المصدر: المدن
الكاتب: نافع سعد
الأربعاء 11 حزيران 2025 16:52:14
أعلنت OpenAI رسمياً عن العطل غير المسبوق الذي شهدته منصة ChatGPT امس الثلاثاء 10 حزيران 2025، مؤكدةً أنه عطل جزئي وأنها تعمل على حل المشكلة. ونشرت الشركة عبر صفحة الحالة (status) عرض تفصيلي للأخطاء المكتشفة. وبدأ الخلل في الساعة 11:00 صباحاً بتوقيت بيروت، وفقاً لبيانات منصة Downdetector، التي رصدت أولى التقارير عن فشل المستخدمين في تلقي الردود أو فتح محادثات جديدة. خلال سبع ساعات متواصلة، تحولت منصة الذكاء الاصطناعي الأكثر انتشاراً في العالم إلى مساحة من الصمت الرقمي.
تشريح العطل التقني
تطورت الأعراض بشكل تدريجي لكن سريع. بدأت بتباطؤ ملحوظ في الاستجابة ثم تحولت إلى انقطاع كامل لقسم الدردشة لدى 92 بالمئة من مستخدمي الويب، بينما تأثر مستخدمو التطبيق بنسبة 7 بالمئة فقط وفق تحليل Downdetector. والمثير أن النطاق الجغرافي للتأثر كشف نمطاً غير متجانس: فقد تركزت الشكاوى في أمريكا الشمالية وأوروبا وأستراليا، مع بؤر ساخنة في السعودية ومصر حيث بلغت الذروة بعد الظهر. هذا التوزيع غير المتكافئ يشير إلى احتمال وجود خلل في خوادم مناطق محددة أو اختناق في شبكات التوزيع الجغرافي.
ما زاد التعقيد تأثر خدمة Sora لتوليد الفيديو بالعطل نفسه، وهو ما دفع OpenAI للإعلان عن "معدلات خطأ مرتفعة" في الخدمتين معاً. وقد أكدت الشركة أنها تعمل على إصلاح الخلل من دون الإفصاح عن تفاصيله. لكن تحليل طبيعة الأعطال يوحي بأربع فرضيات تقنية رئيسية:
هجوم سيبراني: هجمات DDoS (حجب الخدمة الموزع) مرجحة بشكل خاص، إذ تتطابق أنماط الأخطاء مع محاولات إغراق الخوادم بطلبات زائفة.
فشل أنظمة التوسع التلقائي (Auto-scaling) في استيعاب الحمل المتصاعد بعد إطلاق ميزة "الصوت المتقدم" قبل يومين فقط.
خلل في التحديث البرمجي: الارتباط الوثيق بين تعطل ChatGPT وخدمة Sora يشير إلى خلل في مكون مشترك، ربما في أنظمة إدارة الجلسات أو التوثيق.
الفشل المتتالي: عطل أولي في قواعد البيانات أو شبكة التوزيع الجغرافي (CDN) قد يكون أشعل سلسلة انهيارات متتالية في البنية التحتية.
الصدمة الاقتصادية: المركزية الرقمية الهشة
لم يكن التعطل مجرد إزعاج تقني، بل صدمة كشفت هشاشة النسيج الاقتصادي الحديث. ففي اليوم السابق للعطل، أعلنت OpenAI عن تحقيق 10 مليارات دولار إيرادات سنوية متكررة (ARR). لكن هذا الإنجاز المالي تلقى ضربة قاسية خلال ساعات، حيث تُقدَّر الخسائر المباشرة بين 50-100 مليون دولار(في 7 ساعات) نتيجة تعطل واجهة برمجة التطبيقات (API) التي تعتمد عليها آلاف الشركات في عمليات حيوية مثل خدمة العملاء الآلية، وتوليد المحتوى التسويقي، وتحليل البيانات.
التأثير الاقتصادي تجلى في ثلاث طبقات: الطبقة الصغرى حيث عانى العاملون المستقلون والمشاريع الصغيرة من شلل فوري في إنجاز مهامهم، والطبقة المتوسطة مع توقف خطوط الإنتاج في الشركات الناشئة المعتمدة كلياً على API، وأخيراً الطبقة الكبرى حيث شهدت أسهم منافسي OpenAI مثل DeepSeek و Gemini ارتفاعاً كبيرًا أثناء فترة التعطل.
الاستجابة المجتمعية: إدمان رقمي مكشوف
كشفت ساعات الصمت الرقمي عن تحول جذري في السلوك المجتمعي. في الجامعات، تجمّدت بحوث الطلاب الذين اعتادوا على استخدام ChatGPT كمساعد أكاديمي أساسي. وفي المكاتب، توقفت عمليات صياغة التقارير والترجمة الفورية. الأكثر إثارة للقلق كان ظهور أعراض "القلق الرقمي" (Digital Anxiety) بين المستخدمين، حيث انتشرت على X (تويتر) آلاف الصور لرسائل الخطأ مع تعليقات مثل "كيف أعمل بدونه؟".
هذا الحادث كشف أيضاً عن تفاوت رقمي طبقي: مستخدمو الحسابات المدفوعة حصلوا على أولوية في استعادة الخدمة، بينما ظل المستخدمون المجانيون يعانون لساعات إضافية.
هذا العطل يُقدِّمُ درسين للمستقبل الرقمي:
أولاً تقنيّاً: الحاجة الملحة لاستراتيجيات مرنة لخوادم متعددة السحابة (Multi-cloud Resilience) وتطوير أنظمة ذكاء اصطناعي لامركزية. فلو امتد هذا العطل لأيامٍ لتحوَّلت آثاره إلى كارثة اقتصادية.
ثانياً اجتماعياً-اقتصادياً: ضرورة إعادة التوازن بين معرفة الإنسان ومعرفة الآلة. يجب أن تشمل سياسات التعليم المستقبلية تطوير "مهارات مقاومة الأعطال" (Failure-Resistant Skills) غير المعتمدة كلياً على الذكاء الاصطناعي. تعطُّلChatGPT اليوم يشير إلى أن الاعتماد على الذكاء الاصطناعي يجب أن يكون مدروساً. التحدي الأكبر الآن هو بناء مجتمعات رقمية لا تتوقف عندما يتعطّل الخادم، حيث يصبح الذكاء الاصطناعي أداة داعمة - لا أساساً وجودياً - للإنتاج والمعرفة والابتكار.