بين "بكفيّا" و"المختارة" قراءة مشتركة لِبناء لبنان جديد يُواكب التحولات الإقليمية!

تبدو الكتائب اللبنانية اليوم منسجمة في مقاربتها السياسية، لا سيّما حين يتحدّث بعض قيادييها عن العلاقة الثنائية المتينة مع "المختارة"، والتي تقوم على أسس واضحة وصلبة. هذه العلاقة تأتي في سياق قراءة مشتركة للتحوّلات الإقليمية، التي التقطها رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي السابق وليد جنبلاط، والذي شارك في ندوة سياسية في بكفيا تحت عنوان "تجاوز الانقسامات"، مؤكدًا خلالها على أهمية بناء لبنان جديد يواكب المتغيّرات، مع التشديد على ضرورة تحديث اتفاق الطائف وتطبيق بنوده المعلّقة، دون المساس بجوهره.

في الخلفية، هناك نية واضحة للتأكيد على مدّ الجسور السياسية بين الطرفين، تعكس نضوجًا واضح المعالم في رؤية الكتائب والمختارة واطلاعًا على خارطة الأحداث الداخلية والخارجية، وانفتاحًا على لقاءات سياسية مستقبلية، مبنية على قواسم مشتركة يمكن أن تمهّد لصيغة تحالف سياسي ما أو تعاون لأجل لبنان أفضل.

جنبلاط من جانبه، لا يزال متمسكًا بثوابته، وعلى رأسها وحدة الجبل القائمة على العيش المشترك بين الدروز والمسيحيين، ويُظهر واقعية سياسية في مقاربته للمرحلة المقبلة، مستوعبًا ما تحمله التطورات من مخاطر على الطائفة الدرزية، بدءًا من سوريا ومرورًا بلبنان. فالهواجس حقيقية من انقسامات داخل البيت الدرزي، وتهديدات تضرب النسيج الداخلي للطائفة.

في المقابل، تبدي بكفيا حرصًا على تطوير العلاقة مع جنبلاط، مع موقف حازم من العلاقة مع "حزب الله"، انطلاقًا من ثابتها السياسي الأبرز: رفض السلاح غير الشرعي واعتباره العائق الأساس أمام بناء دولة القانون والتوافق الوطني. من هنا، ترى الكتائب أن المصارحة السياسية تبقى السبيل الأمثل للخروج من الأزمة وحماية الاستقرار في ظل ما يشهده لبنان من توترات.

ولا يبدو أن "البيك" يغلق الباب أمام إعادة التواصل مع حلفائه السابقين، بل قد يسلك هذا المسار من بوابة الإرادة الدولية للدفع نحو السلام في الشرق الأوسط. فهو يدرك أنه لا يمكن للبنان أن يكون خارج الإجماع العربي – الغربي، لكنه يشدد في المقابل على ضرورة التفاهم الداخلي اللبناني أولًا، كشرط لأي تموضع إقليمي أو دولي جديد.

يأتي ذلك كلّه في أعقاب أكثر من عام على اندلاع النزاع بين الحزب وإسرائيل، الذي خلّف خسائر بشرية ومادية فادحة، وتسبّب بنزوح آلاف العائلات، وأثقل كاهل مؤسسات الدولة، ما يفرض اليوم قراءة سياسية جديدة، واقعية ووطنية، تضع المصلحة اللبنانية فوق أي اعتبار.