تفاصيل وخلفيات جريمة تصفية الشيخ الرفاعي... من يوقف تمدد السرايا في عكار؟

 ما كان متوقعا قبل الكشف عن خيوط جريمة قتل شيخ وإمام مسجد القرقف أحمد شعيب الرفاعي وتوقيف القتلة بعد خمسة أيام على خطفه لن يكون كما قبله. فاستنفار النفوس والشحن الطائفي كان يهدد بإشعال الأرض، ولولا حكمة العقلاء وتحديدًا مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان بدخوله على الخط مباشرة وكذلك الحال بالنسبة إلى مفتي عكار الشيخ زيد زكريا وشخصيات سياسية سنية وتحرك الأجهزة الأمنية، لكان المشهد اليوم على الأرض أقرب إلى ما لا تحمد عقباه.

مع ذلك تبقى الأسئلة التي من شأنها أن تدير محركات الفتنة الطائفية والمذهبية على الأرض العكارية خصوصًا أن القتلة ينتمون إلى جناح سرايا المقاومة التابع لحزب الله. فهل توقيت الجريمة وخلفياتها محض عائلي كما أظهرت التحقيقات مع القاتل يحيى الرفاعي والمجموعة المتعاونة معه وماذا بعد إدانتهم؟هل ستتم محاكمتهم على قوس القضاء المستقل أم يكون لـ"رعاتهم" اليد الطولى في إخراجهم وليس بجديد تحت ستارة فائض القوة؟

مصادر خاصة معنية بالملف توضح لـ"المركزية" أن خلفيات الجريمة تعود إلى خلاف عائلي بين المغدور الشيخ أحمد الرفاعي ورئيس البلدية يحيي الرفاعي الذي يعتبر أحد أجنحة سرايا المقاومة في البلدة. ومعلوم أن المغدور كان يعارض توجه رئيس البلدية وكل من يسير في خط التوجه الإيراني وكان يركز في خطبه في مسجد القرقف وداخل مجالسه على ضرورة عدم الإنجرار وراء هذه المجموعات، وتضيف المصادر أن رئيس البلدية كان يستمد قوته من  السرايا التي مدّته بالسلاح بحيث تبين أنه يملك مستودعًا من الأسلحة والذخائر والقنابل خلال عملية دهم منزله إضافة إلى والمال والمساعدات التموينية.

ما كان متوافرا لمجموعة القتلة من غطاء سياسي غاب عن المغدور الشيخ الرفاعي، بحيث كان الغطاء السياسي السني مؤمنًا عبر رئيس الحكومة السابق سعد الحريري ومع إعلان استقالته لم يعد هناك من غطاء أو رافعة سياسية بحسب المصادر، وتضيف بأن عقلية الإستقواء لدى الجاني يحيي الرفاعي تعزّزت مع الحديث عن إمكانية إجراء الإنتخابات النيابية وقد تلمس حجم المخاطر التي يشكلها الشيخ المغدور لا سيما أنه كان يركز في خطبه على الأخطاء التي يرتكبها رئيس البلدية وعلى الدعم الذي يتلقاه سواء من السلاح أو المواد التموينية. ومعلوم أن السرايا تسعى جاهدة لاستغلال نفوذها في مسألة الإنتخابات البلدية باعتبار أن رئيسها يشكل مفتاحا إنتخابيا وهذا ما كان يسعى للقيام به في بلدة القرقف من خلال رئيس البلدية الجاني يحيي الرفاعي. وازداد الشحن مع احتضان سرايا المقاومة خصم الشيخ الضحية على صعيد البلدة.

الأكيد، وفق المصادر، أن لا قرار مباشر من قبل حزب الله بتصفية الشيخ الرفاعي، لكنها تركز على سبيين في مسألة توقيت عملية اغتياله: أولا أن المنطقة تعيش في أجواء الإنتخابات البلدية والصراع على أشده بين الشيخ المغدور والجاني سيما وأن بقاء الأخير في موقعه سيضاعف من نفوذه داخل مجتمع القرقف خصوصا والعكاري عموما. أما السبب الثاني فيتوقف على خلفيات احتدام الخلافات، إذ كان يعزز الدعم التمويني والمالي كما السلاح لرئيس البلدية. آنذاك اتخذ القرار بالتخلص من الشيخ الرفاعي. لكن الصدمة التي فاجأت الجاني والمجموعة التي عاونته على تنفيذ الجريمة كانت في سرعة تحرك الأجهزة الأمنية وتحديدا فرع المعلومات، بحيث استخدم أحدث التقنيات لملاحقة الجناة، لا سيما بعد التأكد من أن العملية ستفتح أبواب الفتنة الطائفية والمذهبية وتذهب نحو ما لا تحمد عقباه. ومما عزّز من نظرية عدم اكتشاف خيوط الجريمة لدى الجناة أن الشيخ المغدور هو إمام جامع في قرية وليس لديه موقع ديني متقدم فجاءت توقعاتهم في غير مكانها.

مع اعتراف علي الرفاعي بارتكاب والده رئيس البلدية يحيي الرفاعي الجريمة وتولي مجموعة من المحسوبين على سرايا المقاومة عملية إخفاء معالم الجثة، بات الملف في عهدة فرع المعلومات، وفق المصادر، لكن هل يضمن توقيف القاتل والمشاركين معه في ارتكاب الجريمة في وأد بذور الفتنة التي تساهم "السرايا" في تأجيجها من خلال اختراقها المجتمع العكاري؟

لا تستبعد المصادر أن يكون هناك رد فعل من قبل عائلة الشيخ المغدور في حال مارس "رعاة" مجموعة القتلة ضغوطات على القضاء لإطلاق سراحهم وهي تعلم أن القاتل ومن معه من آل الرفاعي أو الرملاوي أو ميقاتي مقربون من سرايا المقاومة وفي حال تم إطلاق أي منهم بعد شهر أو إثنين أو حتى بعد عام أو عامين سيعرفون أنه حصل بضغط من رعاتهم ولا شيء يكفل بقاء نار الفتنة تحت الرماد إلا بتطبيق أحكام القضاء بشكل عادل ومستقل أي صدور حكم بالمؤبد عدا ذلك...أما الآن فيمكن القول إن فتيل الفتنة بات وراء المجتمع العكاري على الصعيد الطائفي.

وبحسب المصادر، ثمة شرطان رئيسيان للحد من اختراق سرايا المقاومة للمجتمع العكاري الذي يتميز بشراسته وقوة اندفاعه في الدفاع عن الوطن وهذا ما يتجلى في انتماء غالبية أبناء عكار إلى مؤسسة الجيش اللبناني. فبعد تعليق سعد الحريري عمله السياسي ازداد نشاط السرايا في منطقة عكار وانساق عدد من أبناء السنة وراء مخططاتها  نتيجة الإهمال وبذلك تمكن من ضرب عصفورين بحجر واحد المؤسسة العسكرية التي يشكل أبناء عكار عمودها الفقري ووضع اليد على العمق السني الشرس أولا إيجاد مرجعية سياسية سنية قوية تستقطب الشارع السني وتشعره بالأمان وثانيا وهو الأهم تقديم الخدمات الإجتماعية للمنطقة من خلال المؤسسة العسكرية بدلا من السرايا ومن خلفها،كونها تشكل مصدر الأمن والأمان للعكاري .