تعديل مهمّة "اليونيفيل" وعديدها ضرورة لبقائها

يُنتظر أن يشهد شهر آب المقبل الكثير من المناورات والضغوط، حتّى اللحظة الأخيرة قبل التجديد لقوّات “اليونيفيل” سنة جديدة. لكنّ صيغة التمديد ستختلف هذه السنة عن سابقاتها.

على الرغم من الإيحاءات بأنّ إسرائيل وأميركا لا تريدان التمديد للقوّات الدولية في الجنوب، وأنّ “الحزب” يمارس مضايقات لإخراجها، تقول معطيات دوليّة العكس. الجهات الثلاث تريد بقاءها، لكنّ كلّاً بشروطه.

بعد لقائه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الخميس الماضي قال رئيس الحكومة نوّاف سلام إنّه عاد مطمئنّاً إلى أنّ فرنسا ستقوم باللازم للتجديد للقوّات الدولية في الجنوب.

المناورات حتّى آخر آب

تعهّد ماكرون بتذليل العقبات أمام التجديد. ولمّح إلى أنّه حتّى لو كانت هناك صعوبة في ضمان مساهمة الجانب الأميركي في تمويل بقاء القوّات في الجنوب، يمكن العمل على التغلّب عليها.

باريس “حاملة القلم” التي تصوغ قرارات التجديد لـ”اليونيفيل” ودورها جنوب نهر الليطاني، منذ الاجتياح الإسرائيلي الأوّل عام 1978، ثمّ بعد تعزيزها عقب حرب 2006 بصدور القرار 1701 عن مجلس الأمن، تتولّى ترتيب التسويات بين لبنان وإسرائيل ومع واشنطن التي تتوافق مع تل أبيب في مطالبها منذ سنوات.

يتوقّع الدبلوماسيون الغربيون والدوليون المنخرطون بهذا الاستحقاق أن تكون المداولات في مجلس الأمن والاتّصالات الثنائية هذه السنة صعبة. يرون أنّ التجديد ربّما يكون في آخر يوم من شهر آب تاريخ انتهاء مدّة ولاية “اليونيفيل” لشدّة التجاذب الذي سيطغى على  المفاوضات. وهو الشهر المحفوف بشتّى المخاطر إقليميّاً بفعل المهلة المعطاة لإيران في شأن التنازلات المطلوبة منها، أو بفعل حساسيّة مسألة سحب سلاح “الحزب”.

المناخ الإقليميّ والحاجة لتغيير المهمّة

 يلفت هؤلاء الدبلوماسيون إلى أنّ عوامل عدّة تتحكّم بالتجديد هذه السنة:

  • على الرغم من أنّ الممثّلة الخاصّة للأمين العامّ للأمم المتّحدة في لبنان جينين-هينيس بلاسخارت أوصت في إحاطة لمجلس الأمن في 17 تموز بالتمديد للقوّات، فإنّ هناك قناعة بوجوب تغيير مقاربة عملها. تحدّثت بلاسخارت عن “هشاشة الوضع اللبناني”… وعن ضرورة “مواءمة استجاباتنا لتتماشى مع الأبعاد الإقليميّة للتحدّيات التي تواجه منطقة المشرق”، مشيرة إلى المواجهة الشهر الماضي بين إسرائيل وإيران، وإلى أحداث سوريا الأمنيّة في السويداء. وفي هذا السياق زارت بلاسخارت إسرائيل نهاية الأسبوع الفائت.
  • لم يعد ممكناً أن تستمرّ قوّات الأمم المتّحدة بالقيام بالعمل نفسه الذي تقوم به منذ 1978. مضى وقت طويل ولا بدّ من صيغة جديدة لمهمّتها، وهذا ما تتمّ مناقشته بين الأميركيين والفرنسيين. بدأت قيادة القوّات الدولية تفكّر في هذه الصيغة منذ مدّة. إذ تعتبر أنّ بعض الفرقاء اللبنانيين أخذوا ينظرون للأمر بطريقة براغماتية. يقرّون بمشروعيّة السؤال الذي سبق أن طرحه قادة عسكريون في “اليونيفيل”: هل يحتاج لبنان إلى هذا العدد من العسكريين الدوليين الذي يقارب 11 ألف جندي؟

خفض العدد… وتمويل الجيش؟

– ما يحتاج إليه لبنان انتداب “عقلاني أكثر” للقبّعات الزرق. أي أن يترافق خفض عديد “اليونيفيل” مع اعتماد أكثر على الوسائل التكنولوجيّة في مراقبة الحدود وخروقات الخطّ الأزرق (بناء أبراج واستخدام الطائرات المسيّرة…). والاعتماد أكثر على الجيش اللبناني، كي يصبح قادراً على نشر حوالي 10 آلاف جندي مع دعمه ماليّاً وبالعتاد والتدريب لفترة طويلة. يجري الحديث في هذه الحال عن الاكتفاء بـ2,500 – 3,000 من الجنود الدوليّين.

