تحديات لبنان في تأمين القمح: بين الأزمة الزراعية والأمن الغذائي

كيف يمكن للبنان أن يحافظ على أمنه الغذائي في ظل تحديات متزايدة تواجه زراعة القمح، خصوصًا مع استمرار الاعتداءات على الجنوب وتعثر سياسة الزراعة الوطنية؟ فالقطاع الزراعي، الذي يشكل أحد أعمدة الاقتصاد الوطني، يعاني من ضعف الدعم والتخطيط، ما يزيد من هشاشة الإنتاج المحلي ويجعل لبنان أكثر اعتمادًا على الاستيراد في ظل أزمات متعددة.

هل حان الوقت لإعادة النظر في استراتيجية الزراعة والسياسات المرتبطة بها لضمان استدامة هذا القطاع الحيوي وحماية الأرض والمزارعين؟

في حديث لـ "نداء الوطن"، شدد وزير الزراعة نزار هاني على الترابط الوثيق بين الأمن الغذائي وزراعة القمح، مشيرًا إلى أن القمح يُعد من أهم المحاصيل الاستراتيجية التي تسهم مباشرة في تحقيق الأمن الغذائي.

وأوضح أن هناك نوعين من القمح:

القمح الطري المستخدم في صناعة الخبز.

القمح القاسي (Durum) الذي يُستخدم في صناعة المعكرونة، الفريكة…

ولفت هاني إلى أن لبنان يعتمد بشكل كبير على استيراد القمح الطري لتأمين حاجاته من الخبز ومشتقاته، إذ يُقدَّر أن نحو 80 % من القمح المستهلك محليًا يتم استيراده من أوكرانيا وروسيا، في حين أن الإنتاج المحلي لا يغطي سوى جزء ضئيل من الطلب.

وفي ما يتعلق بالإنتاج المحلي، أشار الوزير إلى أن لبنان يزرع بنسبة 80 % من القمح القاسي في سهل البقاع، مقابل 20 % من القمح الطري الذي يُزرع في مناطق عكار والجنوب، وتُقدَّر المساحات المزروعة سنويًا بنحو 80,000 إلى 100,000 دونم.

أضاف: الإنتاج الزراعي في الحقول يندرج ضمن صلاحيات وزارة الزراعة، في حين أن مديرية الحبوب والشمندر السكري التابعة لوزارة الاقتصاد تتولى تأمين حاجات البلاد من القمح، بما يساهم في استقرار إنتاج الخبز والدقيق، ومراقبة جودة الإنتاج في المطاحن والأفران.

وفي ما يخص التخزين، أوضح وزير الزراعة أنه قبل انفجار مرفأ بيروت، كانت الأهراءات تتمتع بسعة تخزينية تصل إلى 125 ألف طن، تكفي لحوالى أربعة أشهر. أما بعد كارثة 4 آب، فقد تم الاعتماد على صوامع المطاحن، ويتراوح المخزون الحالي ما بين 60,000 و70,000 طن، يكفي لمدة شهرين إلى شهرين ونصف. في حين أن حاجة لبنان السنوية من القمح الطري تُقدَّر بحوالى 600,000 طن.

أما أبرز التحديات التي تواجه القطاع، بحسب هاني، فهي:

التغيّر المناخي: الجفاف، ارتفاع درجات الحرارة، الأمراض النباتية، وتأخر الزراعة نتيجة نقص الأمطار.

الأمن والنزاعات: خصوصًا في الجنوب والمناطق الحدودية حيث تعيق التوترات وصول المزارعين إلى أراضيهم.

نقص في التخزين الاستراتيجي: غياب صوامع كافية يجعل لبنان عرضة لتقلبات السوق وتأخير الشحنات.

ارتفاع كلفة الإنتاج: الإنتاج المحلي مكلف وقد لا يكون مجديًا اقتصاديًا للمزارعين، خصوصًا مع ضعف التسعير.

ضعف السياسات والدعم: يواجه المزارعون تحديات بسبب نقص الدعم التقني والمالي، كما أن جهود السلطات لتعزيز إنتاج القمح المحلي ما زالت تعترضها صعوبات في التنفيذ والتنسيق.

وأوضح هاني أن وزارة الزراعة، ضمن استراتيجيتها الممتدة من 2026 إلى 2035، تعمل على خطة شاملة لتطوير قطاع القمح، تقوم على رؤية واضحة وأهداف قابلة للقياس، بالتعاون مع الشركاء المحليين والدوليين، لتعزيز الأمن الغذائي.

وأشار إلى أن مصلحة الأبحاث العلمية الزراعية التابعة للوزارة هي المسؤولة عن تحسين وإكثار بذار القمح. ولكن مع الأزمة الاقتصادية، توقف دعم وزارة المالية ما أدى إلى توقف سلسلة الإكثار.

وفي هذا الإطار، تدخلت منظمة الأغذية والزراعة (FAO) لتقديم دعم مباشر عبر توزيع بذار القمح الطري على صغار المزارعين، إلى جانب دعم تقني وتدريبات لتمكينهم من تطبيق الممارسات الزراعية الجيدة، وتحفيزهم على إكثار البذار محليًا لضمان استمرارية توفرها.

كذلك، يعمل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بالتعاون مع البنك الألماني للتنمية على مشروع لإحياء سلسلة إكثار البذار، بالتعاون مع مصلحة الأبحاث، حيث تمّ العام الماضي إنتاج بذار موثّق من القمح القاسي والطري والشعير. وفي هذا الموسم، يُعمل على إكثار نحو 200 طن من هذه البذور بالتعاون مع مزارعين مختصين، بهدف الوصول خلال موسمين إلى اكتفاء ذاتي من بذار القمح.