تراجع نسبة الزواج والولادات... والصحة الإنجابية في خطر!

كتبت مارينا عندس في الديار:

في ظلّ الأزمة الماليّة الخانقة التي تمرّ فيها البلاد، يشهد لبنان انقلابًا جذريًا في ما يخصّ الوضع الأسري لجهة الإقدام على الزواج وتحديدًا في سن العشرينيات والثلاثينيات، وهو العمر المتعارف عليه للزواج. وهذه الفترة العمرية، عرفت أكبر حركة تغيير في ما يتعلق باستقرار السلوك الزواجي وكأنه مرتبط بالوظيفة والدخل والهجرة.

ولا شكّ في أنّ الأزمة الاقتصاديّة التي تعصف بلبنان منذ أكثر من 3 سنوات ترخي بظلالها على مختلف نواحي حياة اللبنانيين. ووفق العديد من الخبراء في الشأن الاجتماعي، فإنّ التغيير تناول تركيبة المجتمع اللبناني من خلال انخفاض نسبتي الزواج والإنجاب حيث انه لم يعد بمقدور معظم اللبنانيين الإقدام على الزواج نسبةً لارتفاع التكاليف.

وفي الفترة الأخيرة، أكّدت إحصائيات حديثة في لبنان حدوث تراجع كبير في نسبة الولادات خلال الفترة الممتدة ما بين 2018 و2022. وكشف مدير مركز الدولية للمعلومات (نشرة إحصائية محلية)، الأستاذ جواد عدرا، على حسابه الخاص عبر تويتر أنّ "معدلات الزواج بين 2018 و2022 تراجعت بنسبة 18 في المئة، مما أدى أيضًا إلى تراجع طفيف في معدلات الطلاق، وكل ذلك أدى إلى تراجع كبير في نسبة الولادات وصل إلى نحو 32 في المئة ".

الأمومة حلمٌ بعيد المنال... والسبب ؟

لم يعد بمقدوري إنجاب طفلٍ على هذه الدّنيا بسبب التكاليف التي لم يعد يتحمّلها إنسان يعيش في بلد كلبنان. بهذه الكلمات بدأت صونيا حديثها للدّيار، معتبرةً أنّ الأمومة باتت حلمًا أو ربّما تقتصر فقط على الأغنياء.

وتتابع: بالنّسبة لي، الأمومة هي حلمٌ بعيد المنال، خصوصًا بعد تخطّي الدّولار الأميركي  100 ألف ليرة. وتسأل: كيف لي التفكير في إنجاب طفلٍ وأنا غير قادرة على تأمين أبسط حقوقه كإنسان وكطفل؟ متطلّبات الحياة كبيرة وصعبة، منها الحفاضات والحليب والغرفة المجهزة له والألعاب والملابس...الخ وطبعًا كل هذه الحاجيات تباع بالدّولار أو ما يعادله.

وتضيف: في هذه الأزمة الخانقة التي نعيشها، لا يسعنا سوى التفكير في كيفيّة تأمين ربطة الخبز للمنزل. أمّا تكبير العائلة وارتفاع عدد أفرادها، فهذه الطريقة لم تعد تناسب سوى الأغنياء أو من يتقاضى راتبه بالدّولار الفريش. وحتّى الولادة باتت مكلفة لدرجة أنّه وعند دخولي باب المستشفى عليّ تأمين 20-30 مليونا لأنجب مولودي.

وتختم صونيا كلامها: الولد رغم أنّه نعمة على البيت، إلّا أنّه أصبح نقمة للعائلة لأنّنا علينا تأمين الدولارات الفريش قبل أن يلد حتّى.

الصحة الإنجابيّة في خطرٍ

الصحة الإنجابية في خطرٍ كبير، لا سيّما بعد فقدان حبوب منع الحمل لأكثر من 6 أشهر في السّوق. لذلك يتمّ استبدال هذه الحبوب في معظم الوقت باللولب لتجنّب الحمل وهو يباع اليوم بحوالى 70 دولارا أميركيا. أمّا سعر الواقي الذكري فوصل إلى 600 ألف ليرة، وحبوب منع الحمل إلى 450 ألفًا.

الأزمة المالية تعاني منها أيضًا وأيضًا الحوامل لأنّ زيارة الطبيب والتأكد من صحة الجنين باتت مكلفة جدًا. أكان من ناحية صورة الايكو التي بات سعرها يقارب الـ800 ألف ليرة، أو سعر أدوية تثبيت الحمل ومنع التشوهات يصل إلى مليون ليرة للدواء الواحد، إضافة إلى الفيتامينات وغيرها. كل هذه التكاليف دفعت بعض الحوامل إلى اتخاذ قرار الإجهاض واللجوء إلى عيادات غير شرعية، للتخلّي عن الجنين.

الزواج مشروطٌ: لا أولاد!

سارة ويحيى عروسان جديدان، يتحضّران لزفافهما في موسم الصّيف. وفي حديثهما للدّيار، تؤكّد سارة أنّهما قرّرا  عدم المبالغة في التحضير للعرس. وتقول: اتفقنا أنا ويحيى أن نتزوّج فقط مع الأهل من دون أصدقاء وأقارب نسبةً للأوضاع المادية الصعبة وارتفاع سعر الدّولار إلى أن أصبح 100 ألف ليرة. وتتابع: يحيى لديه منزل في الضيعة لكنّ المحروقات التي ارتفعت أسعارها بشكلٍ خياليٍ جعلتنا نبتعد عن الضيعة قليلًا ونتزوّج في بيروت للتوفير أكان من ناحية البنزين أو المازوت في الشتاء. لكن هذا لا يعني أنّ تأمين مبلغٍ الايجار في بيروت هو أمر سهل. علينا تأمين 250 دولارا شهريًا فقط لبيت يتألف من غرفة وحمام. منزلنا في بيروت متواضعٌ جدًا لكننا قررنا الزواج لأننا نحب بعضنا والمهم هو أن نبني بيتنا بحبٍ وأمانٍ وسلام.

ويقول يحيى إنّه طلب من خطيبته صونيا ألا يفكران في الإنجاب أقلّه في الفترة الاولى من زواجهما إلى أن تتغيّر أمور البلاد علّ الدّولار يستقرّ على رقمٍ معيّن وتتحسّن الرواتب قليلًا لأنّ الوضع لم يعد محمولًا.

وينهي كلامه: كثيرون هاجمونا على فكرة عدم الإنجاب لكنّني أرى أنّه قرارٌ شخصيٌ يتعلق بمصيري وبمصير عائلتي. لا أعتقد أنّ هنالك إنسانا لا يحب الأطفال ولا يريد أن يبني أسرة كبيرة لكنّ الأفضل في هذه المرحلة هو توخّي الحذر والانتباه الى الحمل لأنّ تكاليف الطفل اليوم ليست مزحة أبدًا. نحن نلوم المسؤولين طبعًا الذين أوصلونا إلى هذه المرحلة التي ننتظر فيها رقعة أملٍ، علّنا نعيش قليلًا في سلام