  • لا بدّ من أن يتأثّر تمديد انتداب “اليونيفيل” بتقنين الولايات المتّحدة مساهماتها في موازنات المنظّمات التابعة للأمم المتّحدة، ومنها قوّات حفظ السلام، ليس في لبنان وحده بل في كلّ دول العالم. قبل أيّام انسحبت إدارة دونالد ترامب من منظّمة الأونيسكو وأوقفت تسديد حصّتها في موازنتها. تشارك بما يوازي 37 في المئة من موازنة “اليونيفيل” السنوية البالغة زهاء 500 مليون دولار. على الرغم من ذلك، تشير الأوساط التي تتحدّث عن صيغة الاتّكال على الجيش اللبناني في توزيع المهمّات بينه وبين “اليونيفيل”، بهدف خفض عديدها، إلى أنّ موافقة الخارجية الأميركية والبنتاغون قبل أسابيع قليلة على تخصيص 100 مليون دولار قرضاً للبنان لصيانة طائرات “سوبر توكانو” التي حصل عليها الجيش قبل سنوات عدّة، ذات دلالة مهمّة.

الجميع يريد بقاءها رغم المواقف السّلبيّة

  • حين يُسأل اللاعبون الرئيسيون في جنوب لبنان عمّا ستكون عليه الأوضاع بلا “اليونيفيل”، يقرّون بأنّ النتيجة ستكون سلبيّة جدّاً. يعتبر “الحزب” أنّها قيمة مضافة في الجنوب على الرغم من الحوادث التي يفتعلها مناصروه في القرى مع دوريّاتها التي تدخلها من دون مرافقة الجيش. القادة الميدانيون للقبّعات الزرق لا ينكرون أنّ بعض هذه الحوادث مقصود، لكنّهم يعتبرون أنّ معظمها يحصل نتيجة سوء فهم من قبل مناصري “الحزب” لمسألة الدوريّات التي تقوم بها من دون مرافقة الجيش اللبناني. فالاتّفاق يعطيها هذا الحقّ بعد أن تُبلِغ الجيش، وهي تفعل ذلك. وتحصل هذه الحوادث نتيجة التعبئة السياسية من بعض قادة “الحزب” بأنّ الجنود الدوليّين يتجسّسون للدولة العبرية، في وقت تعرّضوا لقصف الجيش الإسرائيلي إبّان الحرب وتتّهمهم الدعاية الإسرائيلية بغضّ النظر عن نشاط “الحزب”. بالنسبة إلى موقف إسرائيل تلمس قيادة “اليونيفيل” من المؤسّسة العسكرية تسليماً بالحفاظ على حضور دوليّ فاعل في الجنوب. وهؤلاء “منطقيون وواقعيون” لأنّهم يعايشون الوضع على الأرض.

فشل آليّة اللّجنة الخماسيّة…

تتوقّف أوساط الجنود الدوليين أمام اعتراف الموفد الرئاسي الأميركي توم بارّاك بأنّ آليّة اللجنة الخماسية لمراقبة تنفيذ اتّفاق وقف الأعمال العدائية فشلت. فعلى الرغم من أنّها برئاسة الجنرال الأميركي مايكل ليني وعضويّة ضابط فرنسي و”اليونيفيل” والجيشين اللبناني والإسرائيلي، لم تجتمع إلّا مرّة واحدة منذ أشهر. لذلك لا بدّ من العودة إلى صيغة التنسيق الثلاثية لمعالجة الانتهاكات لقرار مجلس الأمن 1701، التي أثبتت نجاحها قبل الحرب.

ما تجزم به هذه الأوساط أن لا أفق لأيّ فكرة بوضع “اليونيفيل” تحت الفصل السابع لميثاق الأمم المتحدة.