تراخيص بالجملة للجامعات: التعليم ما عاد "عالياً"

في وقت ما زال ملف التفرغ في الجامعة اللبنانية متوقفاً في مكتب وزير التربية عباس الحلبي، بسبب الفيتوات الحزبية عليه، على اعتبار أنه ملف للتوظيف الحزبي، تتخذ قرارات وزارية وتصدر مراسيم من مجلس الوزراء، على قاعدة المحاصصة الحزبية، للترخيص للجامعات الخاصة لافتتاح فروع جغرافية أو برامج اختصاصات. قرارات تصب كلها في مصلحة التعليم الخاص، وضرب التعليم الرسمي، لا سيما أن إهمال الجامعة اللبنانية يؤدي حكماً إلى نزوح الطلاب إلى التعليم الخاص في الجامعات التي تمنح شهادات غب الطلب. فالجامعات الخاصة المرموقة والتي تحوز على تصنيفات دولية، عددها محدود في التعليم العالي، وأقساطها غير منافسة للجامعة اللبنانية، بخلاف باقي الجامعات التجارية.

قرارات غير شرعية
تبين من مراسيم مجلس الوزراء ومن قرارات وزير التربية الأخيرة أن الحكومة تصريف الأعمال ووزير التربية يتعاملان مع التعليم العالي وفق منطق المحاصصة في كل ملفات البلد. ورغم أن هذه المراسيم والقرارات مخالفة للدستور إلا أن الحكومة تنام على حرير عدم طعن أي طرف لإلغاء القرارات. فتحت حجة إقرار كل المراسيم السابقة، التي كانت عالقة منذ أكثر من عشر سنوات، أصدر وزير التربية عباس الحلبي في منتصف شهر شباط القرارات التي سبق وعرضتها "المدن" ومن دون استشارة شورى الدولة، ولم تراع بالتالي الأصول الشكلية الجوهرية (استشارة وجوبية) لمعرفة إذا كان القرار مستوفي الشروط القانونية. وستتبع بقرارات تشمل جامعات أخرى ما زالت ملفاتها عالقة، حسب مصادر "المدن".

مجلس التعليم العالي
ووفق مصادر مطلعة على كيفية اتخاذ القرار في مجلس التعليم العالي، الطامة الكبرى في هذه القرارات والمراسيم أنها تصدر من أصحاب مصلحة في صدورها. فهي تأتي بتوصية من مجلس التعليم العالي ومن اللجنة الفنية فيه. واللجنتان مشكلتان من الجامعات الخاصة. ففي "المجلس" تتمثل الجامعة اللبنانية برئيسها، وفي اللجنة الفنية يوجد عضوان (خبراء) من الجامعة اللبنانية، فيما باقي الأعضاء، أو أغلبهم للجامعات الخاصة (ستة أعضاء). ما يعني أن أغلبية اتخاذ القرار في المجلس وفي اللجنة هي لأصحاب المصلحة، أي لممثلي الجامعات الخاصة. وهؤلاء لا يعترضون أو يوافقون على أي قرار من شأنه الترخيص لجامعات أو فروع أو اختصاصات أو إبداء رأي بالاعتراف بالشهادات، إلا وفق الحسابات المصلحية للجامعة التي يمثلونها. بمعنى آخر، لا تمثل الجامعة اللبنانية (ليست صاحبة مصلحة في إصدار مراسيم خاصة بها) بعدد أعضاء يوازي عدد أعضاء الجامعات الخاصة، فيكون وزير التربية حكماً عندما يخضع القرار للتصويت.

التصويت على التوصيات في مجلس التعليم العالي غير قائم على المبررات الأكاديمية. وإذا كانت التراخيص تصب لمصلحة التعليم العالي في لبنان. وهذا أمر مفروغ منه، إلا أن أعضاء المجلس هم الحكم والمحكوم عليه. وهذا أمر شاذ ويكرس لعبة التوافق على قاعدة "مرقلي تا مرّقلك". أما القرارات والمراسيم التي صدرت مؤخراً فلها مساوئ عدة. فهي تأتي على حساب التعليم الرسمي من ناحية ونابعة كلها من روحية الدين والطائفية. فقد أتت لإرضاء كل الطوائف على قاعدة المحاصصة الطائفية. كما أنها قرارات ومراسيم مخالفة للدستور والقانون على اعتبار أن حكومة تصريف الأعمال تتخذ القرارات كأنها حكومة بصلاحيات كاملة.

الإطمئنان بعدم الطعن
وبمعزل عن أنه لا يحق لوزير التربية اتخذا القرارات التي ينشأ عنها أثر قانوني جديد، إلا أنه ملزم باستشارة مجلس شورى الدولة. لكن المشكلة الفعلية تكمن بأنه لا يمكن إبطال هذه القرارات من دون تقديم طعن بها. أي أنه بعد نشر القرارات بشهرين في الجريدة الرسمية، ومن دون تقديم طعن من جهة لها مصلحة، يصبح القرار شرعياً. وتتكرس الحالة القانونية غير الشرعية (مبنية على الباطل) ويكتسب المعنيون حقاً شرعياً يصعب إلغاؤه. وحالياً ليس لأحد مصلحة في الطعن بعدم قانونية وشرعية هذه القرارات والمراسيم، لأنها موزعة لإرضاء جميع الطوائف.

في العام 2018 تشكلت لجنة في مجلس التعليم العالي لدرس وضع الجامعات لتنظيم القطاع. وقد كشفت اللجنة على غالبية الجامعات وأصدرت توصيات إما بإقفال جامعات أو فروع أو اختصاصات أو في ضرورة تغيير أسماء جامعات (تسميات دعائية لخداع الطلاب). لكن تم إجهاض هذه التجربة لأن كل القوى السياسية لم يكن لها مصلحة في إصلاح قطاع التعليم العالي، طالما أن الجامعات تقوم على مبدأ المحاصصة. وعُرقل عمل اللجنة التي لم تكن متساهلة في تقييمها لواقع التعليم الخاص. أما حالياً، وعوضاً عن إصلاح قطاع التعليم العالي وإعادة هيكلته وفق الحاجة، تحولت حكومة تصريف الأعمال إلى هيئة لمنح التراخيص أو الاعتراف باختصاصات لجامعات حصلت على تراخيصها بطرق ملتوية، وما زالت عالقة منذ عشر سنوات. ما يطرح شكوكاً حول هذا الإصرار على "تخليص" كل معاملات الجامعات المتوقفة، من الحكومة الحالية ووزرائها.