تجارة الحطب تقضي على الثروة الحرجيّة .. والإجراءات "من الموجود"

الثروة الحرجيّة في خطر.. هذا ما يُجمع عليه خبراء البيئة مطلع هذا الصيف، محذّرين من تجار "الفرَص" الذين يعمدون إلى افتعال الحرائق في أحراج عدد كبير من المناطق ذات الكثافة الحرجيّة، لحصد كميات كبيرة من الحطب وبالتالي رفع نِسَب أرباحهم من هذه التجارة "غير الشرعية" التي انطلقت في الأيام الأخيرة وأصبحت أكثر رواجاً في القرى، ليُباع طن الحطب بنحو 150 دولاراً أميركياً والمفتوح على تخطي سقف الـ500 دولار في موسم الشتاء المقبل.

صلاحيات الوزارات والبلديات متشعّبة في هذا المجال... لكن تبقى وزارة الزراعة الوصيّة الأولى على هذه الثروة التي تتهدَّد مع كل بداية صيف. فما هي تدابيرها للجم هذه الآفة التي تقضم "بصمت" أحراج لبنان؟ 

مدير "مديريّة التنمية الريفية والثروات الطبيعية" في وزارة الزراعة الدكتور شادي مهنّا يذكّر في السياق، "بالتراخيص التي تعطيها الوزارة لتشحيل الأشجار والأحراج والغابات، إن كانت تعود لأملاك خاصة أم بلدية أو للجمهورية اللبنانية، وكل مَن يملك عقارات خاصة يمكنه الاستحصال على ترخيص بعد أن يتقدّم بطلب في أقرب مركز للأحراج، فتلك المراكز موزّعة على كل الأراضي اللبنانية، على أن يلتزم الطلب بالشروط المحدّدة ويُحال إلى الوزارة لدرسه قبل إعطاء الترخيص".

لكن ما يحدث اليوم، يُضيف مهنّا، أن عمليات قطع الأشجار تنشط بوتيرة لافتة وبكميات كبيرة من دون أي ترخيص... ونقوم قدر المستطاع بتسطير محاضر ضبط في حق المرتكِبين، لكننا نواجه بعض المشكلات في هذا الموضوع:
- أولاً: لا تملك وزارة الزراعة ميزانية كافية لتأمين المحروقات وتغطية كلفة الصيانة لآليات حرّاس الأحراج للقيام بالدوريات المطلوبة.  
- ثانياً: النقص في العديد. إذ لدينا بين 140 و150 حارس أحراج موزّعين على كل لبنان، بينما يستوعب ملاك الوزارة ما يفوق الـ360، أي أننا نعمل بنسبة 40 في المئة تقريباً من قدرتنا البشرية.
- ثالثاً: محاضر الضبط. إن دور حراس الأحراج التابعين لوزارة الزراعة، تسطير محضر ضبط بالمخالفة وإحالته إلى القضاء للحكم به. في حين أن بند الغرامات في قانون الغابات ينصّ على أن كل طن حطب مخالف، تبلغ قيمة غرامته مليونين ليرة. وهذا المبلغ كان يساوي قبل الانهيار المالي، ألفاً و300 دولار أميركي فيما كان طن الحطب يساوي 100 و120 دولاراً، أي بزيادة الغرامة 10 أضعاف تقريباً لسعر الطن. أما اليوم فلا تزال قيمة الغرامات ذاتها أي مليوني ليرة بما يوازي 20 دولاراً بحسب سعر الصرف المعتمد حالياً. 
ويقول: لذلك ستزداد المخالفات لكون قيمة محضر الضبط اليوم لا تساوي شيئاً مقابل سعر طن الحطب البالغ اليوم 120 دولاراً وسيرتفع سعره في فصل الشتاء إلى 500 دولار وأكثر.

من هنا، يرى مهنّا أن الحل يكمن في:
- التزام البلديات بالقيام بدورها في ضبط المخالفات لتكون شريكة فاعلة لوزارة الزراعة في هذا المجال... إذ يمكن للبلدية الحصول من وزارة الزراعة على إذن أو ترخيص بتحويل عناصر الشرطة البلدية أو تعيين غيرهم، نواطير أحراج، وبالتالي إعطائهم صلاحية تسطير محاضر ضبط في حق المخالفين.

- تعديل قانون الغرامات لتُصبح قيمة الغرامة المالية لكل محضر ضبط موجعة في حق المخالف لرَدعه عن التعدي على الثروة الحرجية.

الجيش يصادر الحمولة المخالِفة..
ويكشف في السياق، عن تعاون وزارة الزراعة مع الجيش اللبناني، ويقول: بناءً على طلب وزير الزراعة من قيادة الجيش، تم تأمين عناصر للمساعدة في ضبط المخالفين، علماً أن الجيش لا يملك أي صلاحية في ملاحقة المخالفات في الأحراج، إنما ساعد في توقيف الآليات التي تنقل كميات كبيرة من الحطب، وهذا أهم من أي تدبير آخر... لأن هذه الآليات تعمل في تجارة الحطب بصورة غير شرعية، بينما المواطن الذي يقطع عدداً قليلاً من الأشجار في إطار التشحيل، فهذا أمر طبيعي، إذ لطالما أجدادنا عمدوا إلى "تفريع" الأشجار أي تقطيعه بالفرّاعة، وهذه عملية ضرورية لمساعدة الأحراج على النمو. لكن مشكلتنا مع "المافيات" التي تنتقل من منطقة إلى أخرى للقضاء على الثروة الحرجيّة وتجميع الحطب بصورة غير شرعية وبمخالفة فادحة للقانون. وهنا كان دور الجيش الرادع لتلك المخالفات حيث عمد إلى وقف الآليات غير المرخص لها من وزارة الزراعة، ومصادرة حمولتها. الأمر الذي حدّ كثيراً من المشكلة من دون أن يلغيها نهائياً.

تسهيلات للموسم الجديد..
بتوجيهات من الوزير عباس الحاج حسن، يكشف مهنّا عن خطوة جديدة في الموسم المقبل "حيث سنعمد إلى تبسيط الإجراءات بشكل كبير بهدف تشجيع الناس على الحصول على التراخيص بشكل قانوني...، مع الإشارة إلى أننا سنبدأ بإعطاء تراخيص جديدة في أيلول بعد أن يتقدّم المواطنون بطلباتهم في شهر تموز المقبل. ومن بين هذه الإجراءات تسهيل طلبات قطع الأشجار لزوم تدفئة المنازل في فصل الشتاء فقط حيث تكون الكميات محدودة، على أن يصبح  البت بها في المناطق حيث يقطن صاحب الطلب، بدل النزول من القرى والجبال إلى بيروت، فمَن يقطن في تنورين على سبيل المثال، يحصل على الترخيص من تنورين. 

تجهد وزارة الزراعة وغيرها من الوزارات والإدارات ذات الصلاحية، باللحم الحيّ للحدّ من تجارة الحطب غير الشرعية، فهل تكفي تلك الجهود للحفاظ على ما تبقى من ثروة لبنان الحرجيّة، على أبواب فصل صيف حامٍ بطقسه واستحقاقاته؟!