"تراجع جزئي" لـ"حزب الله" حدودياً... مشاغلة تكتيّة؟

يتسارع الحديث في الداخل الإسرائيلي عن إلحاحٍ للتوصّل إلى تسوية حيال المنطقة الحدودية اللبنانية الإسرائيلية تسهم في ابتعاد مقاتلي "حزب الله" مع إشارة أبدتها وزارة الخارجية من جديد إلى أهمية تراجعهم في اتجاه الداخل اللبناني.

ولا تغفل تل أبيب احتمال الحرب الشاملة في تصاريح مسؤوليها علماً أنّ المساعي الديبلوماسية لا تزال أساسية طالما أن "الجميع لا يريدون الحرب"، وفق تأكيد وزير الجيوش الفرنسية سيباستيان لوكورنو خلال زيارته إلى المنطقة التي شملت المسؤولين الإسرائيليين، وسط معطيات عن "ضوء أخضر" إسرائيليّ أنتجته الاجتماعات للتفاوض على ترسيم الحدود البرية إضافة إلى تطبيق الانسحاب.

لكن، هناك علامات استفهام مطروحة حول إذا كانت هكذا مفاوضات ستتبلور حالياً خصوصاً أنّ "حزب الله" يؤجّل المسألة اللبنانية حتى انتهاء حرب غزّة. في غضون ذلك، استجدّ معطى أساسيّ أكّده معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي قبل أيام ولم ينفه نواب لبنانيون عن بدء بعض التراجع الجزئي لمقاتلي "حزب الله" عن الحدود.

وتختلف وجهات النظر حول إذا كان ذلك الابتعاد تحضيراً لتنفيذ مطلب المنطقة الخالية أو أنه للمشاغلة التكتية كما يعتبر محور "الممانعة". وإذا كانت تتنوع الترجيحات، فإنّ إسرائيل لن تتوانى عن اشتراطها الانسحاب الضامن لأمن المستوطنات الشمالية، وهذا ما أشارت إليه صحيفة "معاريف" العبرية عن اجتماع مسؤولين إسرائيليين مع رؤساء سلطات محلية من المناطق الحدودية مع لبنان قبل أيام.

بدا لافتاً تقرير معهد دراسات الأمن القومي الاسرائيلي حول نتائج مئة يوم من المناوشات الحربية على الحدود اللبنانية الاسرائيلية مع تفنيد للأضرار اللاحقة حجراً وبشراً من جانبي "حزب الله" والجيش الاسرائيلي، وقد اعتبرته "مؤسسة الدراسات الفلسطينية" بمثابة تقرير أساسيّ في تغطيتها العلمية للإعلام الاسرائيلي. يسرد التقرير أن الجيش الاسرائيلي نجح في دفع مقاتلي "حزب الله" إلى انسحاب جزئيّ نحو الداخل اللبناني نتيجة تراكُم المصاعب أمامهم. وبالنسبة إلى تفاصيل التقرير، فإن جانبي "حزب الله" وإسرائيل تعرّضا للضرر الكبير في الأملاك والمعدات، لكن أصيبت البنى التحتية لـ"حزب الله" بشكلٍ أكبر ما شمل مواقع مراقبة تابعة له حدودياً ونقاط القيادة ومستودعات السلاح. وأشار التقرير إلى تفكيك الغارات الإسرائيلية مضادات الطائرات التابعة لـ"حزب الله" وبلوغ التعداد الرسمي لمقاتلي "حزب الله" الذين قتلوا 160 شخصاً، في مقابل إشارة تقارير إسرائيلية إلى 11 قتيلاً من قوات الجيش الاسرائيلي. أما الإنجاز الذي استطاعه "حزب الله" ودائماً بالنسبة إلى تقرير معهد دراسات الأمن القومي الاسرائيلي، فتمثّل في الحيز المدني مع التهجير الفوري منذ بداية الحرب لنحو 60 ألفاً من سكان المستوطنات الاسرائيلية القريبة من الجدار على الجانب الإسرائيلي إلى جانب آلاف من سكان الشمال الذين هجروا منازلهم بقرار منهم.

يرجّح نوابٌ في التكتلات المعارضة لمحور "الممانعة" أنّ "حزب الله" يبتغي المشاغلة عبر بعض التراجع للمقاتلين حدوديّاً نحو الداخل في انتظار ما يمكن أن تستقرّ عليه الأوضاع الاقليمية، كأن يقول عضو كتلة "تجدّد" النائب أشرف ريفي أن "معارك الجنوب اللبناني ليست لبنانية أو فلسطينية بل إنها معارك إيرانية بعدما حاولت طهران الإيحاء بتوجيه وحدة مناطق نفوذها دعماً للفلسطينيين في قطاع غزة، لكن المناوشات الحربية للأذرع الإيرانية في المنطقة لم تقدّم أو تؤخّر في غياب توازن القدرات العسكرية أو تكافؤ المعارك وسط الخسائر التي شهدها لبنان بدءاً من الأراضي الزراعية أو عدد الشهداء الذي ليس هناك ما يساويه في الجانب الإسرائيلي". وانطلاقاً من أبعاد عسكرية يعبّر عنها ريفي لـ"النهار"، فإنّ "الحديث عن تراجع جزئيّ للقوى العسكرية "الممانعة" لكيلومترات عن الحدود الجنوبية أكّده "حزب الله" أيضاً لاعتبارات تكتية عسكرية لا سياسية حمايةً للمقاتلين، علماً أنه يطرح مبدأ المشاغلة العسكرية نتيجة مقتضيات المرحلة خصوصاً بعد خسائر بشرية جمّة جنوباً". بحسب ريفي، "يأتي الانغماس القتاليّ والتضحية في المقاتلين خدمة للمصلحة الإيرانية ومشروعها الراديكالي رغم ألم "حزب الله" نتيجة استشهاد مقاتليه، لكن الهمّ الإيراني يكمن في المسائل الاستراتيجية على أن تنحسر مشاغلة الأذرع الموالية لطهران في المنطقة عند تحقيق جزء من استراتيجيتها أو التراجع عنها".

تراجع "حزب الله" لكيلومترات إن كان انسحاباً جذرياً أو مشاغلة تكتية، فإنه ضروريّ استناداً إلى نداءات قوى المعارضة مع إشارة عضو تكتل "الجمهورية القوية" النائب شوقي الدكاش إلى "أهمية تطبيق القرارات الدولية وفي طليعتها مندرجات القرار 1701 سريعاً خصوصاً بالنسبة إلى ضرورة انتشار عديد الجيش اللبناني حصراً جنوبي الليطاني إضافةً إلى قوات حفظ السلام الدولية، في اعتبار أن المهمة الأساسية الملقاة على عاتق المؤسسة العسكرية تنطوي حالياً على تنفيذ مقرّرات القرار 1701 علماً أنّ ثمة 4 آلاف من عسكريي الجيش اللبناني ينتشرون على الحدود اللبنانية الجنوبية". ويشكّل رفع أعداد الجنود في المنطقة الحدودية مطلباً أساسياً، وفق ما يقوله الدكاش لـ"النهار"، طالما أنه "لا بدّ من تطبيق مضامين القرار الدولي سريعاً تحييداً للبنان عن الحرب الشاملة، مع ضرورة أن ينفّذ "حزب الله" المصلحة اللبنانية وينسحب من جنوبي الليطاني، مع الإشارة إلى أن الحراك الديبلوماسي للدول الكبرى يمنع الحرب الشاملة حتى اللحظة ويدعم التوصل إلى حلول ديبلوماسية تطبيقاً للتوصيات الدولية".