخل في الشؤون الداخلية للبنان"! 
طبعا هذا كلام موجه للاستهلاك الإعلامي  ليس إلا. فتدخل ايران تحصيل حاصل من خلال "حزب الله" الذي يمثل فصيلا من فصائل الميليشيات الايرانية المنتشرة في المنطقة تحت قيادة "فيلق القدس " التابع ل"الحرس الثوري " الإيراني، وهو بالتالي جزء لا يتجزأ من تركيبة النظام الأمنية والعسكرية والسياسية في الإقليم. ومن هنا فإن تدخل ايران فوق الطاولة قد يكون هدف باريس المقبل، لحلحلة الازمة اللبنانية على طاولة إقليمية، بدلا من العمل على طاولة محلية في لبنان تغرق فيها الأطراف المحلية في تفاصيل لا ترى باريس انها مفيدة في هذه المرحلة.
لكن ما يثير الريبة اليوم هي الدعوة المستجدة للحوار التي يطلقها اركان من  "حزب الله"، حيث يصل بعضهم الى الاعتراف علنا بعدم القدرة على إيصال مرشح الحزب سليمان فرنجية في ظل الفيتو المسيحي الشامل. 

وتتضمن الدعوة الى الحوار التي لا تزال غامضة المضمون اسقاط كل الشروط المسبقة، والجلوس على طاولة لم تطرح لها اطر، ولا بنود واضحة. لكن الحقيقة ان الحوار الجدي هو الذي يتضمن بندا واحدا فقط، ألا وهو البحث في سلة أسماء لمرشحي تسوية، على قاعدة سحب متبادل ومتزامن لمرشحي الفريقين الكبيرين في البلد. اما ترك الأمور غامضة وقابلة لتوسيع الاطر فقد يكون فخا ينصبه "حزب الله" لاثارة مواضيع على صلة بتعديلات يريدها على النص الدستوري، تقوم على تحويل مجموعة من الأعراف المرفوضة التي ارستها بالامر الواقع ممارسات الحزب المذكور في الأعوام الماضية المستندة الى معادلة القوة، فيتم على سبيل المثال ادراج اعراف  اتفاق الدوحة وتطبيقاته الملتوية في متن الدستور اللبناني، وبالتالي دفن دستور الطائف علنا لصالح قيام معادلة جديدة، و صيغة سياسية جديدة يمكّن الحزب المشار اليه من إحكام سيطرته بالنص الدستوري.
ان أي حوار يجب ان يكون محددا بموضوع الرئاسة، ليس إلا، لأنه يجب منع "حزب الله" من فتح باب تغيير المعادلة  تحت ضغط الاختلال الفاضح في التوازن الذي يتسبب به سلاحه، واحتكامه اليه لدفع مشروعه لتغيير هوية لبنان على حساب البيئات اللبنانية الحرة.