بدأت من مخيم برج البراجنة في بيروت عملية تسليم السلاح الفلسطيني، في خطوة غير مسبوقة تمثل كسر المحظور وفتح الطريق أمام استعادة الدولة اللبنانية لسيادتها المنتهكة منذ عقود. فأن يبدأ السلاح بالخروج من المخيمات يعني أن مقولة «السلاح المقدّس» و«الخطوط الحمراء» لم تعد صالحة، وأن زمن الدويلات الأمنية داخل لبنان يقترب من نهايته.
منذ سنوات طويلة، تحولت بعض المخيمات الفلسطينية إلى جزر أمنية خارجة عن سلطة الدولة، ملاذاً للفوضى ومرتعاً للتنظيمات المتطرفة والعصابات المسلحة، بما شكّل تهديداً دائماً للأمن الوطني اللبناني، وأذى مباشراً للفلسطينيين أنفسهم الذين دفعوا الثمن الأكبر من دمائهم واستقرارهم. واليوم، فإن انطلاق مسار التسليم من برج البراجنة – أحد أكبر المخيمات وأكثرها حساسية – يوجّه رسالة واضحة: لا سلاح شرعياً سوى سلاح الدولة، ولا أمن سوى الأمن الذي تحتكره المؤسسات الرسمية.
إن هذه الخطوة لا يجب أن تبقى معزولة أو رمزية. المطلوب خطة حازمة تُطبق على جميع المخيمات من الشمال إلى الجنوب، ضمن جدول زمني صارم، وبإشراف الدولة وأجهزتها حصراً. فالتجارب السابقة أظهرت أن التسويف والوعود الفضفاضة لا تؤدي إلا إلى إعادة إنتاج الفوضى، فيما وحدها الإجراءات الصارمة والرقابة الدقيقة قادرة على اجتثاث ظاهرة السلاح غير الشرعي من جذورها.
إن تسليم السلاح ليس خياراً كريماً من أحد، بل هو واجب وطني وشرط بديهي لسيادة الدولة. فلبنان لم يعد يحتمل تعدد السلطات الأمنية ولا ازدواجية القرار. وعلى الفصائل الفلسطينية أن تدرك أن وجودها في لبنان محكوم باحترام القوانين اللبنانية والالتزام المطلق بسلطة الدولة، لا بسياسة فرض الأمر الواقع بقوة السلاح.
الأهم أن ما بدأ في برج البراجنة يجب أن يكون مقدمة لفتح الملف الأخطر: سلاح «حزب الله» الذي بات يتجاوز المخيمات كلها ويضع السيادة اللبنانية برمتها رهينة لمشروع إقليمي. فلا قيمة لتسليم بعض البنادق من هنا وهناك ما لم يُستكمل المسار بجدية نحو توحيد السلاح تحت إمرة الجيش اللبناني وحده.
لقد آن الأوان لطي صفحة الدويلات الصغيرة والدويلة الكبرى معاً. لا دولة من دون سيادة، ولا سيادة مع سلاح منفلت. والتجربة التي بدأت في برج البراجنة يجب أن تتحول إلى مسار وطني شامل يضع نهاية نهائية لكل سلاح خارج الشرعية.