بين "المثالية" و"الواقعية".. اللامركزية أو الفدرالية؟

في الآونة الأخيرة كثرت الأحاديث والتصاريح عن أن مشكلة لبنان هي مشكلة النظام المُعتمد في إدارة شؤون البلاد، فبناءً على ذلك بعض الأطراف تطالب بتطبيق الفدرالية وأخرى تطالب بتطبيق اللامركزية الإدارية، ومن هذا المنطلق إليكم تفاصيل أكثر عن النظامين والشروط اللازمة لتطبيقهما. أمّا السؤال الذي يطرح نفسه فهو "هل سيستطيع اللبنانيون تطبيق أحدهما؟"

يكمن الحلّ في لبنان أولاً بإرادة التغيير، فالنظام السياسي يحتاج حتماً لإعادة نظر من أجل تطويره أو تغييره إن لزم الأمر، وبالتالي للغوص أكثر بالفرق بين كلّ من اللامركزية والفدرالية، يجب الإلتفات إلى أن الأخيرة تُطبّق في البلاد الأكبر جغرافياً والتي تتعدّى فيها التعدّدية اختلاف المذاهب إلى تنوّع الشعوب والأعراق واللغات، حيث تقوم اتّحادية وتمنع التقسيم أو الإنفصال بين شعوبٍ تعالت على مشاكلها واختارت العيش معاً بعدالةٍ تصون خصوصياتهم، أمّا اللامركزية فتبدو بالشكل عمليّة أكثر في لبنان كونه لا يتعدّى الـ11 ألف كيلومتراً مربّعاً وكون أساس الإنقسام فيه هو التوازن الطائفي، ولإبعاد الشبهات عن الإنماء الذي "يُشرّع" مركزياً يتوجّب التوجّه إلى تصغير رقعة العمل بطريقة هادفة حيث المراقبة والمساءلة أسهل، ناهيك عن اعتماد اللامركزية في دستور الطائف عقب انتهاء الحرب اللبنانية ونجاح معظم بنودها التي تقدّم بها رئيس الكتائب النائب سامي الجميّل في امتحان اللجان النيابية، ويتوجّب إقرارها.

 

 

النظام الفيدرالي

الفدرالية هي شكل من أشكال الحكم تكون السلطات فيه مقسمة دستورياً بين حكومة مركزية أو حكومة فدرالية، ووحدات حكومية أصغر (الأقاليم، الولايات)، ويكون كلا المستويين المذكورين من الحكومة معتمد أحدهما على الآخر وتتقاسمان السيادة في الدولة. أما ما يخص الأقاليم والولايات فهي تعدّ وحدات دستورية لكل منها نظامها الأساسي الذي يحدد سلطاتها التشريعية والتنفيذية والقضائية ويكون وضع الحكم الذاتي للأقاليم، أو الجهات أو الولايات منصوصاً عليه في دستور الدولة بحيث لا يمكن تغييره بقرار أحادي من الحكومة المركزية.

وفي هذا الإطار، إن تطبيق الفدرالية يحتاج إلى العناصر التي تم ذكرها، ولذلك يجب الأخذ في الحسبان بأن بعض الجهات السياسية لا توافق على تطبيقها كونها تضرّ بمصالحها الشخصية والخاصة في آن معاً، فمن وجهة نظر تاريخية، إن الدول التي إعتمدت هذا النظام نجحت بإدارة شؤون شعبها المُتعدّد، لاسيما الولايات المتحدة الأميركية التي تضم 50 ولاية والإمارات العربية المتحدة وسويسرا التي يتواجد بداخلها 27 كانتوناً من مختلف الأعراق والمذاهب.

وبناءً على ذلك، يمكن أن ينجح اعتماد النظام الفدرالي في لبنان كون هذا البلد يحتوي على تعددية طائفية وسياسية، ولكن كما ذُكر سابقًا، سيعارض هذا النظام بعض الأطراف السياسية، لأن تطبيقه يعني القضاء على مصالحها، ومن هنا كون الفدرالية تعني "إتّحاد" مجتمعات في دولة واحدة فإن الولوج إليها يحتاج إجماعاً من الجميع، لكن الوضع القائم حالياً لا يسمح بأن يتحوّل لبنان إلى "الولايات المُتحدة اللبنانية".

