المصدر: نداء الوطن
الكاتب: باسكال صوما
الأربعاء 24 كانون الاول 2025 07:30:16
سيلحظ أي مارٍ في بيروت أو ضاحيتها الجنوبية، حجم الدمار الذي لا يزال يخيّم على الأحياء والأزقة. فبعد انفجار بيروت والذي لم ينتهِ ترميم المدينة بعده، أتت الحرب الإسرائيلية الأخيرة لترفع حجم الدمار مجددًا، وتوسّع جرح العاصمة الذي لم يندمل.
أبنية متصدّعة على جوانب الطرقات، يكاد بعضها يقع عند أول عاصفة، فيما يناضل البعض الآخر حتى لا يسقط على من فيه، من الفقراء العاجزين عن إصلاح بيوتهم، حتى لا تقتلهم.
"تركنا البيت وانتقلنا إلى بيت عمّي منذ سنة وشهرين تقريبًا. ما دمنا لا نملك ثمن ترميمه، فها نحن نحاول ألا نموت فيه"، تقول فاديا التي تملك مع زوجها شقة في الشياح في مبنى تعرّض لتضرر كبير لا سيما في أساساته، إثر الحرب الأخيرة، فاضطرا لتركه.
في الجميزة، يروي أحد الباعة المتجولين "لقد تغيّرت هذه الشوارع كثيرًا، هناك أبنية تحوّلت إلى مكبات للنفايات، هذه الأبنية كانت أجمل مباني بيروت".
وبالفعل، إلى جانب الأبنية التي تم ترميمها بعد انفجار مرفأ بيروت في الكرنتينا ومار مخايل والجميزة والصيفي وغيرها، ما زالت أبنية أخرى تعاني من التصدّع والنسيان، مع العلم أن عددًا منها من الأبنية القديمة الأثرية التي تشكل جزءًا من هوية بيروت وتاريخها العمراني. بقي من بعض تلك المباني الخرق فقط وعدد منها مهدد بالسقوط، فيما أصبح بعضها الآخر مكبًا للنفايات، في تلك الشوارع الجميلة التي ما زالت تناضل لاستقطاب الرواد والسياح برغم كل محاولات تشويهها.
المعالجة بـ "الترقيع"
بحسب رئيسة "الهيئة اللبنانية للعقارات" أنديرا الزهيري "تمت مطالبة البلديات مرارًا بالقيام بواجباتها عبر مصالح الهندسة لإجراء مسح ميداني شامل للمباني الواقعة ضمن نطاق صلاحياتها، إلا أن هذه المطالب لم تلقَ أي تجاوب جدي، وظلت حبيسة الأدراج".
وترى الزهيري في حديث لـ "نداء الوطن" أن "قضية الأبنية المهددة بالسقوط اتخذت منحى خطيرًا بعد انفجار مرفأ بيروت في 4 آب، وكذلك، تأثرت المنشآت في الشمال وطرابلس بالزلزال الذي ضرب تركيا، مرورًا بالتغيرات المناخية التي سببت انجراف التربة وتفتت الصخور، ما أضعف متانة الأبنية قديمة العهد، وأخيرًا الحرب. يضاف إلى ذلك، أن قوانين الإيجارات القديمة وغياب الصيانة الدورية ساهمت في تهالك الأبنية، حيث اقتصرت المعالجات على "الترقيع" السطحي والحلول العشوائية (من قريبو)، إلى أن أتت الحرب، الضربة القاضية"، بحسب الزهيري.
أظهرت المسوحات الجزئية بعد انفجار المرفأ تضرر نحو 83 ألف وحدة بين أبنية تراثية، مؤسسات تربوية، وإدارات رسمية. واليوم، تتجاوز خسائر الحرب الأخيرة 3.4 مليارات دولار، ما يثبت هول الدمار في الجنوب والضاحية الجنوبية وحتى بعلبك.
من هنا، تحذر الزهيري من لجوء المواطنين لإصلاحات عشوائية وغير فنية، أي "الإصلاح من قريبو"، فذلك يعرقل تحديد مكان التصدع الحقيقي، ويشكل خطرًا داهمًا في ظل غياب المعدات المتطورة للكشف الفني. وتشير إلى "أن الوضع السياسي والاقتصادي يعيق عودة النازحين ونحن في فصل الشتاء، ما يتطلب خطة مستدامة لإعادة الإعمار بتمويل واضح، بما يضمن أمن الناس ويمنع التلاعب في معايير السلامة".
وتشدد على ضرورة الكشف الحسي بواسطة مهندسين وفنيين متخصصين، وتحديث معايير السلامة العامة لتتماشى مع الهيكلية البنيوية الحالية في لبنان، لضمان بناء مدن ذكية ومنظمة تحمي الأبنية المتلاصقة والتراثية.
8 آلاف مبنى في بيروت
الأعمال العسكرية الأخيرة، أدت إلى تدمير كامل أو جزئي لما يقارب 8 آلاف مبنى في بيروت بحسب الأرقام المتوفرة، غير أن العدد الحقيقي هو أكبر نظراً لتضرر الأبنية المحيطة بها، بحسب المهندس يوسف عزام رئيس "شبكة سلامة المباني". ويرى عزام في حديث لـ "نداء الوطن" أن "غياب الأرقام الدقيقة يعود إلى تقاعس الجهات الرسمية المعنية عن القيام بأعمال مسح ميداني دقيق يظهر الأرقام الصحيحة إضافة إلى السؤال حول الشفافية في الوصول الى المعلومات".
عام 2013، نشرت شبكة "سلامة المباني" تقريرًا قالت فيه إن 16,250 مبنى يقع ضمن خانة المباني الّتي قد تشكّل خطرًا على مستخدميها، وكان لبيروت الحصة الأكبر، 10,460 مبنىً.
وخلال الـ 12 عامًا التي مرت شهد لبنان انفجار بيروت والحرب إضافة إلى عامل الزمن الذي يؤثر على المباني. وبالتالي فإن عدد الأبنية المتصدّعة من المرجح أنه ارتفع وإن كانت بعض أحياء بيروت قد شهدت ترميم أبنية دمرها الانفجار.
القصف الإسرائيلي
تسبب القصف الاسرائيلي العنيف بدمار جزئي أو كلي لأكثر من 100 ألف وحدة سكنية في لبنان. ووفق تقرير البنك الدولي، 18 في المئة من هذه الوحدات السكنية دُمّرت بالكامل، بينما تعرّض القسم الآخر لتدمير جزئي وضرر ملحوظ، مباشر أو غير مباشر. وتبين من الكشف الأولي على المباني المحيطة بتلك المستهدفة التي تعرضت للقصف العنيف في الضاحية الجنوبية وجود أضرار وتصدعات لا يمكن إهمالها تجنبًا لتعريض حياة كثيرين للخطر.
في بيروت أبنية يعود بناؤها إلى عشرات السنين، مرت عليها حروب وهزات وعواصف، كسرت قلبها، وهددت أساساتها، إنها أبنية تشكل ذاكرة بيروت وهويتها، تصنف اليوم كمجرد أبنية متصدّعة لا يأبه لها أحد. قالت فاديا في ختام حديثها لـ "نداء الوطن"، "لقد تهجّرنا داخل الوطن".