 

اللامركزية الادارية

اللامركزية الإدارية هي نوع من التنظيم الإداري للدولة الموحّدة يقوم على نقل صلاحيات إدارية من الدولة المركزية إلى وحدات محلية منتخبة مباشرة من الشعب تتمتع بالاستقلالين الإداري والمالي، ممّا يسمح للسلطات المحلّية بتأمين الخدمات بعيداً عن "البيرقراطية" المركزية، وتُفعّل الجباية المحلّية وتنمية البنى التحتية بشكلٍ هادفٍ وفعّال.

وعدّة عوامل جعلت من اعتماد اللامركزية عنوانًا جامعًا وحاجةٍ مُلحّة. فنظريًا وبشكل عام إن من المتوافق عليه أنّ اللامركزيّة تراعي خصوصيّة الحاجات المحلّية وتمايزها إذ إنها ترتكز على التمييز بين المصالح المحليّة والمصالح الوطنيّة، فتترك الحكومة المركزيّة قضية إدارة الشؤون المحليّة لهيئات منبثقة من الشعب في وحدات الإدارة المحلية، وللمناطق حاجات تختلف من منطقة إلى أخرى، وأبناء هذه المناطق هم أدرى بحاجاتهم و"أقدر" على حلّ مشاكلهم من الموظفين الذين تعيّنهم الحكومة المركزية والذين يرتبطون بها مباشرةً، بتسلسل إداري هرمي، ويخضعون في ممارسة وظائفهم للروتين الإداري.

فتماشياً مع ما تم ذكره، يمكن إعتماد نظام اللامركزية وذلك لوقف عمليات السرقة والهدر الحاصلة داخل البلديات وإدارات الدولة كافة، لأن هناك قسم من الشعب اللبناني يدفع كامل المستحقات المتوجبة عليه، وفي المقابل لا يحصلون على أبسط حقوقهم التي يحتاجونها من طبابة وكهرباء وخدمات أساسية أخرى، أما القسم الآخر فيحصل على كامل حقوقه، ولكن من دون أن يدفع ممّا يتوجب عليه، لأن هذا القسم تحكمه أحزاب بيدها سلاح غير شرعي، وبالتالي لا تعترف بمؤسسات الدولة بل كل همها بسط نفوذ الدويلة على حساب هذه المؤسسات الشرعية.

أما في الشقّ الإداري، حين تتوزع مؤسسات الدولة وخدماتها في نطاق البلدية الواحدة، سيرتاح المواطنون بإنجاز معاملاتهم، لأنهم يعانون الأمرين عند الذهاب إلى الدوائر الرسمية، خصوصاً أن معظمها يتواجد داخل العاصمة بيروت والمدن الكُبرى أي مراكز المحافظات، ولذلك يجب الأخذ في الحسبان أن كلفة المواصلات أصبحت باهظة، ناهيك عن سعر صفيحة البنزين التي لامست عتبة الـ 2,000,000 ليرة لبنانية.

وفي هذا السياق، كان قد أكد رئيس حزب الكتائب اللبنانية النائب سامي الجميّل في كلمةٍ ألقاها خلال مؤتمرعقدته بلدية بكفيا المحيدثة تحت عنوان "بلديات لبنان بين الحياة والموت"، في "بيت المستقبل"، أن "اللامركزية هي الهاجس الأول وأحد الأهداف التي عملنا عليها"، مشدداً على "وجوب إقرارها وتفعيلها في لبنان"، لافتاً إلى أنّه تقدّم باقتراحِ قانونٍ "لفصل وزارة الداخلية عن البلديات للتفرغ لمتابعة هموم السلطات المحلية واللامركزية".

 

أخيراً وليس آخرا، لبنان بحاجة لتطبيق اللامركزية الإدارية في أسرع وقت ممكن، وإن لم يحصل الأمر فيجب البحث جدّياً بالفدرالية لأن اللبنانيين لم يعد بإمكانهم تحمّل السرقات والهدر والفساد داخل مؤسسات الوطن، فهم يريدون الحصول على أبسط حقوقهم أسوة بأي دولة متقدمة في العالم، وإلا فإن الهجرة ستبقى حلهم الوحيد، من هنا إن تمت معالجة إشكالية النظام السياسي، فكيف يُعالج ملفّ السلاح غير الشرعي المُهيمن على قرار الدولة؟